الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشباب العربي تحت ضغط الثالوث المحرم

الشباب العربي تحت ضغط الثالوث المحرم
16 أغسطس 2008 00:40
ربما يميل كثيرون إلى الاعتقاد بأن افتقاد، أو محدودية، الوسائل التقنية لدى شباب البلدان العربية بشكل عام، هو السبب الرئيس في سلبية دور الشباب العربي وضعفه، إلا أن هذا الفهم تضعف أسسه حين نرى أن في هذه المنطقة أو تلك من البلدان العربية تتوافر التكنولوجيا الحديثة وبمتناول شريحة لا بأس بها من الشباب، ومع ذلك فالمردود في أداء الشباب من ممتلكي تلك الوسائل، لا يختلف عموماً عن نظيره في أي مكان آخر من العالم العربي· الأمر، في الواقع، أعمق من محض توافر وسائل تكنولوجية، بل يمكن أن نختصره بوجود خلل بنيوي في المجتمعات العربية، وهو خلل لا مسؤولية فيه للشباب، بل منشؤه تربوي، اجتماعي، ثقافي، وسياسي· القضية ليست امتلاك أو عدم توافر المقدرة التقنية، بقدر ما هي قضية افتقار إلى العيش بمقومات وشروط متناسبة وعالم اليوم بالدرجة الأولى، على الصعيدين الاجتماعي والسياسي· وعلى العموم، فهي عوامل مترابطة ببعضها البعض، وتلعب دوراً حاسماً في تربية الأفراد وتشجيع رواح المبادرة· وللخروج من الواقع السلبي للشباب العربي، بالتوازي مع تأمين الوسائل العلمية والمختبرات والحواسيب والمكتبات··· إلخ، يجب مراعاة حاجات الإنسان الاجتماعية، السياسية، والنفسية· لو وضعنا جانباً المشكلات العامة كما تعكسها التقارير الرسمية لجامعة الدول العربية مثلاً، والتي تركز على البطالة والفقر··· إلخ، وكذلك التفاوت في تفاصيل وطبيعة وحجم المشاكل بين بلد وآخر، لوجدنا أن المشكلة الأساسية في العالم العربي هي مشكلة بناء الإنسان· على عكس ما يجري في العالم المتقدم، والساعي نحو التقدم، حيث تجهد المؤسسات المسؤولة نفسها، بدءاً من المؤسسة الصغيرة (الأسرة) ومروراً بمؤسسات الدولة التعليمية كـ(المدرسة والجامعة)، لتنشئة الفرد بشكل يخوّله ليس فقط استخدام وتنمية مواهبه بل أيضاً امتلاك روح المبادرة عبر التشجيع على البحث··· نجد في عالمنا كل ما من شأنه تحديد وتحجيم وشل الفرد وقدراته في مرحلة التنشئة كما في مرحلة الشباب· ناهيك عن معوقات الترهل البيروقراطي التي تعترضه· وهكذا يخضع الشباب العربي، ضمن الأجواء المحيطة به للضغوط الناتجة عن التعامل مع مسائل ما يسمى بـ''الثالوث المحرّم''، أي الجنس والدين والسياسة، وهي في غاية الحساسية في المجتمعات العربية· بخلاف ما يجري في العالم، حيث يُشجَّع الفرد على البحث وتقصي المعلومة وتفحصها ومحاكمتها، فإن الفرد في العالم العربي محشور بشكل قسري ومنذ مراحل مبكرة من عمره، بجو يقيّد حركته ويشل قدرته على المبادرة، وفي مراحل لاحقة من سن الشباب، يجد الفرد نفسه مضطراً لحصر حركته ضمن خطوط مرسومة وفقاً لمقاييس ومعايير وقواميس ونواميس المجتمع والواقع السياسي والثقافي المحيط به· في العالم العربي، نجد أن دور المعلم في المدرسة والأستاذ الجامعي، هو تلقيني أكثر منه إرشادي وتشجيعي من حيث توجيه التلامذة والطلاب وحضهم على البحث ورؤية كل شيء وفقاً لمداركهم، وجعلهم يحاكمون المعلومات، وإكسابهم القدرة على النقاش مع الآخرين· هذا مع العلم أن هناك بعض الأقسام في جامعات العالم (في العلوم الإنسانية خاصة) تختار طلابها ممن يمكن تصنيفهم بالمشاكسين دراسياً، وهم أولئك الذين يركزون دائماً على إيجاد الفجوات في مدى صلاحية هذه الفكرة أو ذاك المفهوم، وتبويب الثغرات والعيوب بدلاً من القبول بالأفكار كما هي واعتبارها حقائق مطلقة· وبشكل عام، فإن إضافة إلى الشكل الديمقراطي في التعاطي مع المسألة، يدل سلوك طاقم إعداد الأجيال في بلدان العالم المتقدمة وتربيتهم لتمكينها من المشاركة في تطوير مجتمعاتها··· على درجة عالية من النضج· والمعنى الأساسي في ثقافة وتكوين أولئك الأفراد، أنه لا مفهوم، ولا أفكار، ولا معلومات علمية··· هي مطلقة من حيث صلاحيتها وسريان مفعولها، وإنما جميعها قابلة للتطوير، وتخضع لشروط ومعايير الزمان والمكان دون أن يكون هناك تبجح بمقدرة المعلم أو الأستاذ الجامعي· ربما يجنح البعض إلى القول إن مساهمة الشباب في أخذ دور مهم في بناء مجتمعاتهم تقتصر على إيجاد فرص عمل، مع وضع اقتصادي جيد، إلا أن هذا القول يفتقر إلى الدقة؛ لأن حاجات إنسان اليوم لا تتوقــف عند الوضــع الاقتصادي، وإنمــا تتعدى ذلك لتشمل الجانب السياسي والاجتماعي والنفسي، فالاستبداد أكبر عدو للإبداع، والقيود الاجتماعية هي السجن المباشر لإمكانات الشباب· ومرة أخرى نشير إلى أن مشاكل الشباب العربي تتلخص في التناقض بين ما هو مسموح ومتاح له اجتماعياً وسياسياً وبين ما يحتاجه بشكل فعلي كإنسان يعيش في عالم اليوم· الشباب العربي يُدفع إلى زاوية ليصبح بها ليس فقط غير قادر على مواكبة ما يجري في عالم دائم التقدم والتطور، بل أيضاً غير قادر على فهم أو تفهم ما يجري في العالم، فيتخندق بموقع يعزو منه جميع مشاكله إلى عوامل خارجية، ويعتبر فيه أن العالم يتآمر عليه ويهدف إلى محو هويته أو يريد إزالته من الوجود! ولن يكون أمامه إلا التزمت كنوع من إثبات الوجود، لأنه عاجز عن ذلك معرفياً وتقنياً· ويبدو أن الشباب العربي، وهذا ليس سراً، ماض في سيره باتجاه فقد الصلة بواقع عالم اليوم، وربما ستكون الصورة أكثر مأساوية في المستقبل -إذ لم يعرف الشباب العربي عما يتكلم الغرب- ما لم يعد النظر بالوضع الاجتماعي والسياسي للشباب جنباً إلى جنب مع الوضع الاقتصادي· أكرم شلغين كاتب سوري مقيم في ألمانيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة مصباح الحرية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©