الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اغتيال امرأة مهمة

اغتيال امرأة مهمة
6 ابريل 2012
أحمد محمد (القاهرة) - كانت الساعة تُشير إلى السادسة والنصف صباحاً عندما كانت «نيرمين» بسيارتها في الشارع الرئيسي بأحد الميادين المعروفة والشوارع تكاد تكون خالية في هذا الوقت، فالموظفون والعمال يذهبون إلى أعمالهم ما بين السابعة والثامنة، لاحظت أن سيارة تتبعها، وبها شخصان، منذ دقائق عدة اقتربا منها، وهدأت من السرعة لوجود مطب صناعي لتتجاوزه بسهولة، في تلك اللحظة اقتربا منها، وأغلقا أمامها الطريق، ولم يمكناها من مواصلة السير، وقفز أحدهما إليها، وفتح باب سيارتها، وهو يهددها بالقتل، وأمرها بالتوقف، فأصيبت بالرعب، لأن الشر يطل من عينيه بوضوح، وهيئته لا تبشر بخير، وصوب نحوها بندقيته الآلية ارتعدت فرائصها، فهي امرأة ضعيفة، وأمام مجرم مسلح بسلاح سريع الطلقات، لم تستطع أن تستغيث أو تستنجد بأحد، فالشارع خالٍ من السيارات والمارة، والأهم أن المفاجأة أصابتها بالخرس، وحبست الكلمات في حلقها عندما أمرها بالنزول من السيارة لم تعرف كيف تتصرف، فالموت يحاصرها تبحث عن النجاة، تحركت بطيئاً بالسيارة، إلا أن الرجل، كان نصفه داخلها ونصفه خارجها، شعر هو بالخطر، وأنه قد يفقد حياته لم يفكر فأطلق رصاصتين استقرت واحدة منهما في رأسها كانت كفيلة بقتلها، وفارقت الحياة في الحال. كانت هُناك سيارات وأشخاص مترجلون قادمون من بعيد رأوا المشهد، لكن ليس بوضوح إلا أن صوت الرصاص جعلهم يتأكدون أن شيئاً غير عادي يحدث، وخشي الرجلان من اقتراب أحد منهما ففرا هاربين بسرعة البرق من المكان، لكن الذين اقتربوا لم يستطيعوا الحصول على أي معلومات عنهما، لأن السيارة بلا لوحات معدنية، وقد أغلقا الأبواب، وتصعب رؤية ملامحهما من هذه المسافة، واقترب المارة وأصحاب بعض السيارات القليلين الذين تجمعوا في المكان، فوجدوا المرأة قد فارقت الحياة، وقد تلطخت سيارتها بالدماء، وتحطمت عظام رأسها من الرصاصة التي أصابتها، وتم إبلاغ شرطة النجدة. حضر رجال الشرطة بسرعة، لكن لا سبيل لمطاردة الجناة، فقد مضت دقائق عدة كانت كفيلة بأن يختفوا في المدينة الكبيرة يساعدهما خلو الشوارع في هذا الوقت، ولم يقدم أحد من الشهود أي معلومة مفيدة على الإطلاق، لكن المفاجأة من خلال الأوراق الثبوتية التي تحملها القتيلة أنها شخصية مهمة، فهي تعمل خبيرة للموارد البشرية في الأمم المتحدة، وأيضاً خبيرة في أحد معامل التحاليل الكبرى المشهورة، ومن أول وهلة يتبين أن الحادث اغتيال وجريمة مدبرة، وراءها محترفون لأن التوقيت والمكان والتتبع يعني أن الضحية مستهدفة، ولم يكن عابراً ولا بالمصادفة. يزداد الأمر غموضاً عندما تؤكد المعلومات أن القتيلة شخصية محترمة تجاوزت الأربعين من عمرها بعام واحد، ومن عائلة ثرية، وتقيم في فيلا في إحدى الضواحي الراقية، بجانب امتلاكها شقة في منطقة عتيقة مع أبيها وأخيها وابنتيها، فهي مطلقة منذ سنوات عدة، وحسمت التحريات من البداية استبعاد تورط أي شخص من معارفها أو طليقها في الحادث، لأنه لا