الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عدنان الصائغ: عزلة الكتابة·· وصخبها

عدنان الصائغ: عزلة الكتابة·· وصخبها
13 أغسطس 2008 23:59
يقول الشاعر العراقي عدنان الصائغ المقيم في لندن: طقس الكتابة عندي أشبه بلحظات التهجّد الصوفية، أكون فيها مستغرقاً ومتوحداً مع نصي، بعيداً عن العالم حتى وهو يحيط بي وأحيط به·· وهذا الطقس الممتع والممض ليس له حالة ثابتة أو زمان ومكان محددان·· أحياناً توقفني القصيدة في زحمة شارع، وأحياناً تطرق بابي في آخر ساعات الليل·· أحياناً تنبثق من أغنية أو لوحة أو غيمة أو مشهد يومي، وأحياناً قد تدغدغني من خلل سطور كتاب أو جريدة، أو تمضي معي في حقيبة السفر إلى مدن وشواطئ أراها للمرة الأولى، وأحياناً تمكث معي داخل البيت لا تتركني أبرح طاولتي لأيام· على أنني ـ في كل هذا وغيره ـ أجدني في تلك اللحظات الفريدة ميّالاً إلى الوحدة مع نفسي وأوراقي وأغنيتي حتى لا يفسد خلوتي أي طارق أو أي شيء، عدا نقرات أصابع القصيدة التي أنا في انتظارها أبداً·· أما جدوى الكتابة فهي عندي الوجود كله·· وهي ـ أي القصيدة ـ الوحيدة القادرة على تعويضي عن كل خساراتي في هذا العالم· ويضيف الصايغ: لا أحب الكتابة الشعرية على طاولة وكرسي· فأغلب القصائد التي كتبتها (وحتى نشيد أوروك) كانت فوق قصاصات صغيرة متناثرة أجمعها ثم أنقحها وقد أتلفها فيما بعد·· أحب الكتابة أمام زجاج النوافذ، في المقاهي أو الباصات أو الغرف· ويقول عدنان الصائغ عن الكتابة النثرية: الكتابة النثرية الأمر مختلف، فأنا أحتاج إلى جلسة هي أقرب إلى جلسة عمل أمام الشاشة· حيث أميل حالياً إلى عمل كل ذلك في جهاز الكومبيوتر، مروضّاً الكتابة لوقتي وطقسي·· أما الشعر فلم أستطع أن أروّضه، بل هو الذي يملي عليّ شروطه ويجرني من ياقتي إليه·· ومثلما لا طقس معيناً في عملية الكتابة الشعرية·· فلا وقت أيضاً ولا موسيقى معينة أيضاً، فزمنه مفتوحٌ على كل الاحتمالات: أحياناً أكتب في الليل، أو في آخر ساعات الليل· وأحياناً في النهار، النهار الباكر، وأحياناً بينهما·· وكذلك في كل الأجواء: بين زحام المدينة، أو في صخب الأصدقاء، أو في هسيس غابة، أو صرير مجنزرات الحروب، أو عويل رياح المنافى، أو ركن منعزل في مقهى، أو بين رفوف مكتبة· لقد جربت كل هذا وأكثر، واعتدت الكتابة بكل الأجواء والمناخات، ذلك لأن النص غالباً ما يعزلني بجدار من فلين عن كل ما يحيط بي، ويهندس لي عوالمي وأجوائي· أجلس أحياناً مع موسيقى موزارت أو باخ وأحياناً مع أغاني صديقة الملاية أو كاظم الساهر أو أم كلثوم· أحياناً تجلسني القصيدة معها ساعات طويلة، وأحياناً تمل وتضجر، فتتركني وتنسحبُ·· أحياناً وأنا أقرأ تسحبني القصيدة من دفتي الكتاب، أو تلف ذراعها الشفيف حول عنقي وأنا بين الناس، لتتركني فاغراً فاهي حيرة ودهشة وترقباً·· أحياناً تتمنع، أو تتسلل، أو تندفع بقوة وشوق، أحياناً تخلف موعدها، أو لا تأتي بالمرّة!··
المصدر: الرياض
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©