الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هل زواج المبدعين مسٌّ من الجنون؟!

هل زواج المبدعين مسٌّ من الجنون؟!
9 يونيو 2010 20:28
الزاوج بين المبدعين والمبدعات، والكتاب والكاتبات، واحدة من الظواهر السوسيو- أدبية التي تؤثث المشهد الثقافي، وبما أن الكتاب، عموما، ذوو حساسيات مفرطة، فإن السؤال الذي يطل برأسه عن طبيعة العلاقة بينهما يبدو مشروعاً: ما الذي يكون عليه الحال بين الأزواج/ المبدعين؟ كيف يتواصل هذان الكائنان البشريان، وهما من طينة واحدة تدعى الإبداع، خارج النسق الاجتماعي؟ وكيف يتلقى كل منهما عمل الآخر؟ هل يتلقاه بموضوعية وحياد؟ وهل يستطيع ذلك كل منهما؟ هل يستدعي الأمر في كثير من الأحيان التقويم والترشيد باعتبار كل منهما القارئ الأول لنص الآخر أم أن الأمر لا يتعدى مجرد مجاملات؟ وكيف يتلقى أحدهما نجاح الآخر؟ بفرح، بمجاملة، بغيرة، أم يرى فيه نجاحه نفسه ومجده ذاته؟ هل ينافق الزوج الناقد زوجته المبدعة؟ هذا ما تسعى إلى إبرازه هذه الشهادات. في محاولة لرسم إطار نظري عام يؤكد الكاتب والباحث المغربي عثماني الميلود أن “أهمية الموضوع المطروح في أنه التفاتة ذكية ومحاولة قياس درجة ما يقع في المجتمع المغربي، بخاصة، والعربي، بعامة، من تحولات بنيوية وذهنية ونفسية واجتماعية. والحديث عن العلاقة بين الزوجين المبدعين حديث ذو أولوية قصوى، في نظري، لأنه يمكن أن يزيل الغموض عن بعض نواحي العلاقة بين الرجل والمرأة من زاوية أنهما مبدعان، متعلقان بقيم الحداثة ومقرّان بالحقوق المتبادلة، يتطلعان إلى إرساء علاقة تخرجُ عن الموروث وتؤسس لعالم بديل”. غذاء مشترك يذهب الميلود إلى أن مثل هذه العلاقة فرصة للثراء الإنساني والإبداعي، خصوصاً أن دخول المرأة عالم الإبداع “ليس وليد اليوم، لكنه ثمرة اندفاع قوي لها في هذا المجال الذي مكث ردحا من الزمن عالما ذكوريا بامتياز. وحتى في غيابها الأول كانت المرأة ملهمة للمبدع، وجنته الموعودة (على الأقل كصورة ذهنية تثير العقل والحواس). وإذا كان الرجل والمرأة في عالمنا الحالي، وبفضل ما تلقياه من معارف جديدة، وما ابتكراه من صيغ التواصل بينهما منذ المراحل الأولى لنشأتهما (الشارع، المدرسة، الثانوية، الجامعة) قد نسجا علائق جديدة وارتبطا من خلال استراتيجيات نفسية وعقلية متطورة مكنتهما من استثمار قيمهما المشتركة بعناية وابتكار، فإن نصيب المبدعين والمبدعات من ذلك كبير. ففي المنزل يتواصل المبدع والمبدعة، بشكل يومي، ويتغذيان على الثقافة الأدبية أو الفنية نفسها بحكم أنهما يشتركان في الفضاء نفسه، ويطلعان على المراجع والنصوص نفسها، ويقرآن الجرائد والمجلات نفسها، فإن اشتراكهما في الذوق والاطلاع والأفق أصبح، نسبيا، متشابها”. ويضيف الميلود أمراً آخر يراه مهماً وهو “أن المبدعة والمبدع يتقاسمان قيما مشتركة قد تكون هي العامل الحاسم في ارتباطهما، بالإضافة إلى عوامل أخرى. ولعل إلمام كل منهما بميولات الآخر وأسئلته يجعل تلقيهما لإبداعهما في غاية التقدير والفهم. كل نص إبداعي يمر عبر مراحل، قد تكون، أحيانا، مجرد فكرة يعرضها أحدهما على الآخر، فتكون الإثارة والنقاش والجدل. ولكن حينما يتمخض أحدهما عن نص إبداعي ( شعر، قصة قصيرة، رواية، مسرحية، الخ) فإن الحدث يصبح مناسبة للحوار الذي يكشف فيه كل واحد منهما عن موقفه ورأيه. الاختلاف في التلقي، والتباين في الرأي أمران جوهريان لأنهما يسمحان للمبدع والمبدعة