الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العرب في مرمى النيران.. بين الغرب وإيران

7 ابريل 2015 21:48
لا أظن أن أحداً يمكن أن يكون ساذجاً إلى حد التصديق بأنّ الاتفاق النووي الغربي الإيراني كان مفاجئاً أو أنه اقتصر فقط على الملف النووي الإيراني الذي أراه ملفاً مزعوماً أو أراه غطاء لبناء تحالف إيراني غربي جديد أو هو ورقة لعب على طاولة تطبيع العلاقات الغربية الإيرانية. فملف إيران النووي يشبه تماماً ملف العراق النووي والكيماوي في عهد صدام حسين وملف ليبيا النووي في عهد القذافي. كلها ملفات مزعومة ومفبركة وعنوان ظاهر لتفاصيل سرية أو اتفاقيات وتحالفات مكتوبة بالحبر السري أو ذرائع للغزو والاحتلال. والملاحظ بطول المفاوضات وعرضها أن العنوان كان «منع إيران من امتلاك سلاح نووي»، أي أن السلاح النووي في ملف المفاوضات مفترض وليس حقيقياً. والحقيقي في المفاوضات هو التطبيع وبناء التحالفات والصفقات التي كانت ظاهرة بقوة على الأرض وأهم الصفقات على الإطلاق هي إطلاق يد إيران في المنطقة العربية وهو أمر لا يستحق شرحاً كثيراً والذي يملك بعض الوعي يدركه تماماً. والأعمى يراه بقوّة، فإطلاق يد إيران في المنطقة أكبر ثمار المفاوضات الطويلة بين طهران والغرب، والمكتوب في الاتفاق النووي الإيراني الغربي لا قيمة له. لكن المشطوب أو غير المكتوب هو الأهم والأخطر، فالاتفاق النووي مكتوب، لكن اتفاق الصفقات والتحالفات اتفاق (جنتلمان). والاتفاق النووي بين إيران والغرب انتهى واكتمل منذ بدأت المفاوضات وتم التوصل إليه من أول جلسة، لكن المفاوضات الماراثونية الطويلة والمتنقلة من مكان إلى آخر ومن عاصمة إلى أخرى حتى عقدت في ثلاث عشرة مدينة كانت لبناء التحالفات وصياغة التطبيع، لأن الصفقات لابد من طهوها على نار هادئة. وليس صحيحاً أن الاتفاق النووي سوف يطلق يد إيران في المنطقة لأن يد طهران أطلقت منذ وقت طويل. فالأخطبوط الإيراني يعمل بأذرع عربية وبمباركة غربية واضحة رأيناها ونراها في العراق وفي الحرب ضد «داعش».. لتتحرر مدن العراق الواحدة تلو الأخرى من إرهاب «داعش» وتسقط في إرهاب الحشد الشعبي الذي ليس سراً أن إيران تقوده وتدعمه على الأرض وأن التحالف يدعمه من الجو. يبدو أن قدر العرب أو حظهم العاثر سيجعلهم دائماً يستجيرون من الرمضاء بالنار. ويبدو أيضاً أن العرب سيبقون إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً في منطقة رد الفعل والصدى وفي انتظار مواقف الآخرين منهم مما جعلهم غير محسوبين في أي صفقات أو تحالفات يتم إبرامها. وكل ما في الأمر هو أن يتم إطلاعهم على ما تم في العلن، لكن لا يتم إطلاعهم أبداً على غير المكتوب وما تم إبرامه في الخفاء. ويكفي أن إيران تلعب في المنطقة بأصابع عربية نعرفها جميعاً، وهذه الأصابع ليست بالضرورة شيعية، لأن الحرب الخفية والمعلنة هي حرب فارسية ضد العرب، وليست حرباً سنية شيعية كما تروج لذلك إيران وهو الطعم الذي ابتلعه كثير من العرب. فـ «داعش» في ظاهره سُني و»القاعدة» سنية و»أنصار بيت المقدس» سُنية و»فجر ليبيا» سُنية وكل الجماعات الإرهابية خليط من السنة والشيعة. ومع ذلك فإنها تحظى بدعم إيران وتركيا معاً، أي بدعم من حليفين سُني وهو تركيا وشيعي وهو إيران. وهذا ليس عيب إيران وتركيا، ولا عيب أي قوة إقليمية أو دولية نتهمها نحن العرب بالتآمر علينا، ولكنه عيبنا وبضاعتنا التي ردت إلينا، فالتآمر أيها السادة من حقوق الدول والحروب الاستخبارية عمل مشروع ولا تثريب على أي دولة فيه. والمشكلة