الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

استبداد الصورة

استبداد الصورة
9 يونيو 2010 20:41
“استبداد الصورة: شاعرية الرواية العربية”، هو الكتاب الجديد والقيم الذي أضاء المكتبة المغربية والعربية، وهو كتاب استحق به مؤلفه الناقد والأكاديمي المغربي الدكتور عبد الرحيم الإدريسي جائزة المغرب للكتاب في أحدث دورة لها، والجائزة هي أهم جائزة تمنحها جهة رسمية في المغرب، وهي وزارة الثقافة. الكتاب جاء في مجلد ضخم بإخراج جميل يقع في حوالي 340 صفحة من الحجم المتوسط، زين بلوحة “الموجة السابعة “ للفنان إيفان إيفازوفسكي. وهو من إصدارات منشورات مركز الصورة في طنجة. “استبداد الصورة: شاعرية الرواية العربية”، كتاب قيم قدم فيه الدكتور عبد الرحيم الادريسي خلاصة جهده في سبيل سبر أغوار نمط من الصور الروائية أسماها “الصورة الشاعرية”. وحيث إن التصوير الروائي لا يرتبط بنمط من الصور”. فقد غدا – كما يقول الناقد المغربي المعروف محمد أنقار في مقدمة الكتاب – من البديهي إخضاع مختلف أنماطه للمعالجة النقدية بما فيها من صور واقعية، أو رومانسية، أو شاعرية، أو سريالية، أو تأملية. صحيح أن الأنماط السردية قد تتداخل فيما بينها وتتشابك فتتخذ صيغا تعبيرية مركبة، لكن التركيب لا يمنع بتاتا من طلب “سمات النمط” المهيمنة في نص روائي بعينه”. رواية برحيق الشعر ويرى الدكتور أنقار أن المؤلف اختار “الشاعرية” من “حيث هي سمة تكوينية في بعض الروايات العربية خاصة تلك التي يهيمن فيها النفس الصوفي. وواضح ما بين “الشعر” و “الشاعرية” من فروق جمالية بلاغية. وحيث إن كثيرا من الروايات العربية استلهمت وتستلهم رحيق الشعر دون الشعر ذاته في صياغة صورها، فقد غدا من المناسب الحديث النقدي عن السمة الشاعرية عوض الحديث عن حضور الشعر في الرواية. لذا كانت مهمة التمييز بين الأمرين من أولى المهمات التي خاضها الإدريسي في كتابه. صحيح أن الشاعرية معطى جمالي سبق للنقد الغربي أن عالجه بإسهاب، إلا أن ذلك لم يكد يتم من منظور الصورة الروائية. ومن هنا أهمية هذا البحث وريادته. ذلك أن استقصاء العلاقات الجمالية المحتملة بين السمة والصورة يقتضي تشريح كل منهما والبحث في وظائفه الدقيقة قبل الانتقال إلى مرحلة النظر إليهما وهما في حالة تواشج بلاغي تام. وفي سبيل تعميق النظر في تلك الوظائف اعتمد الإدريسي مبدأ “التساند” الجمالي، ثم أغناه برؤى وتطبيقات جديدة استلهم فيها أفكار نقاد آخرين متميزين كان على رأسهم روني جار في احتفائه بـ “الطاقة النزوية” التي تقف وراء عديد من التكوينات الروائية، فضلا عن أفكار أخرى لها صلة بالصورة الروائية، والبلاغة النوعية، والتكوين الاسلوبي، والانتشار، والحيوية، والايقاع، والدرامية. وربما أمكن القول أن تلك الأفكار ظهرت أول مرة مجتمعة في كتاب الإدريسي. لكن مما لاشك فيه أنه لم يشغّلها بمنهج صارم ولا بمنظور يدعي العلمية الزائفة، وإنما ارتأى أنها أفكار نقدية يمكن أن تطبق بصورة راجحة في تحليل الروايات وكذا بالاعتماد على مفهوم البلاغة الرحبة التي تراهن على ماء الحياة المتدفقة في تكوين النص الروائي عوض المراهنة على سلطة القاعدة النقدية أو سلطة قانونها المعد سلفا. وثمة في هذا الكتاب مزية نقدية أخرى تتمثل في قدرة صاحبه على صياغة أو ابتداع مصطلحات نقدية جديدة أو شبه جديدة من شأنها أن تسهل عمليات النقد والتحليل والنظر وتحاول أن تضبطها ولو ذوقيا. من ذلك: الشاعرية الروائية، والشاعرية الصوفية، وإيقاع الصورة، والمفارقة الدرامية، ومحكي المعين الانساني، والصورة النزوية، والمجاز المضاعف، والسند الدرامي، وغيرها من المصطلحات التي تنبىء عن مدى الطاقة التركيبية التي تميز ذهن صاحب هذا الكتاب. وهي في رأيي طاقة حيوية ونشيطة عرفتها في عبد الرحيم الإدريسي منذ أكثر من عقدين من الزمن، ولا ينقصها سوى محاولات الذيوع والانتشار. الشاعرية الصوفية ينطلق الباحث في مؤلفه هذا من افتراض منهجي يرى أن تخصيص “مصطلح الشاعرية وجملة إمكاناتها الأسلوبية بالسياقات الجمالية والنوعية للجنس الادبي يتيح إمكان استشراف قيم جمالية لا يسمح بها تناول نقدي ذو منظور