الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الجري وراء السعادة يُبعدها وعدم الاكتراث بها يجلبها

الجري وراء السعادة يُبعدها وعدم الاكتراث بها يجلبها
6 ابريل 2012
كلما كنت أكثر سعادةً، كنت أفضل حالاً. أليس كذلك؟ ليس بالضرورة. فقد أظهرت دراسات حديثة أن الجانب الأكثر قتامةً في الشعور بحال جيد، أو السعي وراء السعادة يمكن أن يجعلك أحياناً أقل سعادةً، وأن الكثير من الابتهاج والاغتباط والانتشاء قد يجعلك سهل الانخداع، أو أنانياً، أو أقل نجاحاً، أو هذه الصفات جميعها، وهي حتى وإن اجتمعت في "السعيد جداً"، فهي لن تكون إلا غيضاً من فيض جملة مشاعر تعتريه. ما من شك في أن للسعادة فوائد عديدة. فهي تحمينا من الإصابة بسكتات دماغية وبعض أمراض القلب، وتجعلنا أكثر قُدرةً على مقاومة الألم، وتمد في أعمارنا وتجعلنا نعيش أطول. لكن العالمة النفسانية جون جروبر تُحذرنا من الإفراط في السعادة، وتقول إن التمتع بمزاج إيجابي وحسن ينبغي أن يكون معتدلاً. ولم تأت جروبر بهذا الاستنتاج من فراغ، بل خلُصت إليه بعد إنجازها بضع دراسات في جامعة ييل التي تُدرس فيها مساق “السعادة”. وتُشبه جروبر السعادة بالطعام. وتقول إنه على الرغم من أن الطعام ضروري ومفيد، فإن تناوُل الكثير منه يتسبب في مشاكل صحية لا حصر لها. وإذا كان الإسراف في إشباع البطن قد يؤدي إلى نتيجة سلبية، فإن الإسراف في إشباع النفس بالمباهج يُمكن أن يقود إلى مخرجات سيئة. نتيجة عكسية تُحاول جروبر أن تُفسر في بحوثها كيف يمكن للشخص المفعمة نفسه بالمشاعر المغرقة في الإيجابية، والخالية من الأحاسيس السلبية أن يتأذى. وتقول إن طغيان هذا النوع من المشاعر قد يُعيق بلوغ المرامي الوظيفية والمهنية. ويقول العالم النفساني إدوارد دينير، المشهور ببحوثه حول السعادة، إنه قام رفقة زملاء باحثين بتحليل بيانات تشكيلة واسعة من الدراسات، بما فيها بيانات أكثر من 16 ألف شخص من مختلف أنحاء العالم، فاكتشف أن أولئك الذين قالوا بأنهم عاشوا لحظات سعيدة جداً، وسجلوا مستويات رضا عالية عن حياتهم في سنين مبكرة من عمرهم يحصلون في الوقت الحالي على رواتب وعوائد أقل من تلك التي يكسبها من كانوا أقل سعادةً ورضى في مراحل عمرهم المبكرة. كما وجد الباحثون أن غالبية الذين عاشوا لحظات سعادة غامرة في سنين مبكرة من حياتهم لم يُكملوا دراستهم. وكان من ضمن الدراسات التي حلل بياناتها الباحثون مجموعة من طلبة أميركيين حديثي العهد بالتخرج أفادوا سنة 1976 أنهم مبتهجين جداً، فتبين لهم أنهم يربحون أقل مما يربح أقرانهم ممن عبروا آنذاك أنهم أقل سعادةً وابتهاجاً بمعدل 35 ألف دولار سنوياً. ويرى دينير أن سبب ذلك يرجع إلى كون الأشخاص الذين لم يُجربوا الكثير من الحزن والقلق في بواكير حياتهم نادراً ما يكونون ناقمين على وظائفهم، وبالتالي فإنهم يشعرون بضغط أقل على مستوى مواصلة التعليم أو الدراسات العليا أو تغيير مهنهم ووظائفهم. ويُشير العلماء النفسانيون إلى أن العواطف قابلة للتكييف بشكل عام. فهي تجعلنا نُغير سلوكاتنا لمساعدة أنفسنا على الصمود والبقاء. فالغضب يُهيئنا للصراع والنضال، والخوف يُساعدنا على الهرب. ولكن ماذا عن الحزن؟ تُظهر الدراسات أننا حينما نكون حزينين، نُفكر بطريقة نظامية وأكثر عقلانية. فالحزينون ينتبهون أكثر إلى التفاصيل، ويولون أهميةً أكبر للعوامل الخارجية، بينما يميل الأشخاص الفرحون إلى إطلاق أحكام متسرعة قد تعكس تنميطاً عرقياً أو جنسياً. محكمة طلابية في سنة 1994، نشرت مجلة “الشخصية وعلم النفس الاجتماعي” دراسةً أنجزتها العالمة النفسانية جالين بودينهاوزن وزملاء لها بجامعة “نورثويسترن”. وطلبت من 94 طالباً أن يحاكوا أدوار محامين وقضاء من خلال “محكمة طلابية”. فقيل للطلبة المشاركين إنهم سيُصدرون حكماً بعد الاطلاع على تفاصيل إحدى القضايا حول حادثة وقعت في سكن طلبة مختلف عن السكن الذي يقيمون فيه. وقبل افتتاح جلسة المحاكمة، تم توجيه أمزجة نصف المشاركين وتحسينها عبر مطالبتهم بالنبش في ماضيهم واستحضار أي شيء يجعلهم يشعرون بالسعادة بمجرد التفكير فيه، ويكتبوا حوله. هذا في الوقت الذي طُلب من النصف الآخر من المشاركين استحضار الوقائع العادية التي حدثت لهم في اليوم السابق، وذلك لتحييد أمزجتهم. وجاءت النتائج في منتهى الوضوح، فأولئك الذين كانت أمزجتهم حسنةً كانوا أكثر ميلاً إلى إدانة طالب زميل لهم بسبب ضربه طالباً آخر يُشاطره المسكن، بينما ظل أعضاء المجموعة الأخرى منقسمين حول من تجب في حقه الإدانة. وفي هذا الصدد، يقول جوو فورجاس، أستاذ علم النفس في جامعة نيو ساوث ويلز في أستراليا، “كلما كان الناس سعداء، كانوا أكثر ميلاً إلى التفكير بطريقة نمطية”. وفي بحث له نُشر في أحد أعداد المجلة الأوروبية وعلم النفس الاجتماعي في ديسمبر 2011، طلب فورجاس من مجموعة من الطلبة قراءة نص فلسفي لكاتبه روبن تايلور مقروناً بصورة للكاتب المفترض. وتلقى شطر من الطلبة النص نفسه مقروناً بصورة رجل أربعيني ملتح، بينما تلقى الشطر الآخر من الطلبة النص الفلسفي ذاته مقروناً بصورة امرأة شابة تلبس قميصاً قصير الكمين. وعلى الرغم من أن النصين كانا متطابقين، فإن الطلبة الذين خضعوا لتحضير مسبق لتحسين المزاج اعتبروا عمل المؤلف الرجل (المفترض) أفضل من نص المؤلفة المرأة. أما أقرانهم من الذين لم يخضعوا لأي توجيه للمزاج، فقيموا النصين على أنهما متماثلان من حيث الجودة. توجيه المزاج من هذا المنطلق، فإن أي شخص يرتكب جريمةً سيعتبر نفسه محظوظاً إنْ كان القاضي الذي يُحاكمه حسن المزاج. وحسب فورجاس، فإن تجاربه تُظهر أن الأشخاص الأكثر ابتهاجاً أسهل انخداعاً، وأقل قُدرةً على كشف أكاذيب الآخرين، وهذا أمر يتفوق عليهم فيه أصحاب المزاج السيئ. ومن جهته، عرض فورجاس على 117 طالباً مقاطع فيديو مختارةً لتوجيه أمزجتهم إلى الأحسن أو الأسوأ. ثم طلب منهم في فترة لاحقة مشاهدة فيلم آخر عن استجواب أشخاص متهمين بسرقة تذاكر لحضور فيلم سينمائي. وكان بعض المشتبه بهم قد سرقوا فعلاً تذكرة السينما وكانوا يكذبون خلال استجوابهم، بينما كان آخرون صادقين. إلا أن الطلبة الذين خضعوا لتحفيز وتحسين المزاج لم يتمكنوا من الكشف عن المذنبين. أما زملاؤهم الحزينون، فقد كانوا أقدر على كشف المذنب على نحو أسهل وأسرع أكثر من مرة. وللسعادة أوجه عديدة وجوانب شتى. فالشعور الجيد يجعل الناس أكثر أنانيةً وأسوأ أداءً على مستوى الدفاع عن آرائهم، فمعظمهم يسوق حججاً ضعيفةً ومبررات واهية وقدراً أقل من التفاصيل الداعمة. أضف إلى ذلك أن الأشخاص الأكثر سعادةً فينا هم أقل إبداعاً من أولئك الذين