الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نساء نوبل.. لو كان العالم امرأة

نساء نوبل.. لو كان العالم امرأة
21 أكتوبر 2009 21:06
في تاريخ الدفاع عن حقوق الإنسان عموما، والدفاع عن الحقيقة والعدالة والأمل وحقوق المضطهدين خصوصا، ثمة الكثير من الشخصيات الشهيرة، ومن بين هؤلاء الكثير من النساء اللواتي ناضلن من أجل هذه القضايا والمبادئ الإنسانية الكبرى، ودفعن ثمن نضالهن من جهة، لكنهن حققن حضورا على مستوى البشرية كلها، وحظين باحترام العالم كله وتقديره. من بين هؤلاء النسوة إحدى عشرة امرأة نلن جائزة نوبل للسلام مكافأة لالتزامهن بهذه القضية، قضية السلام بكل ما تنطوي عليه من تفاصيل وعناصر متنوعة. نساء يعتقدن بالخير، حتى أن الإشعاع المنبعث من نسوة المثل العليا هؤلاء هو إشعاع نادر وخارق، وهو ما يحمل معتقداتهن الراسخة على السطوع وتحويل هذا الإشعاع إلى رمز تاريخي. وهو أمر يقارب المعجزة في ظل حالات العنف والنزاعات الدموية المنتشرة في أرجاء العالم. أمام هذه الأعمال “البطولية” التي تقارب الأسطورة فإن تقديم صورة لـ”منجزات” هذه النسوة يمكن أن يعطي المثال. برتا فون شوتنر: نوبل 1905 أول من حازت الجائزة بعد مسيرة طويلة من الكفاح، ولدت عام 1843 في قرية من قرى العاصمة براغ البوهيمية. بدأت حياتها العملية في التدريس، وبعد زواجها بآرثر غونداكار وعيشهما في القوقاز عملت معه في الكتابة، وفي العام 1889 أصدرت كتابين هما “عصر الآلة” و”فلتسقط الأسلحة”، وفي العام 1903 صدرت لها سلسلة “أطفال برتا”، وكانت في العام 1891 أنشأت جمعية السلام النمساوية وترأستها حتى وفاتها في العام 1914. وفي العام 1892 التقت ألفرد نوبل في زيوريخ بعد انعقاد مؤتمر السلام العالمي الرابع في بيرن، ثم أصدرت مع ألفريد مجلة “فلتسقط الأسلحة”، وبعدها حضرت الكثير من مؤتمرات السلام العالمية، وقامت بجولات للمحاضرة في عدد من دول العالم. ومن أبرز مواقفها أنها وقفت مع الكثير من قضايا المضطهدين في العالم، ومن مواقفها المتميزة كونها رفضت الجدال العقيم لعلماء اللاهوت الذين يعتبرون أن السبب الأساسي للحروب يكمن في الطبيعة الآثمة للبشر.. مركزة جهدها لكي يفسح “بطل الحرب” الطريق أمام “بطل السلام”. جين آدامز: نوبل 1931 ولدت في ولاية إلينوي الأميركية 1860 لرجل أعمال كان مقربا من أبراهام لنكولن، لكنها شهدت بؤسا اجتماعيا كبيرا بوفاة والدها، كانت أول من أسست مؤسسة للخدمات الاجتماعية في العام 1889، فساعدت على تنظيم عمليات تفقد للمصانع بهدف استئصال مظاهر الظلم الاجتماعي، وأسهمت في تأسيس نقابات للعمال والعاملات، وكانت أول من عملت لإنشاء محكمة لليافعين للدفاع عن حقوق الطفل. في 1915 انتخبت رئيسة لحزب النساء للسلام ورئيسة للمؤتمر الدولي للنساء في لاهاي، وكانت أول أميركية تحصل على نوبل للسلام بعد مواقف معادية للحروب، وتوفيت في العام 1935. وهكذا نجد أن القضايا الاجتماعية التي هيمنت على نشاط جين، وخصوصا الفقر والطفل والموقف من المرأة، وعرف عنها عملها لردم الهوة بين الطبقات، منطلقة من مفهوم يقضي بعدم “توزيع الحسنات فقط، بل معالجة المشكلة من جذورها من خلال العيش والعمل مع الفقير بهدف تحسين ظروف حياته على المدى البعيد”، وهي القائلة “شعرت بمسؤوليتي وبشكل مفرط عن الفقر المحيط بي، وقد جعلني الاشتراكيون أشعر بهذه المسؤولية