الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

تركيا تقترض 2,9 مليار دولار لبناء غواصات

31 ديسمبر 2010 23:37
تمثل الهجرة النبوية الشريفة حلقة فاصلة في تاريخ الأمة، ومن ثم ينبغي ألا نتعامل معها من خلال الاحتفال بذات الحدث، ولكن ينبغي أن نستلهم منها الدروس والعبر، فدروس الماضي زاد للتعامل مع الحاضر والمستقبل. لذا نلمح في حادثة الهجرة العديد من الدروس والعبر . من أبرز هذه الدروس أولاً : التعامل مع الأشياء بأسبابها، وهذا درس نحتاجه في عالم اليوم ، فالنبي -صلى الله عليه وسلم - الذي أسرى به ربه من مكة إلى بيت المقدس في جزء من الليل كان من الممكن أن تتم له الهجرة على هذا النحو، ولكن الحق سبحانه وتعالى أراد أن يرسخ في أذهان الأمة من خلال الهجرة أن الأمور لا تطلب إلا بأسبابها، وأن النصر معقود بسواعد الرجال، ومن ثم كان التخطيط للهجرة والاستعانة بالدليل، وتجهيز الراحلة، وإخفاء الأثر من خلال سير عامر بن فهيرة بأغنامه في أثر النبي- صلى الله عليه وسلم - وصاحبه إلى الغار . ثانياً: تؤكد لنا الهجرة على عالمية الإسلام، هذا الدين الخالد الذي شاء الحق سبحانه وتعالى له أن يظهر في مكة وينتشر من المدينة، فلو لم يكن الإسلام ديناً عالمياً لظل حبيساً لجدران مكة حتى يأذن الله سبحانه وتعالى بالنصر والتمكين لدينه، ولكن أتت الهجرة لتكون إعلاناً عملياً عن عالمية هذا الدين، وتؤكد على أن أرض الله سبحانه وتعالى كلها وطن لدين الله. وهنا يكون روعة الملمح التكاملي في هذه العالمية التي تذوب فيها الفوارق بين الأفراد فلا تمايز بينهم بجنس أو لون أو عرق أو دم، فهي عالمية وسعت في ظلها صهيب الرومي وسلمان الفارسي وبلال الحبشي وعمر بن الخطاب العربي . ثالثاً: نأخذ من الهجرة تكاملية العمل الجماعي إذ اشترك في إنجاح هذا الحدث المرأة ممثلة في السيدة أسماء بنت أبي بكر التي كانت تتولى مهمة الإمداد والتموين للنبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه في الغار ، كذلك اشترك في إنجاحها الشاب الفتى ممثلاً في الإمام علي كرم الله وجهه، والذي بات في فراش النبي صلى الله عليه وسلم متدثراً ببرده، معرضاً نفسه للخطر في سبيل إنجاح هذا الحدث ، كذلك اشترك في إنجاحه الرجل الكبير ممثلاً في أبي بكر الصديق ، والذي كان نعم الصاحب والرفيق للنبي صلى الله عليه وسلم، كذلك اشترك في إنجاحه العبد ممثلاً في عامر بن فهيرة الذي كان يجب الأثر خلف النبي وصاحبه، كذلك اشترك في إنجاحها الكافر ممثلاً في عبد الله بن أريقط الذي كان دليلاً لهذه الرحلة المباركة نظراً لحذقه وخبرته، مما يدلل على أن الإسلام يولى أهل الخبرة والدراية الاهتمام والعناية وإن كانوا على غير دين الإسلام، بل إن المتفحص لتكاملية العمل في هذه الرحلة يجد للجنين حظاً في إنجاحها، وقد تمثل ذلك في عبد الله بن الزبير الذي كان جنيناً في بطن أمه السيدة أسماء بنت أبي بكر وهي تتولى مهمة الإمداد والتموين للنبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه، كذلك كان لغير الإنسان من الطير والحيوان والحشرات سهماً في إنجاح هذا الحدث فتمثلت الحشرات في العنكبوت، والذي نسج خيوطه على فتحة الغار ليصرف أنظار الكافرين عمن بداخل الغار، وتمثل الطير في الحمام الذي أبى إلا أن يعشش ويبيض على فم الغار ليوهم المشركين بأن أحداً لم يدخل الغار منذ زمن طويل، وهكذا تضافر الكون بما فيه ومن فيه في إنجاح هذا الحدث في تناغم وتكامل عجيب ليبقى الدليل على أن العمل الجماعي هو قوام نهضة الأمم ونجاح الشعوب. رابعاً: نبل التعامل مع الأعداء يعتبر من الدروس المهمة في هذه الرحلة ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان من الممكن أن يوجد لنفسه مبرراً عقلياً لأخذ أموال قريش نظير ما خلفه المسلمون من ديار وزروع وأموال حال هجرتهم من مكة إلى المدينة حيث كان النبي-صلى الله عليه وسلم- مستودعاً لأمانات قريش، ولكنه- صلى الله عليه وسلم- يعطي الدرس للأمة وللعالم بأسره في أن المبادئ فوق الأهواء، وأن نبل المعاملة مطلوب حتى مع الأعداء، ومن ثم خلف النبي صلى الله عليه وسلم الإمام علي رضي الله عنه لرد الأمانات إلى أهلها بعد هجرته . خامساً: يعلمنا الإسلام من خلال الهجرة أن الضعيف هو أمير الركب في هذا الدين، ونلمح ذلك من خلال المقارنة بين هجرة الفاروق عمر وهجرة النبي صلى الله عليه وسلم، فهجرة الفاروق عمر كانت جهرية استقبل البيت الحرام فيها ثم قال لأهل مكة: من أراد أن ييتم ولده أو تثكله أمه فليلقني خلف هذا الوادي. بجانب هذا كانت الهجرة السرية للنبي- صلى الله عليه وسلم-، فهل كان عمر أشجع من النبي- صلى الله عليه وسلم- عندما جهر بهجرته؟ كلا غاية الأمر أن فعل عمر رضى الله عنه ليس هناك تشريع يترتب عليه، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم يترتب عليه التشريع فإذا ما هاجر جهراً لزم كل مسلم أن يقتدى به صلى الله عليه وسلم في هجرته، ومما لا شك فيه أن هذا سيشق على ضعفاء المسلمين ، ومن ثم راعى النبي صلى الله عليه وسلم جهدهم وقلة حيلتهم فأسر بهجرته على خلاف ما فعل عمر رضي الله عنه . وفى النهاية يكون الدرس الأكبر وهو معية الله سبحانه وتعالى لكل إنسان صدق ربه فيما عاهده عليه ، فالصديق رضى الله عنه يسمع دبيب أقدام المشركين على باب الغار فيقول للنبي - صلى الله عليه وسلم-: يا رسول الله لو نظر أحدهم تحت قدمه لرآنا ولكن النبي صلى الله عليه وسلم يؤكد للصديق أن معية الله سبحانه وتعالى قد كفلها للمخلصين والصادقين من عباده، فيقول للصديق مخاطباً : يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما، يا أبا بكر لا تحزن إن الله معنا . من هذا المنطلق تتجدد ذكرى الهجرة باستحضار دروسها ، وترسخ قيمها باستحضار معانيها والعبرة منها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©