الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الانتخابات الأفغانية وصعوبة المهمة

24 أكتوبر 2009 23:22
جرت العادة أن يسعى السياسيون إلى التقاط الصور، ولذا لم يكن الأمر غريباً عندما ظهر السيناتور جون كيري إلى جانب الرئيس الأفغاني كرزاي، وهو يعلن موافقته على إجراء جولة ثانية من الانتخابات، لأن "كيري" في النهاية كان يقوم فقط بما تعود عليه السياسيون، وخاصة أنه ذهب أصلا إلى كابول لاستكمال جهود إدارة أوباما في الضغط على كرزاي لإقناعه بتنظيم جولة انتخابات رئاسية ثانية بالنظر إلى القرائن المتوافرة على تزوير الاقتراع السابق الذي عقد خلال شهر أغسطس الماضي. فعندما أعلن كرزاي فوزه في الانتخابات تعالت أصوات الاحتجاج من منافسه "عبدالله عبدالله"، ومعه تعاظمت الانتقادات الدولية، لتبدو الحكومة الأفغانية الفاقدة للفعالية والكفاءة بعيدة عن استكمال بعض مقومات شرعية ممارسة الحكم. والحقيقة أن هذا السياق الحرج والدقيق الذي جاء فيه التقاط كيري للصور إلى جانب كرزاي يبدو إشكالياً وحافلا بالدلالات، فإدارة أوباما تعلم جيداً أن القوة العسكرية مهما بلغت شدتها لن تكون بديلا عن حكومة أفغانية تتمتع بحد أدنى من الفعالية وتحظى بثقة الشعب وبنوع من الاستقلال في اتخاذ قراراتها، وهو الأمر نفسه الذي تدركه "طالبان" ما يدفعها بالإضافة إلى شن الهجمات على القوات الأميركية وإطلاق التفجيرات الانتحارية إلى تصوير الأميركيين كمحتلين وإظهار كرزاي على أنه دمية تحركها أميركا، ولذا تأتي صورة كيري الذي يبلغ طوله ستة أقدام وإلى جانبه الرئيس الأفغاني بقامته غير الطويلة، والذي يعرف الجميع مدى الضغط الذي وقع عليه للتنازل وتنظيم جولة انتخابات ثانية، لتعزز حملة العلاقات العامة التي تقوم بها "طالبان". ولأنه من الصعب تصور كيري وهو ينخرط في كل هذه المساعي والجهود الدبلوماسية من تلقاء نفسه ودون تنسيق واضح مع البيت الأبيض، أو وزارة الخارجية، فإننا نستغرب كيف أن الإدارة الأميركية لم تفكر في تداعيات ظهور كيري بقامته الفارعة إلى جانب الرئيس الأفغاني الأقصر منه، ومع أن الصورة تبدو وكأنها نجاح دبلوماسي حققته الولايات المتحدة بعد إقناع كرزاي وجعله يقبل بجولة ثانية، إلا أن هذا التنازل يفتح المجال أمام مشاكل أخرى. فقد اتُفق على إجراء الجولة الثانية في السابع من شهر نوفمبر المقبل وهو موعد يحل بعد أقل من ثلاثة أسابيع من الآن، ومن الصعب أن نتخيل أن الحكومة الأفغانية الحالية، حتى لو تحلت بالنزاهة والشفافية، قادرة على تنظيم الانتخابات في هذا الموعد. والحال أن حكومة كرزاي تعاني من الفساد وانعدام الكفاءة، بحيث تعني الصفة الأولى أن النزوع الذي دفع إلى تزوير الانتخابات في الدورة الأولى قد يغري البعض بسرقة الأصوات في الدورة الثانية. ولتفادي التجاوزات قد يقترح البعض تشديد المراقبة، لكن كيف يمكن القيام بذلك في ظل العنف المتفشي في البلاد وصعوبة إرسال المراقبين غير الأفغان إلى المناطق النائية والبعيدة. أما فيما يتعلق بالصفة الأخرى والمتمثلة في انعدام الكفاءة فتتجلى في اقتصار سيطرة الحكومة على مناطق محدودة من البلاد وبقاء أجزاء كبيرة خارج سلطتها وتحت تصرف "طالبان"، ثم هناك تحدي إقناع الناخبين الأفغان بالتوجه إلى صناديق الاقتراع والإدلاء بأصواتهم في ظل التهديد الذي يتعرضون له من قبل "طالبان" بعدما عجزت القوات الأميركية والأفغانية عن وقف تمدد "طالبان" ووضع حد لهجماتها المتزايدة الشيء الذي يفسر مطالبة الجنرال "ستانلي ماكريستال" بإرسال 40 ألف جندي إضافي إلى أفغانستان. ولكن ماذا لو جرت انتخابات حرة ونزيهة وانتهت بفوز عبدالله عبدالله؟ لاشك أن هـذه النتيجة ستحرج حكومة كرزاي وستضطرها للخروج من السلطة، ولكنها في الوقت نفسه قد توقظ مشاكل قديمة وتعطيها أبعاداً خطيرة، فمن المعروف أن عبدالله عبدالله ينتمي إلى أقلية الطاجيك وليست خافية الصراعات القديمة والمستمرة بين العرقيات المختلفة في أفغانستان مثل البشتون والطاجيك والأوزبك والهزارة، كما أنه من الصعب على البشتون الذين هيمنوا على الحياة السياسية في البلاد التخلي بسهولة عن الحكم لصالح الأقليات الأخرى، وهو ما ينذر بتفجر الصراع الأهلي في البلاد. وبالنسبة لإدارة أوباما التي تشعر بالحرج كلما وجهت إليها انتقادات بالتورط في عملية إعادة الإعمار في أفغانستان فإن عليها أن تدرك بأنها فعلا منخرطة في إعادة الإعمار، وعلى رغم إظهار البيت الأبيض للتطور الأخير في السياسة الأفغانية وموافقة الأطراف على تنظيم جولة ثانية للانتخابات على أنها نجاح دبلوماسي تبقى المهمة صعبة وقائمة بقوة. أستاذ العلوم السياسية بجامعة ليهاي الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©