الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جيران السوء.. أذى لا يكفّه سوى الرحيل

جيران السوء.. أذى لا يكفّه سوى الرحيل
24 أكتوبر 2009 00:57
أوصى النبي، عليه الصلاة والسلام، بسابع جارٍ معتبراً ودّه وبرّه من علامات الإيمان، ودعمت هذه الوصايا العادات والتقاليد العربية من خلال العديد من الأمثال التي أكدت أن «الجار قبل الدار»، وفضلت الجار على الأخ بقولها: «جارك القريب ولا أخوك البعيد».. لكن، للأسف، يبدو أنَّ بعض الجيران لم يسمعوا بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم هذه، ولا بأقوال العرب القديمة، فتراهم يسيئون إلى جيرانهم، وجهاً لوجه وبظهر الغيب، ويضعون الأذى في طريقهم بدل أن يميطوه عنها. والأمثلة على ذلك كثيرة بحسب أشخاص قابلتهم»الاتحاد» في أبوظبي. تلصّص ومراقبة «كانت سعادتي غامرة عندما انتقلت للعيش في شقتي الجديدة، فهي واسعة جداً ومشمسة كما كنت أحلم منذ زمن، فضلاً عن أن مواقف السيارات أمامها متوفرة بكثرة، وهي ميزات تحلم بها أي ربة بيت وامرأة عاملة».. هكذا بدأت فاطمة تحسين حديثها عن مسكنها الجديد، ثم استطردت قائلة: «لكن كلّ تلك الميزات والحسنات الرائعة لم تصمد طويلاً أمام سيئات جيراني الذين بثوا سمومهم في وجوهنا منذ اليوم الأول لإقامتنا، فحين صادفت جارتي على «درج» البناية بادرتها بالسلام مغلفاً بابتسامة لكنها قذفتني «بتكشيرة» اعتدت عليها فيما بعد مع رفع الحاجبين، وسألتني: من الذي كسر «الضوء في المدخل»؟ تواصل فاطمة حديثها قائلة: «أجبت على سؤالها بلباقة بأنني لا أعرف، لكنني فهمت أن هنالك من يتربص بنا، ومنذ تلك اللحظة توالت التدخلات من جارتي، فهي دائمة المراقبة لنا، سواء عن طريق النافذة أو عن طريق الأسئلة الشخصية، فكانت بين الحين والآخر تطرق باب منزلنا بحجة أنها تريد أن تراني، وإذا ما فتحت لها ابنتي تمطرها بوابل من الأسئلة عنا، وعن حياتنا، ومن زارنا، وهكذا.. أما عن مدخل البناية فحدث ولا حرج، إنه غير نظيف على مدار الأسبوع، وإذا لم أقم بتنظيفه مع خادمتي فإنه سيبقى وسخا إلى الأبد». مخالفات «الموقف» إذا كانت مضايقات الجارات تقتصر على المراقبة وطرح الأسئلة، فإنه أمر سهل أمام ما يعانيه عمر سليم من جاره الذي يتسبب له بالمخالفات بين الحين والآخر، يقول عمر: «كلّ شيء في منزلي جميل ورائع، باستثناء جاري الذي يقطن مقابلي في أحد الفلل الواقعة وسط أبوظبي، فهو ينغص عليّ معيشتي في أكثر الأيام، والسبب هو «موقف السيارة»، ففي أحد المرات نظرا للزحمة الشديدة في المواقف وضعت سيارتي إلى جانب الشارع بالقرب من فيلته، ولكني فوجئت بمخالفة مرورية على زجاج سيارتي في اليوم التالي، فاعتقدت أن الشرطة مرّت بالصدفة من المكان ووضعت المخالفات، لكن الأمر تكرر مع جيران آخرين، ولما تكررت الحادثة، عرفنا أن الجار يتصل بالشرطة طالبا مخالفة جميع السيارات التي تصف بالقرب من فيلته، عدا عن ذلك فهو يقوم بوضع لافتات ورقية مكتوبة، قد جهزها سلفاً على زجاج هذه السيارات، تشير إلى أن هذا موقف خاص بأصحاب الفيلا، علماً أنه شارع مروري عام وليس له علاقة بالفيلا.. وهكذا تمكن جار السوء من أن ينغّص عليّ وعلى ساكني الحيّ معيشتنا». تطفيش وترحيل جيران السوء دفعوا بالكثير من الناس إلى ترك شققهم والانتقال إلى سكن آخر، كما حدث مع زينب يوسف التي اضطرت وعائلتها إلى ترك الشقة والبحث عن شقة أخرى بسبب جارة السوء، تقول زينب: «كنا على علاقة وثيقة مع أحد أصدقاء زوجي الذي عرفنا على زوجته اللطيفة، فنشأت بيني وبينها صداقة قوية جدا وكذلك بين الأولاد الذين هم في سن متقارب، ثم أحببنا تتويج هذه الصداقة بالجيرة، فانتقلنا للعيش في نفس البناية التي يقطنون بها وأصبحنا جيرانا، في البداية كنا سعداء جدا، نسهر معا ونقضي أيام الإجازات معا، لكن بعد ذلك بدأت المشاكل، فقد أصبحت الصديقة اللطيفة جارة حشريّة جدا، تأتي في أي وقت ومن دون استئذان لتسأل عن كلّ شيء وتعرف كلّ شيء عن حياتنا، من أين هذا، وبكم؟ ومتى خرجت ومتى عدت إلى المنزل، وكم راتبي في العمل، وكم راتب زوجي، ومن جاء عندي اليوم، وماذا طبخت، ولماذا لم أرسل لها حصة من الطبيخ؟! وإذا ما دخلت المطبخ فإنها تفتح الثلاجة لترى ما بها، أما أولادها فعندما يدخلون إلى المنزل فكأنه «الزمهرير»، صراخ وركض في المنزل، وقفز على أسرة الأولاد، لدرجة لا توصف». تقول زينب: «لم نستطع أن نتحمل أكثر من 6 أشهر من الجيرة مع هؤلاء الأصدقاء، ثم كانت النتيجة أننا رحلنا من البيت وأيضا من حياة هؤلاء الجيران وخسرناهم كأصدقاء». من علامات الإيمان يرى مصطفى عبد العظيم، أخصائي علم النفس، أن الشخص الذي لا يراعي حرمة جيرانه ولا يقدرهم هو إنسان يفتقد لأساسيات التعامل الإنساني السوي، والذي يسيء إلى جاره، هو إنسان سيء بطبعه، ولا يؤمن شره على أحد حتى على أفراد عائلته، فالجار هو أقرب الناس إليك، بحكم السكن، ولذلك فمن الطبيعي أن تنشأ بينكما علاقات ودّ واحترام متبادل على أقل تقدير، إذا لم يكن هنالك وقت أو ظروف مناسبة لإنشاء علاقة قريبة جدا. يضيف عبد العظيم: «وفي الموروث العربي بالذات هنالك الكثير من الأمثال التي أكدت على حق الجار ووجوب حسن عشرته، حيث يقال: «من أعلم بحالك، ربك وجارك»، دلالة على عمق العلاقات بين الجيران وقربها بحيث يصبح الجار بعد فترة من الزمن مطلعا على أحوال جاره بكبيرها وصغيرها بحكم العلاقة الخاصة والمقربة، لذلك فمن لا يستطيع أن يتخذ من جاره صديقا فلا بأس المهم أن لا يتخذّ منه عدوا، فربما يأتي يوم ويحتاجه في موقف ما فيكون له سندا وعضدا». أما حسن الصيداوي، إمام مسجد، فيقول إن الإحسان إلى الجار من علامات الإيمان، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من كانَ يُؤمن باللَه وَالْيوم الآخر فَليكرم جارهُ»، وقد جاءت الوصية بالجار في القرآن مع عموم من يوصى بالإحسان إليهم لقوله تعالى: «واعبُدوا الله ولا تُشركوا به شيئاً وَبالوالدين إِحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصَّاحب بالجَنب وابن السبيل وما ملكت أَيمانُكم إن الله لا يحبُّ من كانَ مُختالاً فخوراً». وقد ورد ما يدل على عظم التجاوز على الجار، وإلحاق الأذى به، وأن ذلك من علامات نقص الإيمان، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «واللَّه لا يُؤمنُ واللَّه لا يُؤمن واللَّه لا يُؤمنُ قيل ومن يا رسول اللَّهِ قال الذي لا يأمن جاره بوائقه»، أما كفّ الأذى فهو من دلائل الإيمان، إذ قال صلى الله عليه وسلم «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذِّ جاره». وإذا وقع على المسلم من جاره أذى فالواجب أن يصبر عليه ويحتمل أذاه، مع الدعاء له بالهداية والصلاح، ونصيحته باللطف إذا أمكن، مع تذكيره بحق الجار وترغيبه بكف الأذى وتقديم الإحسان، وإذا لم يجد كلّ ذلك نفعا فيمكن اللجوء إلى أحد الوسطاء أو الوجهاء ليصلحوا فيما بين الطرفين ويذكروه بحق الجار على الجار.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©