بالتحمس في إبداء الرأي والكشف عن الأسس النقدية والجمالية التي تميز شخصية الطرفين. فإذا كان الأساس القائم بينهما التفاهمُ والاحترامُ، فإن الحوار يكون هادئا وسليماً ومنتجاً، أما إذا كان الأساس بينهما التعارضُ المطلق والتنابذُ، فمن الطبيعي أن يكون حوارهما مناسبة لتفجير خلافاتهما”. انفصام المثقف على النقيض تقف الكاتبة والشاعرة السورية غالية خوجة التي تدعو الى التعاطي بصراحة بالغة مع هذه المسألة، تقول: “هذه الظاهرة بحاجة إلى مكاشفة جادة وصريحة لا سيما في عالمنا العربي المتخم بالمتناقضات والأضداد لدرجة تجعل الظن يثق بأننا الأقرب إلى الانفصام بأنواعه البسيطة والمتوسطة والمركَّبة، تبعاً لتصنيفي الناتج عن المعايشة الواقعية للبنية السوسيولوجية. والأغرب أن المنتمين إلى المشهد العربي الثقافي هم الأكثر شذوذاً بانفصامهم سواء كانوا ذكوراً أم إناثاً وإن كانت الظاهرة تفيض بالذكور أكثر لأسباب عديدة أهمها: ذكورية المجتمع وبطرياركية الأفكار المتداولة ابتداء من تربية الأسرة لأطفالها وصولا ً إلى بطرياركية النص. طبعاً، لن أتوقع أن يكون بيننا شبيه لحياة (إلزا و أراغون) مثلا ً.. فلكل حياة زوجية دورتها الخاصة حتى في ملحمة (هوميروس) صاحب القول الأثير لديّ: “الحياة هي الحياة” لكنني أضيف متسائلة يا هوميروس: أليست الحياة هي الكيفية التي نصيّـر من خلالها الحياة؟ ولأننا من الشعوب التي لا تولي أهمية للكيفية الحياتية ترانا من المنتمين إلى العيش وليس إلى الحياة. وبحكم العديد من البنى، لا سيما ما ورثناه من ذاكرتنا الجمعية ابتداء من الملحمة المدونة (جلجامش) والتي أعلت من سلطة الذكورة منتصرة على رمز الأنوثة (الثور السماوي) السلطة القائمة ـ بناء على ما يحدث في الحياة ـ على القتل والاغتصاب والديكتاوتورية والنرجسية وتوريثها للإنسان المؤنث أيضاً من خلال تأسيس العقول على ذات الأعراف المظلمة والتقاليد الحاجبة للنور والعدالة، وبعدما اجتث العصر الذكوري عصر الأمومة حتى بمدوناتها التي أتصور أنه أحرقها، وربما لذلك، وبشكل لا واع، بناء على كل ذلك، سار المجتمع إلى العديد من الظواهر المرضيّـة، خصوصاً، المتفشية بين المثقفين.. وعليه، أؤكد بأن الزوج فيما إذا كان (مبدعاً) حقيقياً والزوجة كذلك، فإن هذا الفضاء سيكون شاسعاً للتلاقي الأكثر انسجاماً وتحابّـاً مهما اختلفا في الآراء والرؤى، حيث الاختلاف ضروري هنا ليستمر التكامل. ولن يستمر إلا إذا كان منظوراً إليه بمفهوم إنساني بعيد عن المؤنث والمذكر ليس كخلائق فيزيقية تتكامل، بل كحالة ميتافيزيقية، وذلك لسبب بسيط هو أن الأرواح بثقافتها ومخيلتها وأعماقها وحدوسها هي التي تكتب وتبدع وليس الجنس أو الجسد. وفي حالة هذين الزوجين النادرة جداً طبعاً، لن نرى سوى التطور الحياتي والازدهار الإبداعي. وهذا ما يتمناه كل منا. لكن، ولأن الصدأ علا النفوس، ولأن الشوائب السوداء تكاثفت على الأرواح البيضاء، تحولت هذه الميزة ـ ميزة الزوجين المنتميين إلى “الإبداع” تبعاً لصيغة السؤال ـ من مدار متألق إلى كفن متحرك له العديد من المقابر مسبقة الصنع، أو الكثير من أشكال الوأد. فالزوج لا يريد سوى السيطرة على زوجته حتى بطريقة الكتابة ـ وهو نموذج مصغر عن سيطرة المجتمع ـ، لأنه يريد ولشدة أنانيته وعدم ثقته بنفسه ـ غالباً ـ أن يكون في منصب “المعلم “ على الزوجة فيما إذا كانت تمتلك طاقة أكبر من طاقته.. وهناك، من ينافق بكل تأكيد على نتاجات