الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مواثيق الرجال

مواثيق الرجال
10 يونيو 2010 21:04
لعل من علامات الرجولة في الإنسان أن يكون صادق الوعد، واقفاً عند حدود كلماته، ملتزماً بما ورد في مفرداتها، فالإنسان الحق هو الذي يجعل من كلمته قانوناً مرعي الجانب، واثق العرى. ورجولة المسلم في ذلك قبل أن تعود إلى إنسانية الإنسان مأخوذة من رجولة سيد الرجال محمد- صلى الله عليه وسلم- فقد كان- صلى الله عليه وسلم- يقدس الكلمة التي يقولها، ملتزماً بعهده وميثاقه، فقد روى أبو داوود عن عبد الله بن أبى الحمساء قال «بايعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ببيع قبل أن يُبعث، فبقيت له بقية، فوعدته أن آتيه بها في مكانه، فنسيت، ثم ذكرت بعد ثلاثة، فجئت، فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم في مكانه فقال: يا فتى لقد شققت عليّ ، أنا هنا منذ ثلاثة انتظرك». ومن النبي صلى الله عليه وسلم سرت روح الصدق والوفاء بالعهد والميثاق في نفوس أصحابه حتى بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - ففي ليلة الهجرة اقتفى سراقة بن مالك أثر النبي، حتى أدركه، فعرض عليه النبي أن يرجع واعداً إياه بسوار كسرى، وتمر الأيام ويموت النبي صلى الله عليه وسلم ثم تأتي خلافة عمر فيفتح الله على المسلمين بلاد فارس وتأتي غنائم كسرى، ويتذكر عمر بن الخطاب ما وعد به النبي سراقة بن مالك فيبحث عنه ويحضره بين يديه، ويلبسه سواري كسرى إبراراً بوعد رسول الله له ليلة الهجرة. ويرى الإمام البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم- قد وعد جابر بن عبد الله بعطاء من مال البحرين إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم عاجلته المنية قبل الوفاء بالوعد، ثم يخلفه الصديق فيأتيه مال البحرين فيطلق الصديق منادياً للناس فيقول: ألا من كان له على رسول الله عدة أو دين فليأتينا. وهكذا توزن كلمات الرجال فلا تذهب هباء مع لغو الحديث وفضلة الكلام، وما ذلك إلا لأن الصدق في مجمله فضيلة حض الإسلام عليها، وأمر المؤمنين أن يتخلقوا بها، يقول سبحانه « أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ» التوبة 119 . وجعل الصدق محلاً للسؤال والجزاء في الآخرة، يقول سبحانه«لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ» الأحزاب 8. يقول سبحانه «هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا» المائدة 119. بل إن الحق سبحانه جعل الصدق صفة له ولأنبيائه فقال تعالى «ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ» الأنعام 146. وقال في حق إسماعيل عليه السلام» وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولا نَّبِيًّا» مريم 54 . ويحث النبي- صلى الله عليه وسلم- على الوفاء بالوعد والتزام الصدق، فيروي الإمام البخاري أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال «عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب، ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا». وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما عمل الجنة ؟ قال: الصدق، إذا صدق العبد بر ، وإذا بر آمن ، وإذا آمن دخل الجنة . قال يا رسول الله وما عمل النار ؟ قال الكذب، إذا كذب العبد فجر، وإذا فجر كفر، وإذا كفر دخل النار. وأخرج أبو داوود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثاً، وهو لك به مصدق، وأنت له به كاذب» . وهكذا حث الإسلام على الصدق، بل جعل القول الصادق هو المدخل إلى العمل الصادق المقترن بالإخلاص، والمؤسس على اليقين، وما ذلك إلا لأن نجاح الأمم وحفر منجزاتها في ذاكرة التاريخ إنما يعود إلى جملة ما يقدمه بَنُوها من أعمال صادقة. د. محمد عبدالرحيم البيومي أستاذ بكلية الشريعة والقانون بجامعة الإمارات
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©