السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
ألوان

نفي أقوال الكفار الكاذبة

3 مايو 2018 21:50
القاهرة - أحمد محمد كان جميل بن معمر الفهري، رجلاً لبيباً حافظاً لما سمع، فقالت قريش ما حفظ هذه الأشياء إلا وله قلبان، وكان يقول إن لي قلبين أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد، فلما كان يوم بدر وهزم المشركون، وفيهم يومئذ جميل بن معمر، تلقاه أبو سفيان، وهو معلق إحدى نعليه بيده، والأخرى في رجله، فقال له يا أبا معمر، ما حال الناس؟، قال قد انهزموا، قال فما بالك إحدى نعليك في يدك والأخرى في رجلك؟، قال ما شعرت إلا أنهما في رجلي، وعرفوا يومئذ أنه لو كان له قلبان لما نسي نعله في يده، ونزل فيه قول الله تعالى:«ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل»، (الأحزاب:4). وقال ابن عباس رضي الله عنهما، قام النبي صلى الله عليه وسلم يوماً يصلي، فخطر خطرة، فقال المنافقون الذين يصلون معه، ألا ترى أن له قلبين قلبا معكم، وقلبا معهم، فنزلت الآية، وفي رواية عنه أيضاً: صلى رسول الله صلاة فسها فيها، فخطرت منه كلمة فسمعها المنافقون، فأكثروا، فقالوا إن له قلبين، ألم تسمعوا إلى قوله، وكلامه في الصلاة، إن له قلباً معكم، وقلباً مع أصحابه.قال الطاهر بن عاشور في «التحرير والتنوير»، هذا مقدمة لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم باتباعه مما يوحى إليه وهو تشريع الاعتبار بحقائق الأشياء ومعانيها، والمقصود التنبيه إلى بطلان أمور كان أهل الجاهلية قد زعموها وادعوها، والإشارة بقوله ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه إلى أكذوبة من أكاذيب الجاهلية كانوا يزعمون أن جميل بن معمر، وكان رجلا داهية قوي الحفظ، أن له قلبين يعملان ويتعاونان وكانوا يدعونه ذا القلبين، يريدون العقلين لأنهم كانوا يحسبون أن الإدراك بالقلب، وأن القلب محل العقل، وقد غره ذلك أو تغاور به فكان لشدة كفره يقول إن في جوفي قلبين أعمل بكل واحد منهما عملا أفضل من عمل محمد، فنفت الآية زعمهم نفيا عاما، أي ما جعل الله لأي رجل من الناس قلبين لا لجميل بن معمر ولا غيره، أي ما خلق الله رجلا بقلبين في جوفه وقد جعل إبطال هذا الزعم تمهيدا لإبطال ما تواضعوا عليه من جعل أحد ابنا لمن ليس هو بابنه، ومن جعل امرأة أما لمن هي ليست أمه بطريقة قياس التمثيل، إن هؤلاء الذين يختلقون ما ليس في الخلقة لا يتورعون عن اختلاق ما هو من ذلك القبيل من الأبوة والأمومة.وقد ذكر غير واحد أن أول عضو يخلق هو القلب، فإنه المجمع للروح، فيجب أن يكون التعلق أولا به، ثم بواسطته بالدماغ والكبد، وبسائر الأعضاء، فمنبع القوى بأسرها منه، وذلك يمنع التعدد، إذ لو تعدد بأن كان هناك قلبان لزم أن يكون كل منهما أصلا للقوى.قال السعدي، يعاتب تعالى عباده عن التكلم بما لا حقيقة له من الأقوال، ولم يجعله الله كما قالوا، فإن ذلك القول منكم كذب وزور، يترتب عليه منكرات من الشرع، ما لم يجعله الله تعالى، فإياكم أن تقولوا عن أحد إن له قلبين في جوفه، فتكونوا كاذبين على الخلقة الإلهية.وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه، يرمز بها إلى أن الإنسان لا يملك أن يتجه إلى أكثر من أفق واحد، ولا أن يتبع أكثر من منهج، وإلا نافق، واضطربت خطاه.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©