الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صيف ···2008 بوادر عالم جديد

صيف ···2008 بوادر عالم جديد
13 أغسطس 2008 23:19
لقد تغير العالم بالفعل يوم الجمعة الماضي، جراء تزامن حدثين مختلفين تماماً هما: مراسم افتتاح أولمبياد بكين، والهجوم الروسي على جورجيا· وبالنتيجة بعثت كل من موسكو وبكين رسالة إلى العالم مفادها حدوث تحول كبير في علاقات القوى السابقة، وأن قوى دولية جديدة شرعت في إبراز عضلاتها وإعلان تحديها لنظام العلاقات الدولية الراسخ· وبالطبع لا أرمي هنا إلى عقد مقارنة بين الحدثين اللذين تزامن وقوعهما يوم الجمعة الماضي· فقد كان افتتاح الأولمبياد استعراضاً مذهلاً لثروة الصين وقوتها وقدرتها الإبداعية ورؤيتها، وهو الافتتاح الذي بهر مليارات المشاهدين على نطاق العالم ونال إعجابهم· لكن وعلى رغم ذلك، فقد كانت مراسم افتتاح الأولمبياد وليس الغزو الروسي لجورجيا، هي التي رمزت إلى التحدي الأكبر للقيم الديمقراطية· ولم يكن وقوع هذين الحدثين في الفراغ أو اعتباطاً· فقبل بضعة أسابيع فحسب، انهارت مفاوضات التجارة العالمية بسبب اعتقاد الصين والهند أن من شأن القيود التجارية المقترحة أن تهدد مصالح مزارعيهما· وحين بدأت جولة المفاوضات هذه في الدوحة عام ،2001 لم يكن يتنبأ أحد بأن تعرقل مسارها لاحقاً قوى غير غربية· لكن وبحلول صيف العام الحالي، تعاظم النفـــوذ الاقتصـــادي لكـــل مــن الصين والهنــد، إلى حد مكنهما من قتل المفاوضات في نهاية الأمر· وعليه فإن الأرجح أن يؤرخ المؤرخون لصيف العام الحالي، باعتباره بداية لبروز عالم جديد، تسوده قوى متعددة لا غربية· كما بدا واضحاً أيضاً أن العلاقات الدولية التي هيمنت عليها الولايات المتحدة في القرن العشرين، لن تنتقل مطلقاً بحذافيرها لتواصل هيمنتها على القرن الحادي والعشرين· وعلى الرغم من أن غزو موسكو الأخير لجورجيا يعد الحدث الأكثر إثارة للصدمة بين هذه التحولات، إلا أنه يظل مع ذلك قاصراً عن أن يكون الحدث المزلزل بالفعل· والسبب أن هذا الغزو لا يخرج عن تقليد استئساد الدولة الكبرى، وسعيها إلى فرض ما يشبه السيادة على جاراتها الصغريات· وقد ضلعت الولايات المتحدة الأميركية في مثل هذا النوع من التدخلات في شؤون جاراتها، اعتماداً على مبدأ مونريو· ومثلما تحركت روسيا عسكرياً لتقويض نظام مجاور لها وموال لواشنطن والغرب في الوقت ذاته، فقد سبق لواشنطن أن تحركت هي الأخرى عسكرياً لإسقاط الزعيم الكوبي فيدل كاسترو في معركة خليج الخنازير الشهيرة، وكذلك للإطاحة بنظام حركة الساندينستا في نيكارجوا، إلى جانب إعطائها الضوء الأخضر للمحاولة الانقلابية المضادة للرئيس الفنزويلي هوجــو شافيز في عام ·2002 ولم تجلب أي من هذه التحركات ما يحسب لصالح أميركا أو روسيا، إلا أنها ليست بالظاهرة الجديدة في تاريخ العلاقات الدولية· والحق أن روسيا اليوم عبارة عن خليط بين الشمولية القيصرية الجديدة داخلياً، والتمرد السلافي عالمياً· ولا تستمد روسيا نفوذها الحالي من معتقداتها السياسية أو الأيديولوجية، على غرار ما كانت عليه إبان البلشفية اللينينية، كما ليس مرجحاً لموسكو أن تنال تأييد أنصار لها خارج دائرة القوميات السلافية، أو بفضل نمطها الاقتصادي، وإنما تستمد نفوذها الحالي من منتجات نفطها وغازها الطبيعي، مــع العلم أن أوروبا تعتمــد عليهــا اعتمــاداً كلياً في هذه المنتجات· وليست موسكو اليوم مما يمكن التعامل معها على أنها بذرة للديمقراطية النامية والصديقة لنا· غير أنها في الوقت نفسه، ليست تمثل مهدداً أمنياً جدياً لنا، يستوجب الإعلان عن خوض حرب باردة جديـــدة ضدها، على نحو ما يعتقد المرشحان الرئاسيان الأميركيان· أما إذا ما التفتنا إلى الصين، فسوف نجدها أمراً آخر مختلفاً جداً· والمقصود بهذا مراسم الافتتاح الأولمبي التي صممها المخرج السينمائي ''زهانج يمو''، خاصة أن في نجاح تلك التصميمات في اختزال البشر إلى تجريد مرئي بارع للدقة والتناغم، ما يذكر بتصميم كل من ''بيسبي بيركلي'' و''ليني رايفشنتول'' لأولمبياد برلين في عام ·1936 وكان لـ''رايفشنتول'' اليد الطولى في تلك التصميمات التي عرضت في فيلمها ''الأولمبياد''، الذي طغت عليه الجماليات الفاشية· أما المخرج الصيني زهانج يمو فقد عمدت تصميماته لافتتاح أولمبياد بلاده هذه المرة، إلى الاحتفاء بإنجازات الصين وقوتها، إلى جانب تأكيد تناغم بلاده السرمدي مع بقية دول العالم· ومن الصور اللافتة جداً في مراسم الافتتاح، ذلك الصبي الصغير البالغ من العمر تسع سنوات، الذي كان يرافق حامل العلم الصيني· فقد كان الصبي أحد الناجين القلائل من الهزة الأرضية الأخيرة التي ضربت الصين، ووراءه تكمن قصة بطولية أسطورية حرص المخرج على إظهارها وتأكيدها بقوة· فقد خرج الصبي بالكاد من بين أنقاض مباني المدرسة، التي كان يرقد تحتها الكثيرون من زملاء فصله الدراسي بين القتلى··· إلا أنه عاد إلى ذات المكان بعد مدة قصيرة من نجاته· وعندما سئل: لماذا عدت؟ أجاب: لقد كنت مشرفاً على صفي الدراسي··· وكان واجباً علىّ أن أعود لأعتني بزملائي تحت الأنقاض· وسواء كانت هذه الإجابة تلقائية من الصبي، أم ''حطها'' أحد الكبار على فمه، فهي لاشك تقف لافتة إعلانية باهرة لسلطة شمولية أرادت أن تؤكد للعالم كله أن نموذجها الاجتماعي السياسي ليس أقل خيراً ولا إنسانية من أي ديمقراطية غربية ينبهر الناس بها· وهكذا تمثل الصين تحدياً اقتصادياً يحسب له ألف حساب، كما نرى في قدرتها الساحرة على ترويج نمط رأسماليتها اللينينية، التي يحصد الغرب فوائد عمالتها الرخيصة· ومثلما نجحت بكين في ضبط أصوات وحركات ألفين من قارعي الطبول، فها هي تنتزع حق ادعاء أنها خط الإنتاج الاقتصادي العالمي الأول بلا منازع! هارولد ميرسون محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©