مرارا وتكرارا”. إميلي غرين بالتش: نوبل 1946 ربما كانت بالتش المرأة الأولى، إن لم تكن الوحيدة، التي أدركت، منذ العام 1955، ما نعرفه اليوم بحوار الشعوب والثقافات، وذلك بعد سنوات من حصولها على نوبل، حين وجهت في ذلك العام رسالة إلى الشعب الصيني في عز الصراع بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي جاءت فيها دعوة إلى الحوار وتجاوز الخلافات والاختلاف في اللغات والديانات، رافضة الفصل بين البشر”، لذا تقول للصينيين، وللشعوب المختلفة بالضرورة: “الحواجز الكبيرة لا يمكن تجاوزها، دعونا نتعلم العيش معا”. لكنها قبل ذلك كانت قدمت الكثير في سبيل السلم العالمي، ففي الوقت الذي كانت مشاركة النساء في الحياة السياسية نادرة في أميركا، استطاعت هي العمل بفاعلية “في إنشاء البنى الاقتصادية والاجتماعية التي تجعل السلام ممكنا”. توفيت في العام 1961 عن أربعة وتسعين عاما. بيتي وليامز وميريد كوريغان: نوبل 1977 في العام 1976 أسست المرأتان “حركة أشخاص السلام” التي سيكون لها الدور الأساس في وقف الحرب في آيرلندا، وقادتا تظاهرات بمئات الآلاف في شوارع بلفاست لمنح “فرصة للسلام”، وكانت سببا من أسباب منحهما الجائزة بعد عام من تأسيس حركتهما ونشاطها، كانت بيتي ضد الحرب واضطرت للوقوف مع ضحاياها حتى لو كانوا من الجنود البريطانيين، ولم تقتصر جهود المكافحتين على ما قامتا به في آيرلندا، بل تعدت ذلك لتكونا “حاملتين لشعلة الأمل” في العالم أيضا. لقد انفصلت بيتي وميريد بعد ذلك، وسارت كل منهما في طريق، لكن طريق كل منهما كانت طريقا للسلام لا تختلف عن الأخرى سوى في التفاصيل، فالرسالة بقيت هي نفسها “العيش والحب وإنشاء مجتمع عادل ومسالم”. الأم تيريزا: نوبل 1979 إنها “إمبراطورة الحب” الأكثر شهرة في القرن العشرين، وهي ابنة مقدونيا المولودة عام 1910، وقد بدأت مشوارها حين تركت منزل والديها في الثامنة والثلاثين من عمرها، لتبني عالمها “عالم الحب” ونبذ الكراهية، وأنشأت “رهبنتها” التي ستضم آلاف الراهبات والرهبان العاملين من أجل السلام في العالم، فمن كالكوتا أنشأت “مدينة السلام” فنالت جائزة جواهر لال نهرو للتفاهم الدولي، وتبعتها عدد من الجوائز والأوسمة وظلت تنشط بظهرها المنحني حتى بلغت السابعة والثمانين من عمرها. فهل نقول إنها كانت “المرأة الحديدية” في التقرب من البؤساء والمعدمين والمنبوذين ومواجهة العنف والاضطهاد في الهند؟ يمكن ذلك، فهي في نهاية خطاب “نوبل” قالت “لن ننسى أبدا ما حدث منذ وقت غير بعيد، حين أتى أربعة عشر بروفيسيرا من الولايات المتحدة من جامعات مختلفة، وأتوا إلى منزلنا في كالكوتا.. تحدثنا عن الحب والتعاطف..”. ألفا ميردال: نوبل 1982 في كلمة رئيس لجنة جائزة نوبل التي حازتها ألفا يصفها بأنها “اليد المساهمة في حركة نزع السلاح”، فهي لم تكن فقط أول وزيرة لنزع السلاح في العالم في الحكومة السويدية، بل هي من أشد المتحمسين والعاملين في سبيل هذا الهدف. هي مواليد العام 1902، درست الكثير من الحقول الأدبية واللغوية والاقتصادية والفلسفية والعلمنفسية، عملت كعالمة نفس في السجون، ونشرت صحيفة “الصباح” للشؤون الاجتماعية والديمقراطية، ونشطت في مجالات حقوق الزنوج وقضايا المرأة، نشرت عددا من الكتب بالمشاركة مع زوجها، ولها كتاب “مسؤولينا تجاه الفقراء”، ٍولها سجل حافل بالمناصب السياسية