ليست في الذين يتآمرون ولكن الكارثة أن جنود المتآمرين وأدواتهم عرب. فالحروب كلها في اليمن وسوريا والعراق وليبيا وفي لبنان أيضاً حروب عربية بالوكالة عن إيران بالتحديد. كما أنها حروب استنزاف إيرانية ضد العرب لأنها حروب مفتوحة لا تبدو لها نهاية. وهناك قسمة أراها قسمة ضيزى، وهي أن إيران تحارب بوكلائها على الأرض - أي تمتلك الأرض العربية وميدان حربها في الأرض - لكن العرب حين يدخلون هذه الحرب يدخلونها في الجو. وميدان الأرض دائم لكن ميدان الجو مؤقت. ولم يحدث أن حقق الجو تقدماً في أي حرب - لكن التقدم دائماً على الأرض. والحرب الحديثة تبدأ من الجو، لكن النصر يتحقق على الأرض. ولم يسأل أحد من العرب نفسه أو سألها وتهّرب: لماذا لم تتعرض إيران لأي عمل إرهابي، بينما المنطقة كلها تعج بالهجمات الإرهابية التي تكاد تكون يومية؟ والجواب واضح كالشمس وهو أن إيران تصدر الإرهاب ولا تستورده وأنها تنتج الإرهاب ولا تستهلكه وأنها لعبت وما زالت تلعب بورقة العداء لإسرائيل مما أعطى ذريعة شعبية في الدول العربية للتعاطف مع أذرعها الإرهابية في المنطقة .. واستطاعت إيران من خلال رعايتها للإرهاب وعدم تعرضها له اقناع الغرب بأنها الدولة الوحيدة المستقرة في منطقة كل دولها تعيش على رمال متحركة وأن التحالف معها هو المضمون والذي يمكن أن يكون دائماً. وأن مصالح الغرب لن تكون في أمان إلا بالتحالف مع إيران. أما الدول العربية كما ترى إيران وأقنعت بذلك الغرب فإنها هشة ومتهالكة وغارقة في التطرف والإرهاب، وأن مصالح الغرب في هذه الدول معرضة للخطر في كل وقت. كل هذا وغيره دار في مفاوضات الملف النووي الإيراني الطويلة. أما الملف النووي ذاته فهو مجرد عنوان وشعار للمفاوضات وتحت هذا العنوان شيء آخر مختلف تماماً. وحكاية السلاح النووي وامتلاكه مجرد فزاعة إيرانية غربية للعرب. وقد تم تسويق التحالف الغربي الإيراني بشعار منع إيران من امتلاك سلاح نووي لضمان أمن واستقرار المنطقة - وهو شعار (كاذب بالتأكيد لأن امتلاك السلاح النووي لم يكن يوماً تهديداً لاستقرار أي منطقة في العالم ولأن عدم امتلاك السلاح النووي لم يكن يوماً ضماناً لاستقرار وأمن المنطقة أو أي منطقة، فإسرائيل تمتلك سلاحاً نووياً ولم يكن سلاحها النووي يوماً ما في رؤوسنا ونحن نؤكد أنها تزعزع استقرار المنطقة وتبتلع فلسطين قطعة قطعة حتى لم يعد هناك أرض يمكن التفاوض بشأنها. وباكستان تمتلك سلاحاً نووياً ولم يخطر ببال أحد أنها تهدد استقرار المنطقة والعالم .. فالسلاح النووي تهديد لمن يمتلكه تماماً كما هو تهديد لمن يوجه إليه والعالم الآن أو بعض دوله تمتلك أسلحة نووية لكنها بالتأكيد لن تستخدمها .. والتهديد الإيراني للمنطقة لا علاقة له بامتلاكها أو عدم امتلاكها سلاحاً نووياً ولكن له علاقة وثيقة بالتمدد في هذه المنطقة وإنتاج ورعاية الإرهاب الذي هو أشد دماراً من السلاح النووي. وهكذا فإن مفاوضات الملف النووي الإيراني أو هذا الاتفاق النووي الإيراني الغربي لن يضمن استقرار المنطقة بل سيزيدها حرائق عندما تصبح إيران حرة طليقة بلا عقوبات وعندما تصبح حليفاً أثيراً واستراتيجياً للغرب. وعندئذ لن تكون المشكلة أبداً مشكلة السلاح النووي، بل هي دائماً مشكلة النيران التي يشعلها الجيران في المنطقة. بينما الغرب سيكتفي كعادته بأنه يشعر بالقلق ويراقب عن كثب. وانتهى الدرس يا عرب، فقد أصبحنا في مرمى النيران بين الغرب وإيران! محمد أبوكريشة *كاتب صحفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©