السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لا تصوّغوني ولا أصوّغكم

لا تصوّغوني ولا أصوّغكم
16 أغسطس 2008 23:36
لن يفهم أحد مأساتي إلا حين يعرف تعداد عائلتي، حيث بلغوا بحسب إحصاء هذا الشهر نحو 82 فرداً، ليسوا إلا نتاج شجرة أبي وأمي، فقد أنجبا أحد عشر بني آدم، ارتبطوا بأحد عشر بني آدم مثلهم، وأنجب الجميع كل تلك المخلوقات البشرية، وأنجب بعض تلك المخلوقات مخلوقات جدد، فأنا مثلاً: عم وخال وعم أم وخال أب وخال أم، لذلك أنا متورط بهم جميعاً بسبب هدايا السفر أو ''الصوغة''· تخيل معي أنني أسافر لأيام قليلة، لكنهم يقفزون أمامي في أحلامي وهم يصفقون بأيديهم ينتظرون فتح الحقائب وتسليمهم ''الصوغة'' مع شهادات التقدير· وبالطبع لا يمكن إهداء الجميع، فهذا يحتاج إلى شراء باخرة واستئجار رصيف بحري لنقل الهدايا، لكن الأسر الـ 18 التي تتكون منها العائلة، تقضي أعرافنا البائسة تسليمهم ''المقسوم'' بعد العودة إلى البلاد· صحيح أنني أبلع ريقي كلما دفعت قيمة هدية من الهدايا، لكن القضية ليست ''فلوسية'' وإنما فكرية وعضلية وإجرائية· فالفكر مشغول طوال الوقت بالهدايا بدلاً من الاستمتاع بالرحلة والتعرف على بلاد الله، والعضلات تئن وهي تحمل ما ثقل وزنه ورخص ثمنه للقوم الذين لا يتوقفون عن التكاثر كأنهم في سباق من ينجب أكثر، وهناك إجراءات في شراء حقائب إضافية ورص الهدايا فيها وحملها من مكان إلى آخر، وأحياناً دفع قيمة الوزن الزائد· هناك عجلة ملعونة تقف وراء هذا الأمر، فالذي حدث أن أحدهم سافر ورجع محمّلاً بالهدايا، فيضطر المهدى إليهم الرجوع من أسفارهم محمّلين بالهدايا، على الأقل للمسافر الأول، ثم بعد سنة، يسافر الأول ويفعل الأمر نفسه، وهكذا إلى أن يبعث الخلائق من قبورهم ويُعلن عن قيام الساعة· أما لماذا عاد المسافر الأول بالهدايا، فلأنه اعتاد على تسلم الهدايا ممن سبقونا في العائلة، فاستحى أن يعود بيدين خاليتين، والذين سبقونا فعلوها مجاملة لمن سبقهم، وهكذا إلى أن نصل إلى أول إنسان سافر وعاد بهدية، هذا الشخص يجب التعرف عليه ونبش قبره ومحاكمته علناً بتهمة إفساد السفر على مليارات البشر· لا فائدة من الكلام الآن، لأنني أصغر عيال أبي، وبالتالي آخر المسافرين الذين يتوقع منه الآخرون هدايا بعد أن سافروا قبله وأهدوه عند عودتهم، وأنا كذلك آخر المتزوجين من الجيل الأول، والخلاصة أنني وجدت نفسي وسط العجلة من دون إرادة أو اختيار· وبعد الزواج، حشرتني زوجتي بعجلة عائلتها، فكل العائلات لديها عجلاتها، وأنا الآن، ثكلتني أمي، محشور بين عجلتين· وكلما سافر أحدهم وعاد ولم يهتم لأمري، قلت الحمد لله الذي طمس على عينيه وأنساه ذكري، فأسافر وأنا مرتاح من وجهه، فهو ليس ضمن القائمة، لكنه يعود في سنة أخرى ويورطني بهديته ''الغالية''، فيعود إلى قائمتي من جديد· إن الأمر مأساوي بشكل غبي، فقد سافر خلق كثير من عائلتي هذه السنة إلى بانكوك للتسوق، وكنت ضمن المسافرين، وعند العودة، أخذنا نهدي بعضنا بعضاً الهدايا التي أخذناها من الأماكن نفسها، وأحياناً الهدية نفسها، بل إننا تلاقينا هناك بالصدفة· ليس فينا رجل رشيد واحد يقف أمام الملأ ليقول: كفى، لا ''تصوّغوني'' لأنني لن ''أصوّغ'' أحداً· لكن الحقيقة أن الرجال الرشيدين كُثر، لكن أين الراشدات الغاضات الطرف عن الهدايا واللامباليات بكلام فلان وفلانة؟ العجلة تدور بسواعد النساء، وهن أول من بدأن فيلم الإهداء حين أهدت حواء التفاحة لآدم· أحمد أميري ahmedamiri74@yahoo.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©