والدبلوماسية والمنجزات وشهادات الدكتوراه الحقيقية والفخرية والجوائز العالمية. ظلت ألفا، حتى الساعة الأخيرة من حياتها التي بلغت خمسة وثمانين عاما، تتابع نشاطها حتى وهي فاقدة النطق، ففي تلك الساعة استقبلت رئيس وزراء السويد ألوف بالم الذي حمل لها تحية راجيف غاندي وأحاديثه الحميمة عنها، بعد اللقاء توفيت بالورم الخبيث، وبعد وفاتها بشهر اغتيل ألوف بالم. ومن أبرز ما جاء في خطابها أمام لجنة نوبل تأكيدها على أن “النساء والكنائس والتجمعات المهنية تلعب دورا رائدا في الحركة الشعبية للاحتجاج على الأسلحة النووية”. أونغ سان سو كي: نوبل 1991 منذ ولادتها في بورما 1945، واسمها الذي يعني “الحزمة المشعة لانتصارات لا تُنسى”، حتى حصولها على الجائزة وكانت ما تزال في السادسة والأربعين من عمرها، لكن محاصرة بيتها لم تمكنها من السفر لاستلام الجائزة، مرورا بدراساتها وأسفارها ومناصبها الدولية والأممية، كانت قضايا الديمقراطية والحريات والنضال السلمي/ اللاعنفي هي أهم ما شغل ويشغل بال أونغ، ومن أجل ذلك تحملت القبضة العسكرية رافضة أي شروط لتحريرها حتى تم لها ذلك دون شروط في العام 1995. فالهدوء ورباطة الجأش والتحلي بالصبر والتضحية بالنفس والاستقامة والأمانة هي التي ـ كما ظلت تعتقد ـ تقود للهدف المنشود. وفي كلمة ابنها ألكسندر التي ألقاها نيابة عنها أمام لجنة نوبل قال عن مسيرتها النضالية “علينا أن نتذكر أن هذا النضال الذي تقوم به والدتي وحدها في مجمع في رانغون تحت الحراسة المشددة ليس إلا جزءا من الكفاح الطويل الذي يجري حول العالم من أجل تحرير الروح الإنسانية من الاستبداد السياسي والإخضاع النفسي”. ريغوبرتا منشو توم: نوبل 1992 أصغر الحاصلات على هذه الجائزة، فهي من مواليد العام 1959، أي أنها حازتها حين كانت ما تزال في الثالثة والثلاثين من عمرها، والأغرب أنها بلغت الثالثة والعشرين ولم تكن تعلمت القراءة والكتابة، ولكن تجربتها مع العنف الموجه إلى أهلها، والدها وشقيقها ووالدتها وبلدها جواتيمالا كله، ثم نفيها هي نفسها إلى المكسيك وهي في الثانية والعشرين، جعلت انتماءها الأساس إلى عالم اللاعنف، وكانت وهي في تلك السن المبكرة قد شاركت في لقاءات للأمم المتحدة تتعلق بالسكان الأصليين، وأخذت تشارك في لقاءات ومهمات ضد التمييز العنصري ولحماية الأقليات الإثنية. وفي منتصف الثمانينات من القرن العشرين اختيرت مع نلسون مانديلا عضوين فخريين في اللجنة البلجيكية للمنظمات غير الحكومية، ومنذ ذلك الحين أخذت تنطلق للمشاركة في اللقاءات والمؤتمرات الدولية المتعلقة بشؤون السكان الأصليين اساسا، مع انتماء عميق لحضارة بلادها العريقة (المايا) وقيمها النبيلة. جودي ويليامز: نوبل 1997 حصلت جودي الأميركية على نوبل للسلام وهي في السابعة والأربعين من عمرها، وكان الإنجاز الأساس في مسيرتها هو كفاحها العنيد طوال سنوات لمحاربة الألغام الأرضية عموما، والألغام المضادة للأفراد خصوصا، وفي سبيل ذلك جالت أنحاء العالم، بدءا من دول أمريكا اللاتينية وأفريقيا، وعملت مع المنظمات والمؤسسات الدولية. بدأ الاهتمام في العام 1981 حين دس شخص عابر في يدها منشورا لحضور اجتماع يتناول تورط الولايات المتحدة الأميركية في الحرب الأهلية في السلفادور، فانطلقت بعدها تخوض حملات حقوق الإنسان، فعملت في مشاريع المساعدة الطبية ومشاريع تدريب الأهالي