الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الجامعة الإسلامية: تفجير ضد «محمية علمية»

الجامعة الإسلامية: تفجير ضد «محمية علمية»
26 أكتوبر 2009 00:05
عندما هاجمت حركة "طالبان" الجامعة الإسلامية الدولية في باكستان هذا الأسبوع، صُدم كثيرون لاستهداف الإرهابيين لجامعة إسلامية. والحقيقة أن التفجيرين الانتحاريين المزدوجين كانا يستهدفان جامعة تأتي في مقدمة المؤسسات التعليمية العاملة من أجل تغيير الطريقة التي يتم بها النظر إلى العلم والمعرفة الغربية في العالم الإسلامي. والحقيقة أني شخصياً كان لديّ بعض المفاهيم الخاطئة عن باكستان والباكستانيين قبل أن أحاضر للمرة الأولى في نفس المبنى الذي تعرض للتفجير الثاني، لكن المقابلات التي أجريتها والمحاضرات التي ألقيتها هناك عام 2007، غيرت تماماً من فهمي لباكستان ولمستقبل الإسلام. كانت طائرتي قد هبطت في إسلام أباد قبل الموعد المحدد لإلقاء محاضرتي الأولى في الجامعة بساعات قليلة. وسواء كان السبب هو فرق التوقيت بين إسلام أباد ولوس أنجلوس، أو أنني كنت قد أمضيت الليلتين السابقتين جالساً في مقاعد الدرجة السياحية، فإني شعرت بقلق من وجودي في باكستان، كان يزيد في درجته عن القلق الذي كنت قد شعرت به من قبل في بغداد وفي غزة. ولم تتحسن الأمور كثيراً عندما قدمني مضيفي للطلبة الذين كنت سأدرّسهم على أنني رجل عشت لفترة في إسرائيل، وأنني أُجيد العبرية. وفي الحقيقة أحسست بقدر من الخوف لأن الطلبة الذين قدمني إليهم كانوا أقرب شبهاً برجال "طالبان" منهم لطلبة الكليات الدينية.لكن اتضح لي، وكما هو الأمر بالنسبة لمعظم الأشياء في باكستان، أن المظاهر كانت خادعة، وأن الموقف كان أكثر عمقاً وإلهاماً مما تخيلته للوهلة الأولى. فقد تبين لي أن هؤلاء الطلبة لم يلتحقوا بالجامعة لدراسة الإسلام، وإنما للتحضير لدرجة الدكتوراة في تخصص الأديان المقارنة، وكانوا يقومون بدراسة الإسلام وتاريخه وديناميكياته في إطار دراسة أوسع نطاقاً للتجارب الدينية والعقائدية في مختلف مناطق العالم. وعندما تعددت لقاءاتي مع الطلاب وهيئة التدريس، تبين لي أن لا أحد منهم لديه أدنى رغبة في الانخراط في نقد عنيف ضد الغرب وسياساته ضد المسلمين. كانوا جميعاً مهتمين بمناقشة الكيفية التي يمكن بها تحقيق الإندماج بين الطرائق والمناهج الدراسية الإسلامية، ونظيرتها الغربية. والشيء الأكثر أهمية أنهم كانوا يحاولون التوصل إلى طريقة يمكن لهم بها نقد الحكومة دون التعرض لخطر الاختفاء في الثقب الأسود لنظام السجون الباكستانية الذي يمكن أن يقضوا فيها سنوات طويلة وربما دون عودة. ليس القصد من ذلك القول إن الطلبة وهيئة التدريس بالجامعة كانوا يؤيدون السياسات الأميركية في العالم الإسلامي، فالحقيقة أنهم أبعد ما يكونون عن ذلك، لكنهم كانوا يدركون أهمية التفاعل بين الديناميكيات المحلية والعالمية، والحاجة إلى فهم مشكلات بلادهم، والتي ساهمت في ذلك النمط العنيف من العلاقة بين الولايات المتحدة والجماعات الإسلامية في العديد من بقاع العالم الإسلامي. وعندما ألقيت محاضرتي الثانية، وكان موضوعها العولمة، في توقيت مبكر من صباح أحد أيام السبت، كانت القاعة مكتظة بالطلاب. وبعد انتهاء المحاضرة تلقيت سيلا من الأسئلة حول الفرضيات التي بنيت عليها بحثي، والمناهج التي استخدمتها فيه، لدرجة أنني تمنيت وقتذاك لو كان طلبتي في الولايات المتحدة يبدون من الاهتمام بما أقول نصف ما أبداه هؤلاء الطلبة. وعندما تجولت عبر الحرم الجامعي بعد المحاضرة، وقابلت العديد من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس الذين جاءوا من مختلف أنحاء العالم الإسلامي لتلقي العلم في الجامعة والتدريس فيها، اتضح لي الدور الذي تلعبه تلك الجامعة في الإطار الأكبر للسلام العالمي. وبدا لي واضحاً بجلاء أن الجامعة تحاول أن تشق لنفسها مكاناً في الحياة الفكرية والسياسية من خلال إثراء الحوار بين التقاليد المعرفية الغربية والإسلامية. لكن المشكلة التي رصدتها أن تلك الجامعة كانت ولا تزال تتلقى قدراً من الاهتمام لا يتناسب مع أهميتها، من قبل صناع السياسة في أميركا، رغم كونها جامعة قادرة على إحداث تغييرات عديدة من خلال التفاعل مع الجامعات الغربية، والتزود بالمعارف، والإلمام بالنظريات الاجتماعية والمهارات التطبيقية التي تمكن منتسبيها من التصدي للآراء السياسية والدينية المتشددة المهيمنة في كثير من المجتمعات الإسلامية. لقد استهدفت "طالبان" تلك الجامعة لأنها كانت تدرك جيداً أنها قادرة على تخريج نوع من الطلبة القادرين على تحدي الآراء المتشددة التي تحاول فرضها على المجتمع. إن "طالبان" عندما وجهت ضرباتها فإنما ضربت محمية علمية، حتى وإن كانت لا تزال هشة وفي بداياتها، كانت كفيلة باحتضان وتفريخ جيل جديد من المسلمين المصممين على العمل من أجل توفير السبل الكفيلة بإثراء الحوار الثقافي مع الغرب من ناحية، والاشتباك مع التهديدات الخطيرة، والمشكلات المستعصية المنتشرة في المجتمعات الإسلامية. وآمل ألا تؤدي تلك الهجمات إلى إضعاف الروح المعنوية، ودرجة التصميم، لآلاف الطلاب الذين جاؤوا إلى تلك الجامعة من مختلف أنحاء العالم الإسلامي للمساعدة في بناء مستقبل أفضل. فهم لا يمثلون مستقبل باكستان، ولا مستقبل الإسلام فحسب، وإنما يمثلون المستقبل ذاته. أستاذ دراسات الشرق الأوسط بجامعة لوند -السويد ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©