الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

روايات يابانية عبر الهاتف الجوال

روايات يابانية عبر الهاتف الجوال
14 أغسطس 2008 00:06
هناك اليوم في الغرب تجارب أدبية عجيبة وغريبة مرتبطة بالتقدم التكنولوجي وتطور وسائل الاتصال من ذلك مثلا تجربة الكتابة الجماعية لرواية واحدة وهو اتجاه يراد منه التأكيد بأن الإبداع ليس دائما من إنتاج شخص واحد وخيال فرد واحد بل يمكن أن يكون جماعياً· ففي إنجلترا ووفق ما أوردته مجلة ''الكورييه انترناسيونال'' الفرنسية فإن مؤلفا كتب بداية رواية واقترح على من يريد ويرى في نفسه الكفاءة والرغبة بأن يساهم بإضافة فقرات أخرى للرواية، وهو ما تم فعلا ووصل عدد المشتركين جماعياً في كتابة الرواية إلى ألف و500 شخص، والنتيجة كانت نصاً مطولاً لا أول له ولا آخر تتشابك فيه الأحداث في غموض وضبابية· وأكد النقاد بأن هذه الرواية الجماعية لا قيمة أدبية لها على الاطلاق وبأن الخيال في حاجة إلى ضبط وحدود وتنظيم· فالبناء القصصي كان مفقوداً فكل من ساهم بإضافة فقرة أو فصل لم يراع ما سبقه من أحداث ولم يربط بما سبق مما نتج عنه لخبطة في المبنى والمعنى· أما في اليابان فإن هناك تجربة أدبية أخرى لا تقل غرابة وطرافة بل إنها أصبحت ظاهرة ثقافية قائمة بذاتها وتتمثل في نشر روايات وتوزيعها عبر الهاتف الجوال· وقد لاقت هذه الروايات نجاحاً كبيراً، وخلال عام 2007 فإن من بين العشر روايات الأكثر مبيعاً في اليابان فإن خمسا منها تم نشرها وتوزيعها أولا عبر الهاتف الجوال قبل نشرها في طبعات ورقية، وهي روايات تروي في أغلب الأحيان أحداثاً للقاءات بين فتاة وشاب تترواح أعمارهما بين 15 و20 عاما يتخللها حوارات تتحدث عن تجارب عاطفية لمراهقين· وهذه القصص لا عمق فيها ولا شخصيات ذات أبعاد انما هي قصص سطحية تتلخص في ''أحبه وهو لا يحبني''، وهي نصوص لا تخضع للمقاييس الكلاسيكية للبناء الروائي، فالعمود الفقري لها هو البوح وهو ما يفسر الإقبال الشديد على مطالعتها لاحساس المطالعين لها بأنها روايات نابعة من تجارب صادقة وهي الى جانب ذلك تغذي خيالهم الجامح· وما يشد المتابع لمثل هذه الروايات من الشباب الياباني، هو صدق المشاعر التي تتخلل الأحداث وبساطة وتلقائية الحوار فهي مليئة بجمل مثل: ''حتى ولو توقفت الأرض على الدوران، حتى ولو انهار العالم فأني سابقى أحبك''· أو ''كما أنك تحب نفسك فإنه يوجد حتما أحد آخر يحبك''· وأكثر مؤلفي مثل هذه الروايات يوقعون بأسماء مستعارة ويتعمدون إخفاء هوياتهم الحقيقية، فالكاتبة ''تووا'' هي عاملة في مؤسسة و''شاكو'' هي أيضا تخفي اسمها الحقيقي ولكن لها موقع على شبكة الإنترنت تذكر فيه حتى فصيلة دمها ولون شعرها ونوعية السجائر التي تدخنها، علماً بأنه يتم بعد توزيع الروايات عبر الهاتف طبعها في نسخ ورقية· رواية (كوزورا) ''سماء الحب'' لمؤلفتها ميكا لاقت رواجاً كبيراً وبيعت منها أكثرمن مليوني نسخة وكذلك رواية (اكيتو) ''الخيط الأحمر'' التي نالت هذا العام جائزة، بل إن الكثير من هذه الروايات تم إخراجها في أفلام سينمائية ولاقت اقبالا هاما، وفيلم ''سماء الحب'' خرج للقاعات يوم الاحتفال بعيد الحب· إن القارئ الياباني الشاب لمثل هذه الروايات المرسلة عبر الهاتف الجوال يجد في أحداثها وأبطالها نماذج متطابقة مع شخصيته، فهي قريبة منه، ولأن الياباني عموماً كتوم في حياته اليومية ولا يفتح قلبه لأي كان خاصة في أمور تؤلمه فإنه وجد ضالته في مثل هذه الروايات التي تمثل له متنفسا· وفي اليابان فإن قلة من الشباب له امكانية التمرد على المجتمع ولا غرابة في اقرارهم بأن عيوبهم هي السبب فيما يعترضهم من مصاعب ومشاكل وهو ما يفسر العزلة الاجتماعية التي يشعر بها الكثير منهم، ففي نظرتهم للحياة فإن المسؤولية تقع كلها على الأفراد وليس على المجموعة· وهذا التصور للحياة والناس هو أحد أسباب نجاح الروايات الموزعة عبر الهاتف الجوال فعالم هذه القصص لا يلاقي البطل فيها الحب الا اذا اتسم بالشجاعة وتسلح بالاعتماد على نفسه دون المطالبة بمساعدة أحد· أما المصاعب التي تتخلل أحداث تلك الروايات الموجهة لجمهور المراهقين فهي حادث سيارة خطير أو اغتصاب أو حمل غير مرغوب فيه أو خلاف وتشتت عائلي أو حب محرم بين الأقارب· والمقبلون على مطالعة مثل هذه الروايات ليسوا من الطبقة المرفهة بل هم من الفقراء، وأبطال الروايات ينتمون هم أيضا الى هذه الفئة· ويصل القول أن هذه الروايات مرتبطة بمشاغل وهموم وآلام الشباب الياباني غير المرفه وغير المنتم الى الطبقة الغنية بشكا كلي، فالروايات الموزعة عبر الهاتف الجوال هي تعبير اجتماعي عن جانب من واقع الشباب، والحقيقة أنها روايات سطحية لاعمق فيها وهي لاترتقي بالقارئ بل تجعله مرتمياً في أحداث شبيهة بحياته اليومية وحتى المشاعر يتم التعبير عنها بجمل قصيرة فاللغة هي الأخرى فقيرة في مفرداتها وصورها ولكنها قريبة من المراهقين، وأحد أسباب نجاح هذه أنها تصور حياة المراهقين ببساطة ووضوح·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©