الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الكتابة عندما تساوي الحياة تماما

الكتابة عندما تساوي الحياة تماما
9 يونيو 2010 20:40
قضى مؤلف كتاب “الكاتب والآخر” وهو من الأوراجواي، 13 عاماً في السّجن (من 1972 إلى 1985) لأسباب سياسية. وتمّ تعذيبه وهو لا يزال شاباً في الثّالثة والعشرين من عمره، وفيه يروي شذرات من حياته وتجربته. ويؤكد أنّ الكتابة هي الّتي أنقذته، فقد كان – وهو في المعتقل - يحرّر خواطره وأفكاره على ورقات صغيرة سعى إلى إخفائها من حراسه. مضيفاً: “الكتابة كانت بالنّسبة لي طريق النّجاة الوحيد لأحيا. لم أكن كاتباً قبل دخول السّجن وبين جدرانه وفي عزلتي بداخلها ولد فيّ الكاتب”. والمؤلف ينتمي إلى أسرة عمّال ولم يكن في بيتهم ولو كتاب واحد، وقد علم - وهو في السجن- بوفاة أمّه وانتحار والده وكاد بسبب هذه الأحداث أن يجنّ، فوجد في الكتابة ملاذاً ومنقذاً له من الانهيار. الجلاد وضحيته ومن أغرب ما رواه الكاتب وصفه - من خلال تجربته الشّخصيّة - للعلاقة التي تنشأ بين الجلاد وبين والضحية/ السجان والسجين. يقول: “هناك فترة يصل فيها الجلاّد إلى احترام الشّخص الّذي تمادى في تعذيبه. إنّه يعذّب وينتظر رد فعل الضحية، فان استسلم ولم يقاوم فالجلاد يمعن في احتقاره وان ابدى مقاومة فان الجلاد وبمرور الزمن ينتهي باحترام ضحيته”. وقد تعرّض الكاتب إلى التّعذيب اليومي على امتداد ستّة أشهر كاملة. وكان الجلاّد هو نفسه، والمؤلّف يقول اليوم: “لم أحقد على الجلادين الذين أذاقوني وأذاقوا رفاقي العذاب ألواناً، ولكني طبعاً لا أحترمهم”. يعيش الكاتب اليوم في “منتدفيديو”، وبحكم العفو وقانون المصالحة لعام 1981، فإنّه يجد نفسه أحياناً بين عدد كبير من الجلاّدين الّذين لم تتم محاسبتهم أو محاكمتهم. وقد يلتقي بعضاً منهم في الشارع أو في أماكن عمومية فهم يعيشون معه في نفس المدينة. وعن ذلك يقول: “إنّ المجتمع في الاوروجواي ذاكرته قصيرة وقد نسي الكثيرون فترة الدكتاتورية، والشباب لم يعش تلك الفترة الحالكة. يؤكد المؤلف أنّ مشاعر الكره في المعتقل تغلب حتّى أنّ السجين يتمنّى كلّ مكروه لسجّانه وجلاّده، ولكن بعد فترة، لا يمكن للمرء أن يكرّس كلّ حياته للكراهيّة، فالرّئيس الحالي للاورجواي “جوزيه موجيكا - Jose Mujica عرف السجن طيلة 15 عاماً بأكملها، كما أنّ الحكومة الجديدة الّتي تمّ تشكيلها يوم 1 مارس (آذار) 2010 تضمّ عديد الوزراء ممن سجنوا أيّام الحكم الدّكتاتوري. عندما ينضب المعين ولهذا الكتاب قصة رواها المؤلف، فقد بدا منذ قرابة العام في تأليف رواية جديدة ولكنه عجز عن إتمامها، فقد شح خياله ونضب معينه، وبقيت الورقات أمامه بيضاء، وهذه التجربة هي التي دفعته لتأليف هذا الكتاب الذي يضم شذرات من مذكراته وتأملات عميقة في معنى الكتابة. فشعوره بالعجز عن إتمام روايته طيلة اكثر من عام ولّد في نفسه استنتاجاً مفاده ان الكاتب - حسب تعبيره - “وهم”. وبقدر ما كانت قريحة الكاتب خصبة ايام كان في المعتقل بقدر المعاناة والعسر الذي شعر بهما في التاليف وهو حر طليق. حتى ان ناقداً قال إنه من المدهش ان الكتابة التي ساعدت المؤلف وهو في المعتقل على أن يشعر بانه يحيا وانقذته من العزلة والاحساس بالعدم هي اليوم – وهو حر طليق- سجنه!. و”الآخر” في عنوان الكتاب هو الإنسان، والكتاب من هذه الزاوية هو بحث وتحليل للعلاقة بين الكاتب والانسان فيه. إن المؤلف يحلل في كتابه علاقته بالكلمة، وهو يجزم قائلا: “اكتشفت أن الادب هو محور حياتي وجوهرها”، ولذلك فان عجزه عن الكتابة لإتمام الرواية التي شرع في تأليفها هو – في نظره - عجز وعدم قدرة على الاستمرار في الحياة. يذكر أن الكاتب (60 عاماً) أقام بعد إطلاق سراحه في السويد ثم تولى منصب وكيل وزارة الثقافة والتربية في فبراير 2010، وهو اليوم يعمل محافظاً للمكتبة الوطنيّة لبلاده. سئل عن رأيه في قرار الرّئيس الجديد بتخصيص 87% من مرتّبه (9 آلاف و400 أورو) لجمعيّات إنسانيّة واجتماعيّة فأجاب: “هو رجل يعيش في الرّيف ويكتفي في حياته بالضّروريّ ولا حاجة له باستهلاك الكماليات، وهو سعيد بذلك وليس في موقفه أمر خارق”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©