الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

وعاء الدنيا

11 ابريل 2011 22:23
الدنيا وعاء كبير، تختلط فيه الألوان والأشكال والأصوات والأذواق والأخلاق ويبحر الإنسان في خضم كل ذلك على مدى حياته طالت أم قصرت. ولكي يحيا الإنسان الفترة المقدورة له في هذه الدنيا بشكل مسالم ومتصالح وواعٍ وبشكل لا يجعله ينكمش على ذاته أو يتمدد إلى ذوات الآخرين عليه أن يمتلك القدرة على التمييز ويحتفظ بالقدرة على الدهشة، في الأولى يضمن نضوجه وفي الثانية يحتفظ بطفولته. النضج يجعله مسؤولاً والطفولة تجعله سعيداً. من المهم أن يكون مسؤولاً لأجل الآخرين و سعيداً لأجل نفسه. و لتحقيق هذه المعادلة يجب أن تتوفر للإنسان احتياجات أساسية دونها تختل الموازين ويختلط كل ما في الوعاء لينتج فضاء متصادماً صادماً ومليئاً بالشظايا القابلة لأن تؤذي العين وتجرح القلب فتمر حياة المرء دامية بالأسى. يحتاج الإنسان لكي يشعر بأنه إنسان أن يمتلك القدرة على تفعيل حواسه الخمس، مع القلب والفكر. ولكي يستطيع ذلك لابد أن يرى الحياة كما هي لا كما يراد لها أن تكون. فوعاء الدنيا دوماً يموج، والطبيعي أن يظل الإنسان متيقظاً لكل ما يموج فيه. جرب الناس على مدى التاريخ وسائل عدة لصياغة علاقة الفرد بالحياة، وفي كل منها كان الإنسان يحاول تحديد موقعه وإبراز ملامحه الخاصة، حسب ما يقوده فكره وإحساسه ووعيه هو، هو بالذات، ليس هو كما مع المجموع، أو هو كما أنت، بل هو على وجه الخصوص، فهو مسؤول، وحر، ويريد أن يكون سعيداً. لذلك يحتاج الإنسان عندما تشرق الشمس أن يشعر بها بشكل ملائم فلا يقترب كثيراً وتحرقه، ولا يبتعد كثيراً فتتجمد مفاصله، وهو وحده من يستطيع تحديد قدرة تحمله واحتياجه. وحين يأتي المساء يحتاج أن يتمتع بمنظر القمر، ووحده من يستطيع تحديد زاوية رؤيته فلا يكون منخفضاً جداً فيطبق عليه الظلام ولا مرتفعاً جداً فينسى من أين جاء. والإنسان يحتاج أن يستوعب معنى اللون الأخضر في الشجر والأصفر في الرمال وكيف أن كل ذلك رتوش لنفس الصورة، ويحتاج أن يدرك عبقرية عصفور يغرد على غصن ويتقافز على طريق ثم وقتما شاء يطير. الإنسان يحتاج إن يكون محاطاً دوماً بكل ذلك وقادراً على تقدير ذلك ليشعر بأنه إنسان وبأنه حر، وبأنه يحيا. لا يمكن أن تقصيه في زاوية واحدة فقط فلا يرى سوى شمس حارقة، أو ظلام دامس، أو تضعه في قعر الوعاء قريباً جداً من الثرى حتى لا يميز هويته فيظن نفسه حيواناً زاحفاً. لا يمكن أن تحدد للإنسان زاوية وقوفه وزاوية رؤيته ولون ذائقته لأن ذلك يعطيه صورة مغلوطة عن هويته، فيظن أنه حجر شطرنج وينسى أن له قدمين كان يمكن أن تقوداه للنجاة قبل أن تقول كش ملك مات. Mariam_alsaedi@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©