وجمع المعلومات. وظلت تناضل من أجل إقناع الدول بالتوقيع على معاهدة أوتاوا لحظر الألغام حتى بلغت هذه الدول 138 دولة، كما ظلت تعتقد بإمكان شطب الألغام من العالم، وهو ما لم، ولن، يتحقق لأن دولا عظمى كأمريكا وروسيا والصين لم توقع على الاتفاقية المذكورة. شيرين عبادي: نوبل 2003 في السادسة والأربعين من عمرها حصلت الإيرانية عبادي على الجائزة، وكانت في السابعة والعشرين قد أصبحت أول قاضية ورئيسة لاتحاد المحامين الإيرانيين، لكنها مع قيام الدولة الإسلامية كان عليها التخلي عن منصب القاضية، وأخذت تمارس المحاماة، ثم توجهت نحو عمل المنظمات غير الحكومية وتناول قضايا النساء والأطفال وحقوق الإنسان ونشاطات الطلبة، اعتقلت ومنعت من ممارسة المهنة لسنوات، وكان ما ختمت به خطابها أما لجنة نوبل قولها “إذا كان القرن الواحد والعشرون يرغب في تحرير نفسه من دائرة العنف والإرهاب والحروب وتجنب تكرار تجربة القرن العشرين، القرن الأكثر دموية في تاريخ الجنس البشري، فليس أمامه سوى فهم حقوق الإنسان ووضعها قيد الممارسة بغض النظر عن العرق والجنس والمعتقد والجنسية والوضع الاجتماعي”. من كتاب “نساء السلام: 11 امرأة نلن جائزة نوبل للسلام، 1905 ـ 2003”، تأليف أنجليكا روتر وآن روفر، ترجمة حسان البستاني وزينة إدريس ولبنى عامر وندى السيد. صدر عن الدار العربية للعلوم ـ ناشرون، ضمن سلسلة “ترجم” التي تتبناها مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم. مشروع “كلمة” أول من يستحضرها عربياًهيرتا موللر الحائزة المجهولة لجائزة نوبل عمر شبانة وحده مشروع “كلمة” في أبوظبي هو الذي التفت، على المستوى العربي، إلى هذه الكاتبة، فهي حتى الآن ما تزال مجهولة تماما لدى القارئ العربي، إذ إننا لا نعرف عنها سوى القليل الذي ترجمه بعض الصحافيين العرب عن عالمها، وما تناقلته وسائل الإعلام عنها، من دون أن نعثر على نص واحد من نصوصها في العربية. فترجمة روايتها الأخيرة “أرجوحة النفس” لم تصل إلى يد القارئ بعد، وسوف ننتظر لنرى ما هي هذه الرواية، ومن هي هذه الكاتبة في الثقافة العالمية، حتى تستحق “نوبل”، لأن ثمة كثيرين ممن تدرج أسماؤهم سنوية على “القائمة” هم من الحاضرين بقوة في المشهد الأدبي العالمي، وجرت ترجمتهم إلى عشرات اللغات. ولأن موللر كرست كل أعمالها تقريبا لمواضيع تتعلق بالأقلية الألمانية في رومانيا وحياتها تحت دكتاتورية الحكم السوفييتي، فهي لم تحظ بالاهتمام الكبير حتى في ألمانيا نفسها. فموضوعها لا يحظى باهتمام كبير داخل ألمانيا، لأن القارئ العالمي حين يقرأ روايات تغوص في التاريخ الألماني يفضل أعمالا ترصد الفترة النازية وجرائمها مثل أعمال “جونتر جراس”. ولكن مولر قررت رصد التاريخ الآخر لألمانيا الذي يصور الألمان كضحايا لدكتاتورية أخرى. لقد توجت مولر أعمالها بروايتها التي صدرت هذا الصيف بعنوان “أرجوحة النفَس” وفيها تحكي قصة اضطهاد الأقلية الألمانية في رومانيا تحت حكم “ستالين” من خلال قصة شاب تم القبض عليه عام 1945 بعد انتهاء الحرب وإيداعه بأحد معسكرات العمل السوفييتية التي لم تكن أقل قسوة من المعسكرات النازية. وتصدرت روايتها هذه القائمة القصيرة لجائزة ألمانيا للكتاب التي كان يفترض إعلان الفائز بها خلال معرض فرانكفورت للكتاب. بالتأكيد لا نريد التقليل من أهمية هذه الكاتبة المجهولة لدينا، بل على