الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رجل حار الدماء

رجل حار الدماء
16 أغسطس 2008 23:36
تسألني عن مصدر هذه الخبرة التي أملكها عن القطارات· أعرف موعد كل قطار وعيوبه ومزاياه· أعرف القطارات الأسبانية والفرنسية ويمكن أن أخبرك بتاريخ صيانة كل واحد منها· أخبرك أي هذه القطارات من إنتاج شركة (جنرال موتورز) وأيها من إنتاج (شركة هنشل)· إن معرفة كل شيء عن القطارات ليس سهلاً· يجب أولاً أن تكون رجلاً حار الدماء من الطراز الذي يعرف كيف يكون سيد داره· ولهذا - ككل شيء آخر - بداية· بدأ كل شيء في ليلة سوداء منذ ثلاثة أعوام· في العاشرة من مساء الجمعة تشاجرت مع ''أم العيال''· أنت تعرفني جيداً فلا يجب ان تثير هذه الأمور قلقك· قالوا إن هذه الأمور هي الملح الذي يعطي للزواج نكهة وأنا أؤمن بهذا· فقط لا أعرف سبب كون زواجي مالحاً لهذه الدرجة التي تجعله غير سائغ على الإطلاق· كل هذا الملح سيقتلني حتماً من فرط ارتفاع ضغط الدم· دخلت غرفة مكتبي وأغلقتها على نفسي· أشعلت لفافة تبغ وبدأت أضع المشاريع المتحمسة التي أعرف - قبل أي واحد آخر - أنها خيالية طفولية· في العاشرة والربع قررت أن أقتل زوجتي· سأحضر السكين من المطبخ وأطعنها عدة طعنات، وككل القتلة أضعها في ''طشت'' تحت الفراش - لا أعرف لماذا يفعلون ذلك لكنه شيء إجباري - وأجلس على المقهى بانتظار قدوم الرائد (فلان) والعقيد (علان)· ولسوف أظهر على صفحة الحوادث في الجريدة زائغ العينين أقول للصحفي: الشيطان هو من فعل ذلك لا أنا··· اقبضوا عليه!· في العاشرة والنصف فكرت في الطلاق وبدأت أحسب النفقة ومؤخر الصداق، والعُقد النفسية التي ستصيب ''العيال''· فتحت المفكرة لأحسب فوجدتها مليئة بالحسابات السابقة من ألف مشاجرة· في الحادية عشرة إلا الثلث استقر رأيي على أن أغادر البيت على سبيل الاحتجاج· بضع ساعات ثم أعود· هذا هو القرار الأصوب· هكذا غادرت البيت من دون سلام ولا كلام · وتعمدت أن أغلق الباب بعنف، لكني سمعت صوت (سعاد حسني) الرخيم قادماً من التلفزيون يغني كلمات (صلاح جاهين) اللاذعة: بابا زمانه راجع··· يعني حيروح فين؟ مصادفة غريبة فعلاً! الليلة سوف أثور · سوف أرتاد الحانات وأرافق أبناء الليل وأعاقر الخمور · سوف تعرفني شوارع المدينة المنهكة، وسوف يحفر اسمي في ذاكرة كل امرأة أقابلها في تلك الليلة· سوف ينصح الآباء أطفالهم ألا يكبروا ليصيروا مثلي· الكلاب المسعورة التي تنبح في الأزقة سوف تتوارى رعباً عندما ترى ظلي· سوف··· وبالطبع لم أفعل شيئًا من هذا، لأني لا أعرف مكان حانة واحدة في مدينتي الصغيرة، ولم أذق قطرة خمر في حياتي· هكذا حملتني قدماي إلى المكان الوحيد الذي يصلح كمغامرة لي: محطة السكة الحديد· سوف أقضي الليل على مقعد هنا وألعن نفسي على أنني لم أكن حازماً بما يكفي· ففكرة أنها في البيت تعرف يقيناً أنني سأعود تثير جنوني· جلست على المحطة وسط أشباح القطارات التي نامت أخيراً بعد عناء يوم طويل من الركض بين القاهرة والإسكندرية والمنصورة و··· و··· كان الطقس باردًا بحق وبدت لي فكرة قضاء الليل هنا عسيرة فعلاً· لكني كنت أواجه آخر تحد مع نفسي الناعسة الخاملة· أقصى انتقام استطعت تنفيذه هو أن أجلس على محطة القطار بضع ساعات، فإن لم أفعل هذا فأي نفع لي؟ الآن يمكنك أن تفهم سر خبرتي العميقة بالقطارات· هذه الليلة لم تكن الوحيدة ولا الأخيرة، وقد صارت المحطة جزءاً من أية مشاجرة لي· الأهم أنني بدأت أقابل رجالاً حازمين مثلي يجلسون على المحطة لذات الأسباب، فلو كنا في الغرب لشكلنا رابطة (أزواج غاضبون على المحطة)· المهم في الحياة الزوجية أن تكون حار الدماء حازماً وأن تعرف جيداً القطار الأسباني من القطار الفرنسي· لا أحب التدخل في شؤون غيري لكن ماذا تفعل أنت أيضاً هنا في هذه الساعة؟ لا تقل لي إنك اكتشفت فجأة في سن الأربعين أنك تحب محطة السكة الحديد!· مرحبًا بك يا صاحبي في الرابطة، ومرحباً بشخص آخر سيكون معنا كل ليلة ويعرف كل ما نعرفه عن القطارات!· د· أحمد خالد توفيق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©