الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأولمبياد··· وجشع التسويق

الأولمبياد··· وجشع التسويق
16 أغسطس 2008 00:41
''عالم واحد··· حلم واحد''، ذلك هو الشعار الذي اختارته اللجنة الصينية المنظمة لأولمبياد بكين· ولكن حذار من أن تخدعك هذه المثاليات· فتحت سطح ضجيج الشعارات المثالية هذه، يمكنك سماع أزيز المحركين الرئيسيين للأولمبيادات الحديثة كافة: النزعة الوطنية، والتنافس الرأسمالي· وأثناء وجودي في الصين الأسبوع الماضي، لاحظت أن الإعلام الصيني يرقص الرقصة نفسها التي يؤديها الإعلام الأميركي· فهناك أيضاً يسوّق الإعلام الصيني الحديث المجاني عن المُثل الأولمبية، من شاكلة أن المنافسات الأولمبية تمثل لحظة تضع فيها البشرية جانباً صراعاتها ونزاعاتها السياسية، لتحتفي بشبابها ومواهبها وتخوض التنافس الأولمبي الشريف بين أممها· لكن وفي الوجه الآخر من الرسالة الإعلامية المثالية هذه، تتأكد بقوة صور العداءين الصينيين ياو مينج وليو خيانج· كما لا يخفى في الرسالة الإعلامية الصينية مغزاها الرئيسي الذي يربط الأولمبياد بأمل أن يكون لها تأثير واضح على النمو الاقتصادي الصيني· ومهما فعل إعلام بكين، فإنه من المستحيل عليه أن يخفي ذلك الازدواج القوي بين النزعة الوطنية والتنافس الرأسمالي الذي يطغى بقوة على مجمل بثه الإعلاني· ومن ناحيتها، لم تجد الشركات الاستثمارية الغربية حرجاً من الدفع بهذه النزعة الوطنية الصينية الطاغية على الأولمبياد، حرصاً منها على الدفع بمنتجاتها إلى السوق والمستهلكين· فعلى سبيل المثال أطلقت سلسلة مطاعم ''ماكدونالدز'' إعلاناً تلفزيونياً يقول ''تحية للصين''، بينما طلت شركة ''بيبسي'' علب مشروباتها الغازية باللون الأحمر تحت شعار حملتها المعلنة ''اللون الأحمر لأجل الصين''· إلى ذلك ابتكرت شركة ''نايك'' للملبوسات الرياضية، مجموعة من الملبوسات التي تظهر تفوق لاعبي القوى الصينيين على غيرهم من المتنافسين من شتى أنحاء العالم· وهكذا اكتسب شعار ''نحن العالم'' المثالي أبعاداً جد متباينة ومختلفة! وأرجو ألا يساء فهمي؛ لأنه ليس من قصـــدي أن أسيئ إلى أحــــد· والدليــــل أنني لا أزال أحتفظ بذكريات شخصية عزيزة عليّ من صيف عام ،1984 الذي نظمت فيه الأولمبياد في لوس أنجلوس· وعندها لم أجد حرجاً في استثمار المشاعر الوطنية الأميركية العارمة التي طغت على الأولمبياد، فنشطتُ وتعلمت كثيراً من بيع الأعلام الأميركية خارج مبنى الكلوزيوم التذكاري· ولم أفعل ذلك بصفتي بائعاً جوالاً مرخصاً يعمل تحت إشراف اللجنة الأولمبية الأميركية· كما لم أحصد الدولارات التي حصلت عليها، على طريقة ما تفعله الآن شركة ''نايك'' في الصين· بل كان ذلك الصيف، العطلة الفاصلة بالنسبة لي بين المدرسة الثانوية العامة والجامعة التي كنت على وشك الالتحاق بها· وقد فعلت ما فعلت بصفتي مقاولاً مستقلاً يتلقى دروسه الأولية عن الرأسمالية على طريقته الخاصة· وكان لشقيقي زميل دراسة في الكلية، تمكن من شراء كمية كبيرة من الأعلام عبر مبيعات الجملة· ولكي يضمن تسويق تلك الكمية، استأجر عدداً من البائعين الصغار المتعطشين للمال مثلي، وكلفهم ببيعها وتوزيعها شريطة أن يكون عائده من كل واحد من الأعلام دولاراً واحداً، بينما اقترح بيع العلم الواحد بدولارين· وبدت الفكرة مغرية جداً بالنسبة لي نظراً لوجود الآلاف من الأعلام، مما يعني آلاف الدولارات بالنسبة لي كلما بعتُ أكثر· ولكن كان ذلك الإغراء سابقاً لمعرفتي اللاحقة بمخاطر مزاولة التجارة الجوالة غير المرخصة، وقبل علمي كذلك بسلوكيات الزبائن· وفي البدء شرعت في عرض الأعلام على المارة عبر مبنى جامعة كاليفورنيا الجنوبية في طريقهم إلى مبنى الكلوزيوم التذكاري· وحين طلب مني الحرس الجامعي الابتعاد عن مبنى الجامعة، التزمت طريق المشاة الجانبي· غير أن الشرطة طلبت مني الابتعاد عن ذلك الطريق فعدت أدراجي مرة أخرى إلى قرب المبنى الجامعي· وقد نجحت تلك الخطة على أحسن ما يكون، شريطة ألا يتزامن وجود الشرطة والحرس الجامعي في وقت واحد، وهو ما حدث في نهاية الأمر للأسف· وبعد أن هددني ضابط من شرطة لوس أنجلوس باعتقالي في حال تحذيري للمرة الثانية، اضطررت إلى مغادرة ذلك الموقع، حيث ذهبت إلى ساحة معرض ''بوليفارد''، حيث كان الطقس أشد قسوة· والأسوأ من ذلك أنه كان عليّ التعامل مباشرة مع الحرس الأمني الفظ لمبنى الكلوزيوم· ومن حسن الحظ أنهم كانوا يرتدون الملابس الصفراء الفوسفورية المشعة التي تجعلك تراهم من مسافة بعيدة فتتفاداهم على الفور· وبعد مطاردتهم لي أكثر من مرة، وتمكنهم من إبعادي من المبنى، تأكد لي أن فرصي في البيع قد تضاءلت كثيراً· ثم خطرت لي فكرة أثناء تلك المطاردات، إذ رأيت بعض المارة وهم يحملون أعلاماً بلاستيكية خرجوا بها من المبنى، وتأكدت من أن سعرها كان ضعف سعر الأعلام القماشية الحقيقية التي كنت أهم بتسويقها، مع العلم أنها كانت أرخص بكثير من سعر تلك الأعلام الزائفة· فكان ذلك الاكتشاف إغراءً أقوى لي للتسلل إلى داخل المبنى بغرض تسويق أعلامي هناك· وهذا ما فعلته وسرعان ما شرعت في محاولة إقناع زبائني المحتملين بشراء الأعلام التي أعرضها، وكنت قد رفعت سعر العلم الواحد إلى 4 دولارات كاملة بدلاً من دولارين· والذي حدث أن حلمي لم يتحقق ولم أتمكن من بيع ما كنت أطمح إليه، على رغم طرافة المغامرة وإيجابيتها في نهاية الأمر· وبالطبع تتضاءل ذكرياتي التسويقية الأولمبية تلك كثيراً في مواجهة ما يجري تحت سطح صور البطولات الأولمبية وميدالياتها الذهبية الآن، من تنافس شرس بين الشركات والاستثمارات من أجل جني المزيد والمزيد من الأرباح· جريجوري رودريجيز مدير برنامج زمالة كاليفورنيا بمؤسسة نيو أميركا ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©