يعتبرون أنفسهم “سعداءً إلى حد ما فقط”. تجربة موسيقية إن مجرد كوننا نجري وراء السعادة يعني أننا أقل سعادةً. البروفيسور جوناثان سكولر أستاذ علم النفس في جامعة كاليفورنيا في سانتا باربارا حاول إثبات ذلك، فطالب مجموعةً تتكون من 120 شخصاً بالاستماع إلى مقطوعة “طقوس الربيع” للموسيقار الروسي سترافينسكي، وهي مقطوعة موسيقة مركبة يُعد وقع جمالها ليس سهلاً على المسامع. فاكتشف أن أولئك الذين استمعوا إلى الموسيقى بهدف إسعاد أنفسهم، أو ظلوا يراقبون أنفسهم بانتظام لمتابعة قدر استمتاعهم انتهى بهم المطاف بالشعور بسعادة أقل من أولئك الذين ركزوا كامل اهتمامهم وانتباههم على الاستمتاع بالتجربة بشكل عام. وفي تجربة أخرى، وجد سكولر أن 83% من مجموعة متكونة من 475 شخصاً تم استجوابهم عبروا عن شعورهم بالإحباط خلال احتفالات رأس السنة الميلادية 2000. وكان أكثر المحبطين أولئك الذين بذلوا طاقةً كبيرةً في التحضيرات لهذه الاحتفالات. ويخلص سكولر بعد سلسلة بحوثه التي يشبه فيها الجري وراء السعادة بالنظر إلى نجم باهت متلاش “إذا حاولت التحديق في السعادة، فإنها تختفي. أما إنْ حيدتها جانباً ولم تجعلها مركز اهتمامك، فإنك تكون أقدر على استشعارها والاستمتاع بها”. البقاء في القمة تقول آيريس ماوس، عالمة نفسانية ومدرسة سابقة بجامعة دينفر، “كلما جرى الشخص وراء السعادة، انتهى به المطاف إلى الشعور بالإحباط، وكلما أقبل عليها أكثر، اعتراه شعور بأنها تُدبر عنه”. وفي دراسة شملت 43 امرأةً ونُشرت في عدد أغسطس 2011 من مجلة “العاطفة”، تُظهر ماوس أن أولئك الذين قرؤوا جريدةً مصممةً لاستفزاز مشاعر الفرحة والبهجة في قلوب قرائها شعروا بعد مشاهدتهم فيلم “جسور إقليم ماديسون” لكلينت آيستوود وميريل ستريب بقدر أكبر من الملل مقارنةً بأولئك الذين قرؤوا قصصاً خبريةً محايدةً قبل مشاهدتهم الفيلم. وما توصلت إليه ماوس يؤكد النتائج المختبرية التي توصلت إليها تلك الدراسة التي استخدمت يوميات 206 رجال وامرأةً بعد إتمامهم تعبئة استبيان عن السعادة ثم مطالبتهم بالكتابة عن الوقائع الحزينة والموترة التي حدثت لهم طيلة 14 يوماً متتابعاً، مع التعبير عن درجة إحساسهم بالملل. ووجدت ماوس أن أولئك الذين كان تحقيق السعادة هدفاً في غاية الأهمية شعروا بقدر أكبر من الملل بعد المرور بوقائع مسببة للتوتر مقارنةً بأولئك الذين لم يُعيروا أهميةً لمسألة الشعور بالبهجة والفرحة. ويعلق الباحثون على هذه النتائج مخاطبين القراء بالقول “لا نقصد من خلال هذه الخلاصات أن نُقنعكم بحرق كتب البرمجة العصبية اللغوية التي تتحدث عن “كيف تكون سعيداً أو كيف تجعل نفسك سعيداً؟””. ومن جهته، يقول سكولر “أنا أكره أن أرى أشخاصا يرفضون مساعدة أنفسهم في التخلص من الكآبة مع علمهم بوجود كتب قد تُساعدهم”. ويضيف “حاول فقط ألا تُراقب درجات وعلامات سعادتك. فأسوأ ما يمكن أن يقوم به الشخص هو وضع السعادة هدفاً صريحاً وعلى رأس أولوياته في كل الأوقات”. وتشير جروبر إلى أن أهم شيء هو التقبل الذاتي لدرجة السعادة التي يستشعرها كل شخص، وحجم المشاعر السلبية التي تعتريه. ومن ثم فإن مجرد أن تتساءل مع نفسك حول درجة سعادتك هو بحد ذاته سعادةً. هشام أحناش عن “واشنطن بوست”
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©