الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإنسانية والهوية: بين التطور والاستعداء

12 يناير 2014 21:18
تشكل بعض المفردات والمفاهيم (والمصطلحات)، مثل الإنسانية، والوطنية والقومية وما شابه، أدوات حاسمة لإنجاح التفاهم والتواصل، على صعيد الأفراد أو المجتمعات. كما أن غياب تعريفات موحّدة متقاربة لهذه المفردات والمفاهيم يمكن أن يحبط أي عمليات تفاهم واتصال. مثل هذه الكلمات والمُسميات، تحتمل الكثير من الغموض، ويمكن أن تشوّش الذهن رغم شيوعها وانتشارها الواسع والمزمن، وتكرارها اليومي عبر وسائل الإعلام وغيرها. ويمكن لها، إن كثرت، أن تزعزع الانسجام في الجماعات والمجتمعات وتأخذها إلى درجة العداء أحياناً. الواقع، وعلى قاعدة الإنسان عدو ما يجهل، يُمكن لكثير من الجماعات أن تستعدي جماعات أخرى بسبب جهل حقيقة معاني بعض الكلمات أو توصيف بعض الحالات. ولو دوّرنا حولنا لوجدنا أن سوء الفهم والاستيعاب لكثير من المفاهيم التي تتعلق بهويتنا وكياناتنا، له انعكاس يتصل مباشرة بعدة أزمات دائرة فيما بيننا واختناقات تشهدها بعض دولنا.. هذا عدا عن علاقاتنا مع العالم قاطبة. أما الحلّ فهو على القاعدة نفسها، إذ يمكن للإنسان أن يصبح صديق ما يعرف. ولنأخذ الأمثلة نفسها: - البعض يفهم ويظنّ سوءاً بالهوية الإنسانية والدعوة لها، انطلاقاً من حجج أيديولويجية (معادية للإمبريالية مثلاً)، أو الاعتقاد بمؤامرات تحاك ضد خصوصيات وثقافات ومصالح الشعوب (المُستضعفة). لكن هذه الهوية في نشأتها، وما يجب أن تكون عليه، ليست هروباً ولا بديلاً عن أي عقيدة أو دين أو مذهب أو عروبة، أو قومية أو عِرق أو وطنية، أو أي خصوصية حضارية أخرى. الهوية الإنسانية قابلة لحضانة كل هذه جميعها، وأخذ كل خصوصية أو هوية جزئية إلى فضاءات وآفاق عالمية، وكونية، ودمجها في سياق الفهم العميق (كما أراه بأبعاده الثلاثة: التطوّر في الزمن، والتطور في الجغرافيا، والتطور في الفضاء- الكون). - من الأمثلة كذلك الهوية الوطنية والقومية. فهذه أو تلك ليست عقيدة أو أيديولوجيا بذاتها، بقدر ما هما إطار طبيعي ينسجم مع اعتبارات المكان والتاريخ، إنها تماماً مثل الانتماء الطبيعي للأسرة والعائلة والحي والقبيلة ولكن على نطاق أوسع، وأكثر نضجاً. نطاق يمكن أن يكون بتوجهات أيديولوجية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. كذلك يمكن أن يكون إطاراً انطوائياً عدائياً للغاية، أو نموذجاً إنسانياً وضّاءً. وفي ضوء ذلك، لا يمكن للإنسانية أن تكون معادية للهوية العربية ولا الهوية القطرية الوطنية لأي دولة عربية إلا إذا أراد البعض ذلك. ولا يمكن أن تكون الإنسانية ولا القومية ولا الوطنية معادية للإسلام أو غيره من الأديان والعقائد. إلاّ إذا أراد البعض باسم هذا الدين أو ذاك مثل هذا الاستعداء. إنه استعداء يرتكز على تفكير عدائي، يبدأ به أصحابه على مستوى إنساني ونزولاً، يمرّ بمعارك بين أبناء الهوية القومية والوطنية، وينتهي بالعداء والإلغاء بين أبناء الدرب الواحد. وهكذا، وكل مرة كان هؤلاء يأخذون الأمة إلى الهزيمة. أما ذوو المنحى الإنساني المتطوّر، فهم الذين يحققون العمران، ولهم تُكتب الحياة، وربما ما بعدها. barragdr@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©