الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الزعامة الروسية وأصوات الاستياء الداخلي

10 ابريل 2011 22:55
منذ ثلاثة أشهر ومعدلات التأييد الشعبي للزعماء الروس آخذة في التراجع، وهو اتجاه أخذ يخلق أحاديث هنا عن أزمة سياسية وشيكة. ومؤخراً، انضم ميكاييل جميتريف وسيرجي بيلانوفسكي، وهما مفكران من "مركز البحوث الاستراتيجية" المرموق، إلى صفوف المنتقدين، حيث دعيا إلى إصلاحات من شأنها خلق بيئة سياسية تنافسية، واستعادة ثقة الجمهور، وتحسين السياسات الاقتصادية. وفي الوقت الراهن، يبدو الكريملن عاقداً العزم على الحفاظ على احتكاره للسياسة وعملية صنع السياسات وإيجاد نموذج اقتصادي مبني على التوزيع الممركز لعائدات الموارد الروسية. لكن التأييد العام لرئيس الوزراء بوتين والرئيس ميدفيديف آخذ في التقلص بالفعل؛ ذلك أن معدل التأييد الشعبي لبوتين، الذي لم ينخفض عن 76 في المئة لأكثر من أربع سنوات، بات اليوم في مستوى 69 في المئة، حسب مركز ليفادا لاستطلاعات الرأي. كما انخفض تقييم الجمهور لميدفيديف إلى 66 في المئة. وتشير معطيات مركز ليفادا أيضا إلى أنه، ولأول مرة منذ عدة سنوات، بات عدد الروس الذين يعتقدون أن البلاد تسير في الاتجاه الخطأ يفوق عدد من يعتقدون أنها تسير في الاتجاه الصحيح. وتعكر المزاج العام هذا يعود جزئيا إلى شعور متزايد بافتقاد الأمان حيث بات الناس يشعرون بأن رفاهيتهم هشة، وإلى استياء متزايد من انعدام العدالة الاجتماعية والفساد الإداري والإفلات من العقاب. فقد وجد استطلاع أجراه مركز ليفادا العام الماضي أن أكثر من 70 في المئة من الروس يعتقدون أن موظفي القطاع العام يقومون، وعلى نحو روتيني، بتحدي القانون. كما أن سخط المواطنين على الشرطة أضحى محل إجماع وطني تقريباً. والواقع أن غضب الجمهور وإحباطه واضح على شبكة الإنترنت، وفي وسائل الإعلام غير الحكومية. وفي هذا الإطار، يقود المدون أليكسي نافالني، وهو ناشط بارز من المجتمع المدني، حملة لفضح الفساد الحكومي. كما تم نشر قصائد تسخر من الزعماء الكبار على الإنترنت التي بدأت تغص بالانتقادات. ويشير عدد من التقارير الصادرة عن مراكز البحوث، بل وحتى تصريحات رسمية لبعض المسؤولين، إلى الحاجة الملحة لإصلاح سياسي جدي، مجادِلةً بأن التحديث والتنمية المستديمة سيكونان مستحيلين إذا لم يتم استبدال الاحتكار السياسي والحكم الاعتباطي في روسيا بالتعددية وحكم القانون. وفي هذا السياق، يحذر دميتريف وبيلانوفسكي، على سبيل المثال، من "الاستخفاف والاستهانة بالمؤشرات المقلقة الأولى للأزمة السياسية الصاعدة"، معتبرين أن "المقاربة القديمة المعتادة لن تنجح"، وداعيين إلى حوار بين الحكومة والشعب. وربما يبالغ دميتريف وبيلانوفسكي في قلقهما؛ فمعدلات التأييد لبوتين وميدفيديف مازالت في مستويات يحسدهم عليها العديد من زعماء العالم. كما أن الشعب الروسي مازال لا يبدي اهتماماً كبيراً بالتنظيم والنشاط السياسيين؛ حيث قبِل منذ وقت طويل الابتعاد عن السياسة وأفراده لا يسعون لدور في تشكيل ملامح مجرى الحياة السياسية. وقد ينظر بعض المنتقدين إلى شكاوى المواطنين باعتبارها مؤشراً على تغيير أو أزمة سياسية، لكن مثل هذه الشكاوى هي بالنسبة للعديد من الروس طريقة للتنفيس عن بعض الضغط. فالأشخاص، مثل نافالني، قد يهزون العالم الافتراضي ويثيرونه، لكن استطلاعات الرأي الأخيرة تشير إلى أن نسبة مئوية صغيرة فقط من الجمهور تتبع المدونين الإلكترونيين. بيد أنه سيكون من الخطأ عدم الإقرار بالتحول في رضا الجمهور. فكما هي عادتها، زادت الحكومة من حجم الإنفاق الاجتماعي قبل الانتخابات المقبلة؛ لكن التباطؤ الاقتصادي فرض حدوداً على إنفاق الدولة، وعندما يأتي الخفض في الميزانية، فإن خطر الاضطرابات يزداد. وعلاوة على ذلك، فإن غضب المواطنين من الفساد الحكومي، وغياب العدالة الاجتماعية، وانعدام القانون... قد تفاقم الإحباطات الاقتصادية، وقد تتحول التظلمات التي عُبر عنها شفوياً إلى احتجاجات في الشوارع. وفي ظل نظام يتميز بحكامة غير فعالة على نحو متزايد وتهميش المجتمع، فإن خطر مثل هذه التوترات دائم، وإن كان من الصعب تقييمه. ولتقليصه، راحت الحكومة تسعى لحل المشاكل بواسطة المال، وعولت على التلاعب السياسي، لكن تباطؤ النمو الاقتصادي وازدياد الاستياء العام أخذا يزيحان هذه الخيارات. وهكذا بدأ المنتقدون يدعون إلى سيطرة حكومية أقل وإلى سياسات من شأنها ضمان تنمية ونمو مستديمين، بيد أن بلوغ هذا الهدف يتطلب بيئة اقتصادية عادلة، تنظمها القوانين وآليات المحاسبة العامة التي تمنع، أو على الأقل تقلل، سوء استغلال المنصب. ورغم أخطار ازدياد مشاعر الاستياء، إلا أن الزعامة الروسية لا تصغي. وحتى إذا كان الزعماء مقتنعين بأن تخفيف المراقبة من شأنه أن يدعم تنمية قوية، فإن هدفهم الفوري هو الحفاظ على احتكارهم للسلطة. ففي روسيا الحالية، السلطة والثروة متشابكان جداً، ذلك أن فقدان السلطة يمكن أن يكون الخطوة الأولى لفقدان الثروة أو حتى الحرية. وفي وقت تجاوز فيه سعر برميل النفط 100 دولار من جديد، فإن بوتين يستطيع أن يحافظ على السلطة، وأن يتجنب استياء عاماً واسعاً لبعض الوقت. والواقع أن مصيري مبارك وبن علي يمثلان درساً تحذيرياً لزعماء روسيا، غير أن مثال جورباتشوف قد يكون أكثر ملاءمة. فقد اختار جورباتشيف تخفيف القيود عندما كان الاتحاد السوفييتي في حالة خطرة جداً؛ لكنه في غضون بضع سنوات، فقد منصبه وكذلك بلده! ماشا ليبمان رئيسة تحرير دورية «برو إي كونترا» الصادرة عن مركز كارنيجي - موسكو ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©