الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المتوحد والمتبرم

المتوحد والمتبرم
14 أغسطس 2008 00:01
تختلف حالات المحبين باختلاف شخصياتهم وعوالمهم، وإذا كان بعض المفكرين يرى أن الزمن عنصر يضاف للطباع والمواقف فيحول دون أي شكل من أشكال التكرار فيها، فإن بوسعنا أن نضيف إلى ذلك قدرة كل شاعر على صياغة تعبيره عن حالته بلغة خاصة تجعل التشابه بين الأحوال ظاهريًّا والخلافات المائزة هي الأعمق· من هنا نرى أن بعض الشعراء المحبين يخلص لعاطفته ويتوحد في محبوبته بحيث لا يعنيه رد فعلها، مثل ذي الرمة الذي يقول: إذا خطرت من ذكر ميّة خطرة على القلب كادت في فؤادك تجرحُ وإن غيّر النأيُ المحبين لم أجد رسيس الهوى من حب مية يبرحُ أرى الحب بالهجران يُمحى فينمحي وحبك منا يستجدّ ويصرح فلا القرب يدنى من هواها ملالة ولا حبها إن تنزح الدار ينزح لئن دامت الدنيا عليّ كما أرى بتاريخ من ذكراك فالموت أروحُ فهذا هو التوحد الذي يشارف الوجد الصوفي، لا يتأثر بالهجر ولا يبرح يحس الهوى يسري ماديًّا في كيانه كما يتوغل الشيء داخل الجسد فيشعر برسيسه، مع أنه يرى الحب يعرض لغيره فيثبت بالوصل وينمحي بالهجران، لكن حبه يتجدد ويقوى على مدار الزمن، فلا يستشعر الملالة بالقرب ولا السلوان بالبعد، ولا يبقى له من خلاص سوى بالموت· والمهم في هذا الشعر ليس استحضار الحالة الثابتة المتنامية للهوى وإنما صياغتها بهذه الإيقاعات الموسيقية والتراكيب اللغوية المفعمة بقوة التمثيل وجمال التخييل وحلاوة الأداء، فأوضاع العبارة الشعرية وتماسك الدلالة وبحة الحاء الجارحة في القافية التلقائية تمنح الحالة الشعرية مصداقية الحقيقة الفنية وبهاءها الإنساني· أما حالة المتبرم بالحب، أو بالأحرى المشتكى من عذابه ودلال محبوبته فيمثلها أعرابي ظريف بقوله: شكوت فقالت: كل هذا تبرّمًا بحبي؟ أراح الله قلبك من حبي فلما كتمت الحب قالت: لشدّ ما صبرتَ، وما هذا بفعل شجى القلب وأدنو فتقصيني، فأبعدُ طالبًا رضاها، فتعتدّ التباعد من ذنبي فشكواى تؤذيها، وصبري يسوؤها وتجزع من بعدي، وتنفر من قربي فيا قوم هل من حيلة تعرفونها أعينوا بها، واستوجبوا الشكر من ربِّي وربما تكون هذه الأبيات أطرف تعبير شعري عما هو متداول في الوجدانيات من تقلب المرأة وصعوبة رضاها؛ الأمر الذي يكشف عن سوء الفهم الأزلي بين الرجال والنساء، فهذا الإعرابي المسكين يزعم أنه يتخذ كل المواقف التي يتصور أنها ترضي محبوبته فإذا بها تفسرها على العكس تمامًا من مقصده، فيلخص حالاته في البيت الرابع حيث تؤذيها كل أوضاعه المتضادة، ولابد أن العيب فيه لأنه يحسن أداء هذه الحالات، لكن طرافة النهاية التي يجأر فيها بنداء الناس كي يسعفوه بالنصيحة ولهم الثواب من الله تشير إلى أن الموقف برمته مشحون بالمبالغة التي يقع فيها كل من النساء والشعراء معًا··
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©