يوجد أي نوع من الخلافات على الإطلاق، ويتحول الحادث إلى لغز كبير يصعب حله، ويزداد تعقيداً لحظة بعد الأخرى، فالمرأة هادئة بطبعها والشكوك لم تذهب إلى أي أشخاص أو نوعية بعينها، فهي لا تفعل شيئاً إلا التفرغ لابنتيها وعملها. في صباح ذلك اليوم استيقظت في الخامسة صباحاً ومعها أبوها وابنتاها اللتان، استعدتا للتوجه إلى المدرسة، وتناول الجميع طعام الإفطار حتى حضر باص المدرسة فطبعت كل منهما قبلة على وجه الأم وبادلتهما القبلات، وهي تودعهما وتتابعهما بناظريها حتى استقلتا الباص، وغابتا عن الرؤية وتفعل ذلك كل صباح، فقد كرست حياتها لهما منذ طلاقها واتفقت مع طليقها ودياً على أن تحتفظ بهما وتتولى تربيتهما، ولاحظ أبوها في عينيها دمعة سالت رغماً عنها لا يعرف سببها واحترم خصوصيتها وصمتها، ولم يسألها عنها لأنه بمشاعر الأب فهم أنها متأثرة بانفصالها عن زوجها، ومع ذلك فقد كان بينهما تفاهم كبير لأنها تسمح له برؤية الفتاتين في أي وقت يريد، ولأنه من حقه أن يُشارك في تربيتهما ومتابعتهما. اعتادت «نيرمين» أن تتوجه إلى عملها كل يوم في العاشرة صباحاً، لكن اليوم لديها ارتباط لإلقاء محاضرة في محافظة أخرى في تخصصها في التنمية البشرية، فاستقلت سيارتها في الساعة السادسة وانطلقت، فهي ملتزمة بالمواعيد، ولا تتذرع بالظروف أو الزحام أو الأعذار، وعندما وصلت إلى هذا الميدان وقعت الجريمة بهذه الطريقة التي فتحت المجال للقيل والقال والتخمينات، خاصة مع عدم توافر أي معلومات فخرج من يقول إنه حادث اغتيال سياسي لأنها سيدة مهمة، وتعمل في مجالات حساسة، ومن قال إنه حادث ثأر وانتقام فأصولها تعود إلى الصعيد، لكن هذا الافتراض سرعان ما تبدد لأنها لم تذهب إلى بلدتها طوال عمرها وأبوها يقيم هُنا منذ شبابه ولا يوجد أي نوع من الخصومة بينه وبين أي شخص أو عائلة. خرج آخرون وقالوا إن مسؤولين بالدولة وراء قتلها لأنها من خلال عملها في معمل التحاليل الطبية تشارك في التحقيق والبحث عن الأدلة في قضية كشف العذرية التي كانت مثارة حينها إلا أن مسؤولي الأمم المتحدة ومسؤولين في الحكومة والمعمل نفوا جميعاً صلتها بهذه القضية، وتأكد أيضاً أن هذا القول بعيد عن الصحة، ويوماً بعد يوم تتعقد الخيوط، ولا يوجد أي دليل للامساك بأولها للوصول إلى مرتكبي الجريمة التي أثارت الكثير من التساؤلات والتكهنات، وفتحت الباب أمام الافتراضات والتوقعات البعيدة عن الواقع. الميدان الذي شهد الحادث فسيح، ولا توجد على جوانبه مساكن، وإنما البنايات تضم مصالح رسمية ومكاتب إدارية وشركات ودور سينما كانت كلها مغلقة في ذلك الوقت المبكر من النهار، لذا لم يكن هناك شاهد عيان واحد يمكن أن يدلي بأي معلومة ولو تافهة إلا أن أحد هؤلاء المارة الذين هرولوا على صوت الرصاص استطاع بالكاد أن يعرف أن سيارة الجناة حديثة، ويعرف ماركتها ولونها، ولم تكن تلك المعلومات مفيدة بحال. ليس أمام رجال الشرطة إلا وضع خطة بحث تضع كل الاحتمالات، مما يؤدي إلى تشتيت الجهود، والبحث عن إبرة في كومة من القش، فالأمر في غاية الصعوبة ليس أمامهم إلا أن يبحثوا