الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

منظرو الأدب وغواية الأيديولوجيا

منظرو الأدب وغواية الأيديولوجيا
9 يونيو 2010 20:40
لدى عرب الجزيرة قبل الإسلام ثقافة أدبية ومدنية لغوية عميقة وعريقة، أدت من خلال تطور الأفراد والشعوب وتراكم معارفهم، إلى وجود أنماط ثقافية مختلفة ومتعاقبة، بل وشكلت منارة للعلوم والآداب وشاهدا على أن تراث الثقافة العربية كان ولا يزال مليئاً بمعارف وفنون لم يبحث عنها كثيرا ولم يتدارسها الباحثون والمهتمون. ومن أهم هذه الفنون فن اللعبة وأصول أدائها وكيفية ممارستها وما يصحبها من حركات ذهنية وجسمية ونفسية وعصبية، الفردية منها والجماعية، والتي يحضرها المشاهدون والمشجعون وتصبح حديث الشارع والناس لفترة طويلة، حيث تشتعل روح المنافسة وتتباين المهارات والبراعة، بل قد يصبح أحدهم متميزا في لعبة ما عن لعبة أخرى وبارعا في مجالاتها ويشكل مع الزمن خبرات ومحصلة ينقلها إلى الآخرين ومن هناك تتطور وتنمو فكرتها. هذا ما يناقشه كتاب جديد تحت عنوان: “الألعاب في النظرية الأدبية”، وهو كتاب مهم من حيث إلمامه بتلك الذهنية العربية ومفهوم اللعبة حتى وإن كان العرب لم يذكروا المصطلحات الفلسفية والعلمية لأي علم من العلوم، لأن ذلك لا يتعارض مع معرفتهم بقواعد تلك العلوم بصفة علمية أو أسس نظرية. وقد منح الفلاسفة والمفكرون قيمة كبرى للعب في مشوار النفس البشرية وأهميته. ومن قديم فتحت أعمال “سوسير” وغيره من مجايليه، و بياجيه ودريدا وبنفنسيت وغيرهم الآفاق أمام المعطى النظري للألعاب. ويستعرض المؤلف المجري فارغا سلطان اللعب كموضوع معرفة وموضوع خطاب، ومن خلاله يطرح سؤالا: كيف نتحدث عن الألعاب؟ وهو سؤال يفتح طريقا مزدوجة على مستويين من التحليل المتباين انطولوجياً فهو خطاب يتناول الموضوع المسمى بحصر المعنى/ اللعب، والآخر ما وراء الخطاب الذي يعنى بظروف الكلام المتعلق به.. ولكن الاشكالية في الأدب كما يشير المؤلف هي اشكالية النزعة/ الغواية الايديولوجية، ذلك أن منظري الأدب جذبتهم حقيقة أن الأدب مثله مثل الألعاب يخضع لقواعد. ففكرة الشعرية (كلعبة) تجذرت في الكلاسيكية. وحسب هذا المنظور فإن الإبداع الفني يتمثل في تجاوز عقبات اللغة واحترام القواعد الشعرية وابتكار اسلوب للعبة الشخصية. في هذه المحاولة المعيارية يجب تعلم القواعد فهي قد تؤسس للعمل الفني الجيد والنزعة النفسية التي تحاول أن تنسب للأدب والقراءة نفس الوظيفة التي يتمتع بها اللعب في ادماج الطفل في بيئته الاجتماعية وفي تصفية رغباته. هذه الطريقة في تصور التشابه بين اللعب والأدب تجمع بين أهمية المحلل النفسي والاجتماعي. ومن خلال مقتطفات من تاريخ مجازات اللعب في الفكر الانساني نقرأ عن أصوات من التاريخ من خلال مقاربات تاريخية ومفاهيم مختلفة للفلسفي والفكري على امتداد الزمن، كذلك نقرأ في صوت الفلسفة النظرية وخصوصا لدى شيللر وقد سماها غريزة اللعب. ويناقش المؤلف اسئلة أيضا تتعلق بمفاهيم أكثر دقة وعمقا فاللعبة أم الألعاب، ومنه إلى رأي