الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صندوق الرسائل

صندوق الرسائل
16 أغسطس 2008 23:38
"لا، لا، لا تردين الرسايل ويش أسوّي بالورق، وكل معنى للمحبة ذاب فيها واحترق''· رائعة من روائع زمن الطرب الجميل· قادتني هذه الأغنية إلى درج أوراقي وصوري القديمة وأشياء أخرى جميلة موَشاة بعطر ذكريات الطفولة والمراهقة· من جملة ما أحتفظ به دفتر ''أوتوجراف'' صغير بقفل صدئ، يحمل رسائل وتواقيع لزميلات الدراسة، وأمنيات صادقة خُطْت بأيديهن وأيدي مدرساتي العزيزات في مراحل دراسية متلاحقة· الخطوط مختلفة والتواقيع والكلمات تتأرجح بين سطر وآخر، وبألوان ورسوم لا يستطيع أحد التنبؤ بمدارسها الفنية!، أما جملة: ''الذكرى ناقوس يدق في عالم النسيان''، فتكاد تكون منسوخة في أغلب صفحات ''الأوتوجراف''· بعض الوجوه كأني رأيتها وسمعت أصواتها بين طيّات الدفتر، وبعضها غابت ملامحها عن ذاكرتي· وجدت هناك محاولات مستميتة للتعبير بكلمات ومفردات مُقعرة قد تجهل كاتبتها فحوى معناها آنذاك، لكنها دُوِنت في ''أوتجرافي'' الصغير، في محاولة من صاحبتها للتميز والتفرّد· اليوم، لم يعد هناك أثر للأوراق والدفاتر والأقلام في حياتنا، فالحاسوب حلّ مكانها، وكل ما نكتبه نحفظه فيه، حتى المقال نكتبه على جهاز الكمبيوتر ونرسله إلى الصحيفة، أما ''الموبايل'' هذا ''الشرير الأكبر''، ففيه من مفاتيح إبليس ما قد يخطر ولا يخطر على بال جنٍّ أو إنس، يحمل هذا ''الجنّي'' الكثير الكثير من خصوصيات حامله وأسراره، شيء ''فيه بياض وجه'' وأشياء أخرى صاحبها أدرى بها· فقد بلغ من الأهمية في حياة معظم الناس حداً يدعو إلى العجب· إحدى الصديقات أسّرت لي بولع زوجها وشغفه ''بموبايله'' الخاص، حتى كادت تجزم بأنه ''لو يطول'' أن يعلقه في رقبته لا يتأخر، وإذا تهورت وحاولت لمسه، فيومها ''مش فايت'' رغم قفله ''بكود'' سرّي تحسباً لأي اعتداء غير محسوب قد يدهمه في أي وقت· قالت لي والدمعة في عينيها: ''والله لو يقدر ينام مثل الذئاب، عين مفتوحة وعين مسكْرة ما بيقصْر''!· الثورة في وسائل الاتصالات الحديثة تحمل الكثير من الفائدة، لكنها في المقابل استطاعت أن تسلب منْا الكثير، كالتواصل الأكثر حميمية والأكثر صدقاً، والخصوصية والهدوء، فهناك أوقات أشعر فيها بالغبن والخيبة، عندما أستلم رسالة تهنئة بالعيد أو أي مناسبة، وأجد أن صندوق رسائل هاتفي يغصُّ بشبيهاتها· فتغيب الفرحة والمفاجأة معاً، لذلك لا تتجاوز ردة فعلي عليها سوى مسحها فوراً، ولا يسلم الموقف من تنهيدة وهمهمة، أو إيماءات توحي بالامتعاض؛ فالتهنئة أصبحت ''مسج''، والحب ''مسج''، وواجب العزاء ''مسج''، والاعتذار ''مسج''، والعتاب ''مسج''، حتى ''طِياح الحظ والصبغ صار في ''مسج''، فلا حاجة إلى المواجهة! سمعت خبراً تناقلته وكالات الأنباء والتلفزة، مفاده أن البريطانيين بدأوا مؤخراً يعانون من مرض نفسي يدعى ''النومو فوبيا''· فوبيا البريطانيين هذه أصابتني بالدهشة، وللوهلة الأولى حسبت أنها نتيجة لدراسة سيكولوجية لمجتمعاتنا الخليجية توضح مدى تعلّق الخليجي بهاتفه النقال العزيز واعتزازه واعتداده به الذي تجاوز حدَّ تعلق أطفالنا وارتباطهم بمربياتهم! بصراحة، ''فوبيا'' خوف البريطاني من فقدان هاتفه الشخصي، أو الخوف من انتهاء الشحنات الكهربائية فيه، أو انقطاعه بلا سابق إنذار ولأي سبب كان ''ما دخلت مخّي''، ولا زلت أشك في صحة مصدرها· يعني، أيعقل أن يكون البريطاني أكثر حرصاً وخوفاً على نقّاله من جماعتنا؟! همسة: رسالة لن أكف عن إرسالها لهم· مداد الروح إلى من تفتقدهم أمكنتهم، ويفتقدهم الزمان وكل الوجوه· إلى من غابوا إلا عن زوايا القلب والذاكرة: وجعي، غربتي، ووحشتي بحجم اشتياقي لكم· فاطمة اللامي F_a6000@yahoo.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©