العكس، هي فرصة للإشارة إلى مسألة أهمية الأدب وشهرته، فهذه حال كاتبة ربما كانت تحظى بشهرة وأهمية كبيرتين في بلادها (بلدها الأصلي رومانيا وبلدها الثاني ألمانيا)، لكنها تكاد تكون مجهولة في معظم لغات العالم، فكتاباتها لم تترجم، بحسب العارفين بسيرتها، سوى إلى القليل من اللغات. أكثر ما يستوقف القارئ حول هذه الكاتبة هو سيرتها/ حكايتها مع نظام شاوشيسكو. سيرة القمع والاضطهاد اللذين تعرضت لهما إنسانيا وأدبيا. سيرة نجدها لدى كثيرين من الكتاب الذين عارضوا الحكم الشيوعي في الاتحاد السوفييتي والصين وأوروبا الشرقية، وبعضهم نال نوبل أيضا (سولجنستين مثلا) ربما لموقفه هذا أكثر مما هو لأدبه وإبداعه! روايتها “أرجوحة النفس” تتناول ـ بحسب بعض من اطلع عليها ـ قضية قمع الرومانيين الألمان إبان فترة الحكم الستاليني في أوروبا الشرقية. فبعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية واحتلال الجيش الأحمر لرومانيا صدرت الأوامر بإيداع جميع الرومانيين من أصل ألماني بين سن السابعة عشرة والخامسة والأربعين معسكرات العمل القسري، فقد رأى الاتحاد السوفييتي حينها أن على هؤلاء الألمان المشاركة في إعادة بناء ما دمرته ألمانيا النازية. تعتبر أول مجموعة قصصية بالرومانية للكاتبة صدرت عام 1982 بعنوان “منخفضات” أقرب ما يكون إلى سيرتها الذاتية، حيث تصف فيه طفولتها في عائلة ألمانية في رومانيا. ووصفت مولر الألمان في هذا الكتاب بأنهم أقلية منعزلة وغير متحضرة، كما وصفت العنف وإدمان الخمور كإحدى مشاكل تلك الأقلية، واتهمت الاقلية بأنها حتى بعد انتهاء الحرب لم تتخلص من فكرها الفاشي مثلما فعل الألمان داخل ألمانيا. وكانت مولر تقصد بالتحديد والدها الذي كان نازيا متعصبا وكان عضوا في القوات الخاصة المقربة من هتلر. كما تطرقت للمجتمع الروماني وقسوته واضطهاده للاقليات. ولكن تم نشر الكتاب بعد أن حذفت الرقابة الرومانية كل الأجزاء التي تدين المجتمع الروماني. عملها يتلخص، كما يقول أحد نقادها، في كلمة واحدة هي “جماليات المقاومة”. كلام كبير ينتظر الفحص عبر قراءة للنصوص وليس عبر التصريحات أو المقالات السياسية للكاتبة. لكن البعض يستعرض روايتها “الموعد” التي نشرت العام 2001 كونها تصف القلق الذي تعيشه امرأة بعد أن استدعتها مديرية أمن الدولة، الأمر الذي يعكس جزءا من سيرتها الذاتية. فهي ظلت ترى أن (رومانيا) كانت مأوى لأعتى الطغاة في شرق اوروبا واكثرهم شرا بعد ستالين، خلق (تشاوشيسكو) لنفسه صور بطل توازي ما يحدث في كوريا الشمالية”. وقد بينت مولر في كتاباتها كيف الدمار البشري سببه نظام تشاوشيسكو الديكتاتوري. وتحارب موللر في كل كتاباتها الاستبداد والعنصرية القابعة في الأذهان. لكنها كما يقول أحد نقادها لا تنسى الجماليات “أرى أن لها لغة ألمانية خاصة جدا احتفظت بجمال اللغة الألمانية الكلاسيكية، فهي لغة شاعرية ومشحونة بالصور والتشبيهات والأمثال الشعبية، فحين ترى أحجارا على الشاطئ تصفها بجمال شديد ثم تصف قصة العنف التي جاءت بهذه الاحجار إلى الشاطئ: هي أحجار وضعها جنود الدكتاتور في جيوب المعارضين قبل أن يلقوا بهم إلى النهر. وأرى أن روايتها الأخيرة “أرجوحة النفس” لا تقل أهمية عن رائعة “سولجنيستين” “أرخبيل جولاج” التي فضح بها جرائم الشيوعية السوفييتية”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©