كايوا الذي يرى أن اللعب هو نشاط حر ومنفصل وغامض وغير منتج ومنظم وخيالي. وهو يرى أن الألعاب الموصوفة بشكل مسبق والمصنفة لا تمثل سوى سطح المنظور (قابل للملاحظة) وهي في الحقيقة تحكمها بعض الغرائز القوية، وتستجيب لمتطلبات تنبع من الطبيعة البشرية وحياة الجماعات الانسانية؛ فالالعاب عبارة عن ترجمات “لمواقف سوسيو- نفسية”. وفي هذا السياق فقط “يمكن للالعاب في الحقيقة أن تشكل عوامل حضارية”. وفي قراءته لموضوع اللعب بين الفلسفة والأدب يشير الى أنه كان ولايزال لعمل جاك دريدا الفلسفي أثره الكبير على الأدباء، وإحدى هذه التأثيرات هي تلاشي الفصل بين الفلسفة والأدب، وبطبيعة الحال فإن انمحاء تلك الحدود بين فروع المعرفة لم تبدأ مع دريدا بل إن دواعي ونتائج ذلك الانفتاح تظهر بوضوح لديه تاركة تقييم الاثار الفلسفية للفلاسفة مكتفياً ببيان الاسهامات الأدبية لتلك الحركة.. ومن هناك يتناول المؤلف مفهوم غير مُنتقَد من طرف التفكيكية: اللعب وقراءة لعبية في مجال النقد الأدبي، ولذة النص لدى بارت حيث يصبح التأويل حقل انتاج القيم والمعاني. وفي لذة النص لم نعد بعد نبحث عن أساس التمييز بين الأدب الجيد والرديء، لماذا وباسم ماذا كنا نبحث؟ لم نعد نبحث الغاية النهائية لاحكامنا الجمالية كما لو أنها موضوعية ومستقلة عنا “لذة النص ألا نعتذر أبدا، ولا نبرر أبدا، ولا ننفي أبدا أي شيء: “سأحول نظريتي ويكون هذا من الآن فصاعدا النفي الوحيد”. هذا الاثبات النيتشوي لرغباتنا الخاصة يجعلنا نشارك في الحركات الاجتماعية الكبرى لخلق عالمنا الخاص ومن خلال صياغة منظومة وقيم فردية بالاستسلام لتوجيه المبدأ الاستكشافي للذة النص ولا جدوى من الادعاء بأن الناقد والمؤول هو بطل الحقيقة. يجب الاعتراف كما يرى المؤلف بأننا دوما محفزون في أبحاثنا فنحن نقارب الأعمال من خلال معرفتنا الخاصة. إن القالب العام الذي يراه فارغا سلطان لنظرية الألعاب تم وضعه على يد عالم الرياضيات الفرنسي ايمل بورل الذي كتب أكثر من مقالة عن ألعاب الصدفة ووضع منهجيات للعب. أما أبو نظرية الألعاب الحقيقي فهو عالم الرياضيات الهنغاري الامريكي جون فون نيومان، الذي أسس عبر سلسلة من المقالات امتدت على مدى عشر سنوات، الاطار الرياضي لأي تطوير على النظريات الفرعية خلال الحرب العالمية الثانية. وكانت نظرية الألعاب هي تحليل رياضي لحالات تضارب المصالح بغرض الاشارة الى أفضل الخيارات الممكنة لاتخاذ القرارات في ظل الظروف المعطاة، والتي من شأنها أن تحقق النتيجة المرغوبة. وبالرغم من ارتباط نظرية الالعاب بالتسالي المعروفة (لعبة الداما والبوكر) الا انها تخوض في معضلات أكثر جدية تتعلق بعلم الاجتماع والاقتصاد والسياسة، بالإضافة الى العلوم العسكرية. وكانت معظم الخطط العسكرية ضمن مجال نقل الجنود وإيوائهم “الدعم اللوجستي” ومجال الغواصات والدفاع الجوي مرتبطة بشكل مباشر مع نظرية الالعاب، وبعد ذلك تطورت نظرية الالعاب كثيرا في بيئة علم الاجتماع.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©