بين المشبوهين وأرباب السوابق والهاربين من السجون والبلطجية، وما أكثر هؤلاء، فاتسعت الدائرة وتناولت عمليات الفحص والتدقيق والتحقيق أكثر من ألف شخص من تلك النوعية في المنطقة، لكنهم يعرفون أن لا دليل ضدهم ولا يبادر أي متهم بالاعتراف إلا إذا تمت مواجهته بالدليل القاطع، لذا لم تسفر هذه التحقيقات، مبدئياً عن التوصل إلى شيء في هذه الجريمة. لكن رب ضارة نافعة، فقد كشفت التحريات النقاب عن تسع عصابات بلغ عدد أفرادها 44 متهماً قاموا بارتكاب ست جرائم قتل وسرقة أكثر من 54 سيارة خلال شهر واحد، معظمها كانت بالطريقة والمطاردة على الطرق السريعة ومن يحاول المقاومة أو الهروب بالسيارة، فإنهم يطلقون عليه الرصاص لسرقتها، ومن بين هؤلاء من اعترف بوجود تاجر للأسلحة والمخدرات يشتري السيارات المسروقة من المتهمين وبتتبعه تم التوصل إلى أهم خيوط الجريمة بعد التعرف إلى من يتعاملون معه. منهم «سعد»، عمره ستة وعشرون عاماً، وعلى الرغم من حداثة سنه نسبياً، فإنه مسجل خطر بلطجة وسرقات وباع للتاجر سيارة قبل حادث مقتل الخبيرة بيوم واحد، وتم القبض عليه ليعترف، وتأتي التفاصيل التي حلت اللغز كله، واعترف بأنه وصديقه «يسري» يسرقان السيارات ذات الدفع الرباعي فقط لأن التاجر الذي يشتري منهما السيارات المسروقة يشترط أن تكون من هذه النوعية لأنها مطلوبة، ويستخدمها في التهريب أو أن راغبيها يشترطون ذلك، وهذه السيارة البيضاء التي كانت سبباً في كشف اللغز سرقاها من مهندس بعدما قتلاه وارتكبا معاً ثلاث جرائم مماثلة، وحصلا على أسلحة ومخدرات ثمناً لها. ويواصل المتهم اعترافاته قائلاً: في ليلة الحادث كانت معي أنا وصديقي سيارة مسروقة بلا لوحات معدنية، كنا نجوب الشوارع من الساعة الثانية بعد منتصف الليل بحثاً عن سيارة دفع رباعي في منطقة تكون شبه خالية من السيارات والمارة، وعلى مدى ما يزيد على أربع ساعات لم نعثر على ضالتنا، وتخلل ذلك الوقت الجلوس على بعض المقاهي أحياناً وأحياناً ننتحي جانباً لتعاطي المخدرات وأخيراً وبعد أن فقدنا الأمل في أي صيد، وها هي الشمس ستشرق، وبدأ البعض القليل الانتشار في الشوارع، قررنا العودة إلى المنزل للنوم، وفجأة شاهدنا تلك المرأة التي لا نعرفها، تسير بسيارة من النوع المطلوب الذي نبحث عنه، هرولنا وراءها، وطاردناها وحدث ما حدث. كنا نتابع أنا وصديقي ما ينشر عن الجريمة، وقررنا الاستكانة قليلاً، لكننا عاودنا نشاطنا بعد أيام قليلة، لأننا بحاجة إلى المال لشراء المخدرات التي ندمنها ولا نستطيع الحياة بدونها، إلا أن ما حدث أيضاً لم يكن متوقعاً، فقد تم القبض على صديقي في قضية «آداب»، فهو مسجل في هذا النوع من القضايا، ومحكوم عليه في العديد منها، وتم ترحيله إلى السجن، اعتبرنا أن ملف الجريمة قد أغلق، لكننا كنا متوهمين. تم استدعاء السجين الشريك في القتل، وأعاد اعترافات زميله، وأمرت النيابة بحبسهما وإحالتهما إلى المحاكمة بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد والسرقة، وطالبت بإعدامهما.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©