زوجته لمجرد أنه يكتب أو يرسم أو.. الخ، أفضل منها.. فلا تسمعه إلا مداحاً، وفي المدح هدم كما في الذمّ هدم. وتحتدم الشجارات لتصل إلى منافسة غير شرعية، طبعاً، لأن المنافسة المشروعة أن يتسابق الاثنان إبداعياً، لا أن يسابق الزوج زوجته بتحطيمها والكيد لها والكذب عليها حتى أقاصي النفاق بوجهه الآخر، وأعني: ينافق الزوج بتبخيس نتاج زوجته لمجرد أن نتاجها أفضل من نتاجه، وبذلك يثبت حالته المرضية التي لا تتوقف على الرابط المقدس الإبداعي بل تمتد إلى الرابط المقدس الآخر: الحياتي. الإبداع وبدلالته الأولى يشير إلى الكيفية اللامسبوقة واللاملحوقة سواء على صعيد الفعل الإبداعي ـ وليكن الكتابي هنا ـ أم على صعيد الفعل الحياتي. ألم يقل “جان ليسكور”: “المبدع يحيا بالأسلوب الذي يبدع به”؟ إذن، أين الأسلوبية الإبداعية في زمننا، من ثم، لنسأل: أين الحياة الإبداعية؟!! لذلك، ولأن الإبداعية حالة نادرة في زمننا، لك أن تحكم على الشخص المبدع (مذكراً كان أم مؤنثاً) من خلال سلوكه، فكلما كان متمسكاً بطريقته الفنية تطبيقياً كان أقرب إلى الجماليات التي يجسدها نصاً وسلوكاً، وكلما نزح عن ذلك دلّ على أنه كائن مزيف، قزم، متخلف، طفيلي، ومريض نفسياً”. غِنى استثنائي وإذا كانت التوصيفات العامة تضيء على جانب من القضية فإنها تصبح أكثر واقعية وملامسة للمعيش والمختبَر يومياً في حال كان المتحدثان زوجان مبدعان، وهما هنا الشاعرة والناقدة والمترجمة المصرية فاطمة ناعوت والكاتب الروائي السوري حسين سليمان الذي يبدو من طريقة عرضهما للأمر أنهما حققا علاقة متميزة بحق. تقول فاطمة ناعوت: “سأبدأ إجابتي بالتأكيد على فكرة زعمتها في أكثر حواراتي، وهي أن الشعرَ ليس قصيدةً بقدر ما هو سلوكٌ ورؤية وطريقة نظر إلى العالم. وسأمدُّ الخيطَ قليلا لأقولَ إن الفنان بوجه عام هو من يمتلك تلك النظرة المغايرة للوجود عما هو سائد ومعروف. لن أصدق شاعرًا، ولو كتب أجمل قصيدة، بينما يزيّف أو يحسد أو ينافق أو يخون مبدأً. وفي المقابل سوف أنعتُ واحدهم بالشعر والفن، ولو لم يكتب سطرًا أو يضرب ريشة، إذا امتلك قلب شاعرٍ أو عرف كيف ينظر للوجود عبر عيني فنان. وكلامي هذا هو قناعةٌ حقيقية ليس فيها مسٌّ من طوباوية أو مثالية فقيرة، إن هو إلا تعريفي الحاسم لمفهوم الفن. ومن ثم، فزواج مبدع من مبدعة سأنظر إليه باعتباره زواج اثنين يمتلكان عيونًا مغايرة، أو طرائقَ نظر للعالم مختلفة عن القارِّ المطروح والسائد. ومن هنا لن تخلو النتائج دومًا من طرافة وعجب. لأن زواج شاعر مثلا من طبيبة، سوف يجعلنا إما أمام حالٍ خلافية تصادمية أو حال اتفاق وتسليم متفق عليه. ستنظر الطبيبة دائما إلى زوجها باعتباره كائنا مختلفًا يقلب الحقائق ويرى العالم على نحو مدهش. فإن رفضت هذا المنطق سيحدث التصادم. وإن فهمت معنى أن تتزوج شاعرًا ستقبل جنونه وتتكيف معه وتعتبره قدرها الصعب الجميل الذي ميزها عن بقية النساء. لكن الأمر سيختلف حال زواج مبدع من مبدعة. لأن كليهما سيكون ممسوسًا بهذا الاختلاف والشطح والخروج عن السرب النظامي. كلاهما مختلف عن الناس، ومختلف، أيضًا، عن الآخر الشريك. وهنا ستحدث تلك المفارقات التي ستسم هذه الزيجة منذ البدء بالغرائبية. ماذا سنتوقع من كائنين يصفُ العالمُ والأقاربُ كلاًّ منهما، على حدة، بالجنون؟ بينما يقول كلُّ واحد منهما عن نفسه، وعن رفيقه كذلك، إنه الجنون الوحيد العاقل؟”