الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عذابات مراهقي الثمانينيات

عذابات مراهقي الثمانينيات
25 أكتوبر 2009 23:11
في القرن القادم، سيضع المراهق رجلاً على رجل ويستحضر في باله أي فتاة في العالم، فتشعر هي به، فيتواصلان في عالم التخاطر عن بُعد، وهو عالم ما بعد الإنترنت وما بعد النانو، وربما ينجبان الأطفال بالذبذبات بعد عقد قرانهما عقلياًً. ولأنَّ الحضارة أو التخلف عملان تراكميان، كل جيل يرث تقدم أو تقهقر سلفه، فيضيف إليه أو يتأخر أكثر، فعلى صعاليك القرن القادم أن يعلموا كيف تعبنا للفت أنظار جدّات جدّاتهم.. ولأنني أكثر من تعب في أواخر الثمانينيات، وأكثر من ذهب تعبه هباءً، أصلح نموذجاً لأجيال كاملة من المعذّبين. التفكير في ابنة الجيران كان شهادة ميلاد مراهقتي، وذلك حين تمنّيت حدوث الآتي: بعض الأوغاد يحاولون مضايقتها، وقبل أن تصل أياديهم الآثمة إلى جسدها الطاهر، يجدوني في وسطهم أمزّق كندورتي ويظهر جسدي الملتف بسلسلة حديدية، أفكّها عني وأضربهم بها وأطيح بهم، ثم أمشي على جثثهم وأنا أبصق الدم الذي تجمّع في فمي، إلى أن أقف أمامها وأنحني فتمدُّ يدها، فآخذها في راحتي وأضع عليها قبلة، ثم أرحل إلى حيث قرص شمس المغيب وهي تلوح بيديها مودّعة ودموعها تبلل خديها. ثم كان تقمّص شخصية المطرب البحريني خالد الشيخ، بأن أرفع صوت الأغنية وأغني واقفاً مع استخدام لغة جسد المغنين وتمطيط بعض الكلمات وتنغيمها صوتياً، مفترضاً أنني واقف على مسرح كبير وهناك جمهور بالملايين من الفتيات فقط، وأنا أغني: عيناكِ.. الدمع الأسود فوقهما يتساقط أنغام بياني. وكل واحدة تعتقد أنني أقصد عينيها، فتجعل الدمع الأسود فوقهما. ومع الخبرة، أصبحت التزم الصمت إذا رأيتهن في مطعم أو في صالة انتظار في مستشفى أو في قاعة المغادرين في المطار. ويرافق الصمت بعض الشرود والنظر طويلاً في نقطة مهملة، كالنظر إلى الشطّة أو حزام سير حقائب السفر، لأنَّ مثل هذه النظرات لا تصدر إلا من شخص غامض وغريب الأطوار، لذلك فهو مغرٍ جداً للتعرّف إليه لمعرفة ما يدور في ذهنه. وآخر حركات ما قبل السيارة، كان يحتاج إلى تدخّل الطبيب، فعلى الرغم من أنني، وللأسف، لم أصب بكسر في يدي أو رجلي، فإن لاصق الجروح أو ضمّادة الخدوش، تفيان بالغرض، فرؤية شخص ما يعاني، يستدعي التعاطف معه، ومن ثم الالتفات إليه ومواساته، ومن ثم أخذ رقم هاتفه للاتصال به، ومن ثم تصبح صديقة لي. وأخذت طرق لفت الأنظار منحى جديداً مع قيادة السيارة، فمرةً أرفع صوت الأغنية حتى تهتز أبواب السيارة وتكبر أذناي، لأنه من المتوقع أن تستوقفني إحداهن وتسأل عن الأغنية. ومرةً أخرى أزيد السرعة ما أن ألمح سيارة أمامي فيها فتاة، أو أتعمّد الاقتراب من أي سيارة تسير بمحاذاتي، فتضطر الفتاة إلى مطاردتي وإيقافي لتنصحني بأن شبابي أغلى من أن يُعصر بين أكوام الحديد، هذا في حال السرعة، أو تسألني عن سبب فقداني التركيز والذي كاد أن يتسبب في اصطدامي بالسيارات. وفي معظم الأحيان لم يكن الرأس الأسود الذي أراه أمامي، باعتبار فتياتنا يضعن عباءة سوداء، إلا لرجلٍ حاسر الرأس.. ماذا كنت سأقول للملائكة حين أموت بسبب رؤية رجل حاسر الرأس شعره أسود؟ وباءت كل هذه الطرق وغيرها بالفشل الذريع، فبنات الجيران لم يكن يعرفن ما يدور في ذهن ذلك الولد السمين الذي تحمر خدوده ويتعثر بنعاله كلما لمحهن ولو من بعيد. ولم تتشرف أي فتاة في رؤيتي وأنا أغني بكامل أحاسيسي القلبية على ذلك المسرح المليوني. ولم يحصل أن تقدمت إليّ فتاة وقالت بدهشة بعد أن رأتني أحدّق في مقبض خزانة المطعم: هل أنت أفلاطون؟ وأيضاً لم يحفلن باللاصق أو الضمّادة، فالدنيا مليئة بالمصابين والضحايا. وربما استطعت خطف نظراتهن برفع صوت الأغنية والقيادة بسرعة والانحراف على باقي السيارات، لكنهن قلن في أعماقهن: ماذا يفعل هذا الكبش؟ لا أدري، ربما يعاني أحفاد أحفادي من عدم رد فتيات زمانهم على رسائلهم العقلية، فيضطروا إلى استحضاري وطلب المعونة من أكثر مراهقي القرن العشرين تعباً وغباءً. أحمد أميري
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©