الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أميركا وأوروبا الشرقية... أين الوضوح؟

21 أكتوبر 2009 22:17
تأتي الزيارة الحالية التي يقوم بها نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى أوروبا الشرقية لتشكل فرصة مهمة لطمأنة بولندا وجمهورية التشيك ورومانيا من التزام الولايات المتحدة بأمنهم. والحقيقة أن هذه الطمأنة ضرورية، لا سيما في أعقاب القرار المثير للجدل الذي اتخذته إدارة أوباما بإلغاء نشر المنشآت الخاصة بالصواريخ الدفاعية في بولندا وجمهورية التشيك؛ ورغم أن قرار أوباما بالتخلص من الدرع الصاروخية كان صائباً من وجهة النظر العسكرية والاستراتيجية، فإن الطريقة العلنية التي تم بها سحب المشروع كانت أقل من المثالية. فقد أُطلع قادة التشيك وبولندا بفحوى القرار فقط في اللحظات الأخيرة ما جعلهم يشعرون وكأنهم بيادق يتم تحريكهم على الرقعة الاستراتيجية الأميركية، ويمكن التخلص منهم بسهولة بدل التعامل معهم كحلفاء لهم قيمتهم كما كان وضعهم دائماً، وهو ما ساهم في ظهور تصور خاطئ يرى أن التحرك الأميركي جاء بالأساس لتهدئة روسيا وبأن مصالح أوروبا الشرقية، ستعاني في الوقت الذي تسعى فيه واشنطن إلى إعادة ضبط علاقاتها مع موسكو. وبالطبع ليس صحيحاً هذا التصور ذلك أن القرار الأميركي بسحب الدرع الصاروخية إنما حركه تغير في طبيعة التهديد الإيراني، دون أن يعني ذلك أن القرار لم يلحق ضرراً بالعلاقات الأميركية مع المنطقة، وهي العلاقة المحورية التي كانت تعتريها أصلا بعض الصعوبات، لذا سيكون على "بايدن" القيام بأكثر من مجرد رأب الصدع الناتج عن موضوع الدرع الصاروخية. فهو في حاجة خلال هذه المرحلة الدقيقة إلى بلورة سياسة واضحة ومتماسكة تحدد موقع أوروبا الشرقية في الاستراتيجية الأميركية تجاه أوروبا، ومنطقة أوراسيا وتحدد أيضاً كيف سيستفيد الالتزام الأميركي بأمن بأوروبا الوسطى والشرقية من ضبط العلاقات مع روسيا بدل التضرر منها، لا سيما بعد تراجع الدعم الشعبي في أوروبا الشرقية للولايات المتحدة في الآونة الأخيرة. فقد كشف استطلاع للرأي أجراه في الأسبوع الماضي "صندوق مارشال الألماني" أن سكان بلغاريا وبولندا ورومانيا وسلوفاكيا باتوا أقل تعاطفاً مع أوباما والولايات المتحدة عموماً من نظرائهم في أوروبا الغربية، ولفهم الجذور العميقة لهذا التوتر يتعين النظر إلى ثلاثة عوامل أساسية: - الصعود الروسي على الصعيدين السياسي والعسكري: فبعد خضوعهم لفترة طويلة للهيمنة الروسية والسوفييتية تشعر دول أوروبا الوسطى والشرقية بحساسية كبيرة تجاه التغيرات الجارية في روسيا، فهم يتوجسون من أن تؤدي تكتيكات التخويف التي تنتهجها موسكو، بالإضافة إلى استخدامها للطاقة كورقة ضغط في سياستها الخارجية إلى تآكل الاستقلال السياسي لتلك الدول مع مرور الوقت. - التخوف من وهن الإرادة السياسية لحلف شمال الأطلسي: فقد بات عدد متزايد من دول أوروبا الشرقية يشككون في مدى استعداد الناتو لحمايتهم خلال الأزمات، لا سيما بعد تزايد هذه المخاوف على خلفية الغزو الروسي لجورجيا في العام 2008 وطريقة تعامل أوروبا الغربية مع الأمر الذي فسره العديدون على أنه ميل أعضاء حلف شمال الأطلسي للتفاهم مع روسيا حتى في أوقات صراعها مع جيرانها. - انعدام اليقين تجاه السياسة الأميركية إزاء أوروبا: وهنا لا تنبع مخاوف أوروبا الشرقية من "يالطا جديدة" تقسم الأراضي الأوروبية بين القوى الكبرى بقدر ما تنبع من شعور بالإهمال من قبل تلك القوى، فهم يعرفون أن إدارة أوباما ليست بصدد بيعهم مقابل إيماءة رأس من قادة روسيا، ديمتري ميدفيديف، وفلاديمير بوتين، بل يتخوفون من أنه مع استكمال توسع الناتو والاتحاد الأوروبي ستنسى الولايات المتحدة الموضوع الأوروبي مفترضة أن المنطقة أصبحت مستقرة سياسياً ومزدهرة اقتصادياً وموالية لأميركا في المستقبل، وبالنسبة للعديد من الأوروبيين الشرقيين تبدو هذه النظرة سابقة لأوانها. وباختصار يتعين على نائب الرئيس الأميركي الذهاب إلى أبعد من السيطرة على الضرر الذي أحدثه سحب الدرع الصاروخية لبلورة سياسة واضحة تجاه مجمل المنطقة، هذه السياسة التي يمكن أن تنهض على ثلاثة مبادئ: أولا، أن الالتزام الأميركي بأمن بولندا ولاتفيا ورومانيا سيبقى قوياً ومستمراً تماماً مثل الالتزام الأميركي تجاه إنجلترا وفرنسا وألمانيا؛ وثانياً، أن تحسن العلاقات الأميركية- الروسية ستنتفع منها أوروبا بأكملها، ولن تأتي على حساب أوروبا الشرقية؛ وثالثاً، أن تشدد أميركا على رفضها لسياسة مناطق النفوذ التي تظل هدفاً رئيسياً للسياسة الروسية. ومع أن الإعلان عن هذه السياسة لن يؤدي إلى تبديد جميع مظاهر الشعور بعدم الارتياح في أوروبا الوسطى والشرقية، إلا أنها بالتأكيد ستساهم في التخفيف من حدته، وستمنح السياسة الأميركية في المنطقة قدراً أكبر من الوضوح الاستراتيجي. باحثان متخصصان في الأمن الأوروبي بمعهد «راند» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©