. وتضيف ناعوت: “أعرف أنني شططتُ عن منطوق السؤال الذي يبحث عن النص وعن نقد النص بين الزوجين. لكن قياس المنظومة الكتابية على المنظومة الوجودية سوف يضعنا رأسًا أمام الإجابة المطلوبة. الفكرةُ تكمن في مدى إيمان كل طرف من طرفي الزواج بموهبة الطرف الآخر وبجمال نظرته للعالم. لو آمن الزوج بموهبة زوجته، والزوجة بموهبة زوجها، سيخلق كلُّ نصٍّ جديد يكتبه أحدهما جدلاً صحيًّا ثريًّا يقوم على مائدة النص. جدلٌ خلوٌ من نعوت فقيرة من قبيل: المجاملة والغيرة واللامبالاة الخ. بالعكس، ربما تنتج حوارات تشبه حوارات أفلاطون من أجل مشارفة الحقيقة التي لن يشارفها أحد، لحسن الحظ. جربت مثل هذه الأمور مع حسين سليمان زوجي، تناولنا دقائق شديدة الدقة ربما لا يراها أحد سوانا، دقائق تصل إلى حرف الجر وزمن الفعل وضمير الذات الساردة. لكن الصحيَّ في زواجنا هو أن كلينا يعرض النص على صاحبه بعد اكتماله وبعد نشره ربما. كي تظل الفردانيةُ فردانيةً ويظل النصُّ ابن أبيه. فالمبدع بوجه عام كائنٌ عنيد لا يقبل النصح ولا يستجيب له. وأنا أعدها سمةً إيجابية ورفيعة وحتمية، لو فارقت المبدعَ لأصبح ظلا باهتًا. أستمع للكثير من ملاحظات زوجي وأصدقائي عن نصوصي، لكنني أصرُّ على ما كتبتُ، ويفعل حسين الشيء نفسه. أحب هذه الآلية في المبدع. في كلمة واحدة أقول: إن زواج مبدع من مبدعة هو حالٌ من العصف الذهني والوجودي والجنون الجميل”. معاً في الروح في المقابل يقول حسين سليمان: “أظن أن سؤال كيف يتوافق المبدع مع زوجته المبدعة، خاصة في مجال الأدب، هو سؤال جوابه واسع ومتشعب. إلا أن ما أملكه لن يكون جوابا عن الأسئلة التي تطرحها بل سأعرض انطباعي عن أبعاد الحالة الإبداعية ومدى صحيتها بيني وبين زوجتي الشاعرة فاطمة ناعوت. من المحتمل أن نجاح العلاقة الزوجية من الناحية الإبداعية سيكون أكبر بين شاعرة وروائي أو بالعكس حيث تلاقي شاعران أو روائيان سيجعل المسألة غير متوازنة ومن المحتمل أن تنتهي بالفشل أو بسيطرة أحدهما على الآخر إبداعيا. بالطبع إبداع فاطمة لن أتلقاه بحياد مطلق لكنني أجتهد على نقده ووضع انطباعي عنه. تتم محاورة بيننا بعض الأحيان في تقييم النصوص، وأظن أنني بعيد كثيرا عن المجاملة وهي كما أعلم مقتل المبدع، فالنص لا يخرج من دون أخطاء أو هنات، وعلينا أن نشير إليها قبل نشره”. ويتابع: “فاطمة شاعرة ناجحة ونجاحها هو لها وليس لي، إن نجحت فالنجاح لها وأما إن أخفقت فهو إخفاقي أنا أيضا. لا أريدها أن تخفق في العمل الإبداعي ويصيبني إحباط إن حدث ذلك، لأن المشروع الإبداعي هو مشروع واحد وقد تعددت مصادره. على المبدع أن ينجح، وإلا لا مكان له في العملية الإبداعية، والنجاح الذي اقصده ليس نجاحا إعلاميا بل هو نجاح أدبي خالص. أظن أن بيني وبين فاطمة مشروعا واحدا. هي تكتب الرواية وأنا أكتب الشعر، لنقل هذا بعد أن نعكس الواقع، حيث بشكل من الأشكال نسند بعضنا ونحارب في جبهة واحدة عدوا واحدا وهو الوجود الإنساني- البشري الذي محركه الأساس هو الزمن، وليس الروح. من هذا المنطلق فإن كلمات مثل ينافق الزوج المبدع زوجته المبدعة والمجاملة والغيرة كلها لا مكان لها ذلك لأن هناك هما أو هموما كبيرة وهي أن عملنا كله لن ينجح في ميدان الحياة، فالأدب لن ينتصر على الواقع الأرضي ودوما هناك هزائم، والخسارة نلمسها كل يوم وكل أديب حقيقي يدرك ذلك. دوما نخرج مهزومين، لا يموت الأديب منتصرا أبدا”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©