الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

محمود درويش··· الظاهرة

محمود درويش··· الظاهرة
14 أغسطس 2008 00:01
بحزن عميق أكتب هذه الأسطر لأتحدّثَ فيها عن الشاعر المرحوم محمود درويش، شاعر الثورة الفلسْطِينيّة، الذي ملأ الدنيا بشعره، وكان أشقّ على المحتلين من حاملي السلاح أنفسِهم، فقد تنقّل في مختلف عواصم دول الأرض، وألقى أمسيات شعريّة حاشدة بصوته الجهير، فعرّف القضيّةَ الفلسطينيّة وأسمع صوتَها· ونحن نعتقد أنّ محمود درويش هو ظاهرة شعريّة في مسار الشعر العربيّ المعاصر· وإذا كان نزار قباني تميّز بالحديث عن المرأة، وعن النطق باسمها، وعن وصفها وصْفاً لم يسبق إليه، فإنّ محمود درويش يعدّ أحد أكبر شعراء القضيّة على وجه الإطلاق· حقّاً لقد سبقه إلى بعض ذلك شاعر الثورة الجزائرية مفدي زكرياء، ولكنّ الإعلام لم يتسلط على هذا الشاعر بالمقدار الذي يجعله يكتسب الصّيت العالمي فيدخله من الباب الواسع· كما أن استمرار القضيّة الفلسطِينيّة وبقاءَها معلَّقةً في مكاتب الأمم المتحدة، وتعرّضها لمخاطر داخلية وخارجية، جعلت الشعر الثوريّ الفلسطينيّ يستمرّ في التوهّج، ومن ثَمّ يستمرّ أكبر شعرائه، وهو محمود درويش، في حمل لواء القضيّة الوطنيّة العادلة· والذي أثلج صدري، في خض الحز العارم الذي أدمى قلوب الأدباء العرب جميعاً، أنّ السلطة الفلسطينيّة أعلنت الحداد لمدة ثلاثة أيّام حزناً على فقدانه، وهو شأن لم يسبق له مثيل في تاريخ الشعر العربيّ على وجه الإطلاق· وقد كنت أبديت إعجابي العظيم بأن أقيمت جنازة رسميّة للشاعر إيمي سيزار، وأنّ الشعب المارتينيكي كلّه بكى ذلك الشاعر الثوريّ، فتكرر هذا الموقف الوطنيّ الكريم بإعلان الحداد على وفاة شاعرنا العظيم محمود درويش· يبقى أن أذكر، وأنا شديد الاضطراب، وعميق الحزن في كتابة هذه الأسطار أن أكشف لقراء ''الاتحاد الثقافي'' أنّي تربطني بالشاعر محمود درويش، رحمه اللّه، علاقة صداقة، وأنّي جالسته وتناولت معه الطعام على مائدة واحدة في عدّة مدن عربيّة منها مدينة بغداد في مناسبة ثقافيّة كبيرة في الأعوام الثمانين من القرن الماضي، وقد تعشّينا بسمك المسقوف مع جملة من الشعراء والنقاد العرب· في حين عشت معه بضعة أيام بمدينة مكناس المغربيّة في شهر مارس من عام ثلاثة وثمانين، وذلك على هامش مؤتمر عُقد عن القصة العربيّة، حيث أقام أمسية شعريّة حضرها زهاء أربعة آلاف شخص، أو اقل حضر أمسيته كلّ مَن وسِعتْهم القاعة الفسيحة بمدينة مكناس· وفي إحدى الجلسات قال لي بعد أن هنّأته بهذا الحضور الحاشد: إنه كان يتمنى لو كان كاتباً روائيّاً، لا شاعراً، فاعترضت عليه قوله، وأحسبه لم يكن جاداً، أو أنه كان يريد لو استطاع أن يكون روائيّاً عظيماً، كما كان شاعراً عظيماً· لقد فقد الشعر العربيّ المعاصر أحد أعظم أصواته، فرحمك اللّه يا شاعر العرب، يا محمود!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©