الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العُملة الخليجية: ما أهمية الدرس الأوروبي؟

9 يونيو 2010 21:22
قد تكون أزمة اليونان المالية الحالية، التي بدأ يمتدّ هشيمها إلى دول أوروبية أخرى، استرعت انتباه المشرفين على مشروع الوحدة النقدية الخليجية، خاصة وأنهم مكلّفون بإنجاح مشروع مماثل للوحدة النقدية الأوروبية في منطقة الخليج. وبدون أدنى شك فإن هؤلاء يحرصون على تجنّب الوقوع في مأزق كهذا مستقبلا. وكما هو معلوم، يتهيأ "مجلس التعاون لدول الخليج العربية" لإطلاق عملته الموحّدة التي لم تتم إلى الآن تسميتها رغم بلوغ المشروع، حسب وثيقة اتفاقية الاتحاد النقدي لمجلس التعاون، المرحلة ما قبل الأخيرة له. وتنضوي تحت لواء التكتل الخليجي العربي ست دول خليجية، لكنّ عضوين من هذه المجموعة، الإمارات وعُمان، آثرا عدم الانخراط مبدئياً في منظومة الوحدة النقدية الخليجية مع مواصلة الانضمام إلى باقي المشاريع الاقتصادية الموحدة والالتزام بها وهي أساسا السوق الخليجية المشتركة والاتحاد الجمركي الخليجي. وحسب وثيقة اتفاقية الاتحاد النقدي الخليجي المعلنة في نهاية 2008، فإن مهمة مجلس النقد الخليجي تكمن في الإعداد لتأسيس بنك مركزي خليجي يهدف إلى رسم وتنفيذ السياسة النقدية الخليجية وتحديد سعر صرف العملة الخليجية الموحّدة. وانطلاقا من تجربة العُملة الموحّدة الأوروبية التي أثمرت الـ"يورو"، فإنّ التّداول الفعلي للعملة الخليجية، وعلى بلوغ المشروع مرحلته قبل الأخيرة، لن يكون بين عشيّة وضحاها. فبالرّجوع إلى مشوار الوحدة النقدية الأوروبية، فإن التنفيذ الفعلي لمشروع اليورو، وبدون اعتبار المراحل السابقة للوحدة الأوروبية التي بدأت طريقها نحو التبلور منذ خمسينيات القرن الماضي، بدأ فقط في عام 1990 بإقرار التحرير الكامل لرؤوس الأموال وتطوير التعاون بين البنوك المركزية الأوروبية، إضافة إلى حرية الاستعمال الافتراضي بين البنوك الأوروبية لعملة الـ"إيكيو" التي تم تطويرها بعد 10 سنوات إلى عملة الـ"يورو". هذه المرحلة التمهيدية تطوّرت إلى مرحلة إطلاق مؤسسة النقد الأوروبي، التي تعادل خليجياً مؤسسة مجلس النقد الخليجي. وتم ذلك عام 1994 بالتوازي مع إعلان إنهاء دور البنوك المركزية الأوروبية في تمويل القطاع العام ومواصلة دعم التنسيق بين السياسات النقدية بين الدول الأوروبية المعنية، وتقوية التقارب الاقتصادي فيما بينها، والاتجاه نحو استقلالية البنوك المركزية المحلية... لتندثر هذه المؤسسة في مرحلة لاحقة بعد تسليمها المشعل إلى البنك المركزي الأوروبي الذي تأسس عام 1998. وقد تركّز دور "المركزي" الأوروبي على وضع الآليات الممهّدة لمرحلة إطلاق عملة "اليورو"، بما في ذلك تحديد سعر العملة الموحدة وآلية الصرف الأوروبي، ثم تنفيذ العمليات النقدية الافتراضية بين البنوك الأوروبية، وإصدار سندات الدين باليورو قبل طرحه فعليا. انطلاقا من هذا التذكير المختزل لمراحل إطلاق اليورو، يتبيّن أن هذا المشروع تطلّب 12 سنة من الاستعدادات الفعليّة قبل أن يلمس المستهلك داخل أوروبا وخارجها ورقة اليورو بين يديه. وبسبب اختلاف المعايير الهيكلية والظرفية بين أوروبا ودول الخليج في نواحٍ عديدة، سياسيّة واقتصادية، فإنه لا يمكن التكهّن بأن يتولّى التكتل الخليجي نسخ ما قام به الاتحاد الأوروبي ومحاكاة تجربته في إطلاق عملته الموحّدة وتطبيقها بكل حذافيرها وفي أدقّ تفاصيلها. في المقابل يمكن القول إن دول الخليج ستنتهج المعايير ذاتها والشروط الاقتصادية نفسها التي اتّبعها الاتحاد الأوروبي، لمنطقية هذه العوامل وأهميتها لإنجاح مشروع العُملة الموحّدة. وتتعلق هذه المعايير أساسا بالتضخم، ومعدل الفائدة، وسعر الصرف، ونسبة عجز الميزانية. وفي السّياق ذاته، لا يمكن التّخمين بأن يكون إطلاق العملة الخليجية الموحّدة بعد 8 سنوات من بداية أعمال مجلس الاتحاد النقدي، انطلاقا من التدّرج ذاته الذي انتهجه الأوروبيون منذ إنشاء مؤسسة النقد الأوروبي وصولا إلى طرح عملة اليورو للتداول. كذلك لم تتضح، وإلى حد الساعة، معالم الأجندة الخليجية لإطلاق العملة الموحدة، خاصة بعد تراجع الخليجيين عن طرحها في موعدها المحدد سابقا، وهو بداية 2010، وفقاً لإعلان قمة مسقط عام 2001، والذي سبقه بعام واحد قرار قمة البحرين تثبيت سعر عملات دول الخليج الست وربطها بالدولار. هذا بينما ضبط الأوروبيون منذ البداية رزنامة زمنية دقيقة وتفصيلية حول آجال تنفيذ مشروع عملتهم الموحدة. وعلى مستوى آخر، يلاحظ أن دول مجلس التعاون لا تزال في مرحلة المشاورات لتطبيق منهج ضريبي متقارب. حيث يتوقع أن تطبق بداية من 2012 نظاماً ضريبياً يقتصر على القيمة المضافة. بينما تُصنّف الضرائب ضمن المصادر الأساسية لميزانيات دول الاتحاد الأوروبي. كذلك يكمن الاختلاف بين المقاربتين الأوروبية والخليجية في تقارب أسعار أغلب العملات الخليجية لارتباطها بالدولار، باستثناء الكويت التي ارتأت اعتماد سلة عملات لتقليص مخاطر تراجع سعر الدولار في السنوات الماضية. وبالمقابل فإن أسعار العملات الأوروبية كانت شديدة التفاوت والاختلاف قبل توحيدها في اليورو. وانطلاقا من نقاط الاختلاف بين الشقّين الخليجي والأوروبي في الظروف والعوامل المؤطرة لاستعدادات التحوّل نحو عملة نقديّة موحّدة، فإن التكتل الخليجي قد يعتمد تجربة تتلاءم وظروفه وخصائصه الاقتصادية والسياسية. لكن، وبالرجوع إلى أزمة منطقة "اليورو" الحالية، فإن التكتل الخليجي قد يستقي الدرس الأوروبي بحذافيره ويتهيأ لدى استعداداته الحالية لإطلاق عملته الموحدة، لمثل هذه الأزمات من خلال وضع خطة طوارئ استباقية. عائشة بن محمود باحثة وإعلامية تونسية ينشر بترتيب خاص مع «مشروع منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©