مطلق أو خاضع لسياق جنس أدبي مغاير”. ويتوخى هذا الافتراض، في حدوده العامة، التقدير النوعي لبلاغة الشاعرية في الرواية العربية، بما أن الشاعرية النوعية تشكل منسوجا من سياق المتن الروائي ومتصفة بخاصيات تكوينه. لذلك تحوط مهمة هذا الافتراض صعوبات جمة، لعل أبرزها برأي المؤلف هو: “ما هو سائد في الحقل النقدي الذي يستخلص مكونات الشاعرية وسماتها من اقتضاءات جنس الشعر ومقولاته الجمالية، مما أفضى إلى امتزاج اشكالي معقد بين قواعد جنس الشعر وتكوين الشاعرية الفني الذي تتكفل به مكونات سياق الجنس الروائي وسماته. وبهذا الاعتبار يصبح الافتراض إشكاليا ويستشرف وظائف الشاعرية ومقوماتها وفق مرتكزات جمالية راجحة وباقتراح معايير اضافية تُناط بها مهام كشف ضوابط شاعرية المحكي الروائي وسماته. ولما كان التكوين الصوفي نسقا أسلوبيا يُؤثر بلاغة المجاز التي تحمل الصور على “تجلية” الوجدان الخالص وتلبُّس أحواله إلى درجة استيهام الغيب، فقد افترضنا أن مبحث المكون الصوفي في الرواية العربية يقربنا أكثر من أحد الإنجازات الأسلوبية للرواية العربية، ويسعفنا على كشف سمات ذلك الإنجاز الجمالية والبلاغية. وإن مما يضفي سمة الإشكال على الافتراض أيضا، انطلاقنا من أن للتكوين النصي الذي ينهل من معين التصوف القدرة البلاغية والرؤيوية على تلوين مقومات الشاعرية بما يجعل معايير اصطفاء مرتكزات الجنس الروائي السياقية والجمالية لسمات الإنجاز الشاعري وضوابطه موضوع اختبار. لذلك تطورت فكرة هذا الكتاب وفق تصور مركب يدفع بـ “الصورة الشاعرية” إلى أقصى تشكلاتها إدهاشا وغموضا وخصوصية، وهي “الشاعرية الصوفية”، ويبحث في حدود وإمكانات تساندها مع سياق الجنس الروائي”. خصص الباحث الباب الأول للمعالجة النظرية وتفرد “الفصل الأول منه لتوضيح مفهوم “الشاعرية الروائية”، فاشتمل على ضبط مفصل لمجمل إمكانات الشاعرية الأسلوبية والتصويرية الرحبة وتخصيصها بالتكوين المجازي والمشتبه والمضمر”. وتناول الفصل الثاني مفهوم “التصوير الصوفي” وعلاقته بالشاعرية وخاصياته الأسلوبية والبلاغية. محفوظ وحيدر أما الباب الثاني فينبش فيه المؤلف عن بعض معايير التصوير الشاعري وسماته النوعية في نموذجين روائيين متباينين من حيث إنجازها الأسلوبي والبلاغي”، كما يحلل في الفصل الأول “وظائف التكوين الروائي القائم على “الاشتباه الشاعرية” و “التحبيك الشامل للمفارقة” في رواية “أفراح القبة” لـ نجيب محفوظ”، أما في الفصل الثاني فنرى الباحث يحفر في ما أسماه “شاعرية “الطاقة النزوية” وما اقتضته من توتر الصورة وجدل الشعري والروائي في نص “الزمن الموحش” لـ حيدر حيدر. وفي الباب الثالث يتوقف المؤلف عند بعض مظاهر اصطفاء مكونات الجنس الروائي السياقية وسماته الجمالية لمقومات إنجاز الشاعرية الصوفية محاولين ضبط معايير الاداء الروائي للصورة الصوفية. واختص الفصل الأول من هذا الباب بتحليل سمة “الانشطار النوعي” في “التصوف الذهني المعكوس”، انطلاقا من نص “حدث أبو هريرة قال” لـ محمود المسعدي. كما وقف في الفصل الثاني على وجه آخر من أوجه سمة “الانشطار النوعي” في رواية “الزمن الآخر” التي سلك فيها إدوارد الخراط سبل الشاعرية اللغوية و “التأمل و “التمركز المطلق في الذات”. وفي الباب الرابع حلل الباحث “وظائف “التساند الجمالي” بين شاعرية المكون الصوفي وسياقه الروائي المخصوص، معالجا في الفصل الأول صور “الصوفية المنكسرة” في رواية “سيرة الشيخ نور الدين” لـ أحمد شمس الدين الحجاجي. أما في الفصل الثاني من هذا الباب فيتوقف الباحث ليعرفنا على “ضوابط الأداء الروائي لـ “محكي التخلق” و “الصورة الصوفية المتعالية” في رواية “جارات أبي موسى” لـ أحمد التوفيق، كما توقف الباحث عند “وظائف إذعان التصوير السردي لخصائص المكون الصوفي المهيمن”. ويشير الباحث إلى الصعوبات التي واجهته خلال عملية تأليف هذا الكتاب وأبرزها حسب قوله: “قلة ما كتب في الموضوع الشاعري تخصيصا، وندرة المعالجات النقدية التي جمعت بين ما هو شاعري وما هو صوفي، إضافة إلى تنوع المتن المقترح للدراسة وسعته”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©