الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الثورات العربية... وسقف التنمية والإصلاح

7 ابريل 2012
لم يكـن يخطر على بال معظم العرب أن ما ينتظرهم بعد حرب 1948 ثم حرب 1967 هو في البداية حكومات وطنية متأثرة بالناصرية ذات الطابع الشعبي القومي. ولكن ذلك البعد الشعبي القومي سيختفي وسيرثون مع الوقت أنظمة عسكرية لا تمتلك فكراً أو رؤية أو حتى حساً شعبيّاً وعربيّاً. وستبرر بعض تلك القيادات العسكرية دورها التسلطي على أرضية دواعي الاستقرار والتنمية. إن الذين تسلموا السلطة في بعض جمهوريات العالم العربي وجدوا في السلطة عادة وقوة. ومع الوقت عمقت تلك الأنظمة من امتيازاتها وامتيازات المحيطين بها، وقسمت الشعب إلى طوائف وفئات مقنعة كل فئة بأنها ضمانة عدم اعتداء فئة على أخرى. ومن جهة أخرى لم تجد بعض تلك الأنظمة صعوبة في جعل المواطن العربي يتقبل سلطتها القائمة على العنف والعسف. وربما عاد هذا إلى طبيعة المجتمعات العربية المعتادة على القبول «بالزعيم الذي تعرفه خوفاً من الزعيم الذي لا تعرفه»، ولكن جانباً منه ارتبط بحدة القمع والإقصاء وفي حالات كثيرة التصفيات والسجون. لقد قبل العربي تلك النظم وتقبل مزاجيتها، وفسر ذلك على أنه جزء من ضريبة الاستقرار. وقبل المواطن العربي بمبدأ تسليم أمنه وحقوقه للسلطات السياسية في تلك الجمهوريات العربية لأنه أراد أن يجرب ما ينسجم مع تاريخ عربي مرير. لقد وثق بالسلطة وسلمها دفة القيادة من دون علم منه بما ينتظره. ولكن التاريخ لا يكاد ينتهي في زمن إلا ليبدأ مجدداً في زمن آخر. ولهذا بدأت تلك الشعوب العربية تكتشف أن النموذج الذي بدا عمليّاً وممكناً في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين لم يعد كذلك في الألفية الثانية. وقد اكتشفت الشعوب بهدوء وصمت أنها تعيش في قفص كبير وأنها متأخرة في التنمية وفقيرة على رغم الغنى الزراعي والمالي الذي تتمتع به بلادها، ووجدت نفسها على هامش التاريخ لا تقوى على تقرير مصيرها. وقد اعتبرت بعض النظم أن كل مبادرة من المجتمع تمثل انتقاصاً منها وأن كل انتقاد هو سهم مصوب إلى قلبها. وهذا بدوره جعل المجتمع يتخلى عنها منتظراً انهيارها. وتؤكد التجربة التاريخية للدولة بشكل عام وللدولة العربية بشكل خاص أنها لا تتطور ولا تتقدم ولا تصلح إن لم تعتمد على مجتمع حي متحرك ويمتلك حريات ثابتة وقدرة على التجديد. وبإمكان الدول أن تكون متوقدة في فتراتها التأسيسية الأولى ولكن ما أن تنتهي الفترات الأولى حتى تمر بمرحلة فراغ وإعادة إنتاج لذات الصور والهياكل القديمة التي تفقد تأثيرها. إن المجتمعات التي تعيش في ظل تنمية وكرامة مضمونة هي الوحيدة في السياق العربي في الزمن الحديث القادرة على مد الدول بالدماء الجديدة والتجديد. لقد أضاعت بعض الأنظمة العربية البوصلة، واعتقدت أن سكوت الإنسان العربي هو تعبير عن القبول والراحة، بل اعتقدت أنها في وضع آمن بفضل حالة الصمت. إلا أنها لم تنتبه إلى أن الصمت لم يكن سوى تعبير عن حيرة وتساؤل وأن السكوت لم يكن طبيعيّاً. إن الثورات العربية والحركات الإصلاحية العربية الراهنة هي محاولة جادة لإعادة تعريف دور الدولة في المجتمع العربي. فبعد أن كانت بعض الأنظمة العربية تمتلك صلاحيات مفتوحة وقدرات لا حدود لها على التعسف تحت مسميات دينية أو أمنية وسياسية نجد في التعريف الجديد أن الدولة يجب أن تكون محددة الصلاحيات والواجبات. ففي الثورات العربية والحركات الإصلاحية العربية سعي لوضع الدولة في حدود المجتمع وضمن دائرته وتنوع تحركاته، بل يمكن تعريف الحراك العربي على أنه محاولة لاستعادة روح المجتمع وتحويل الدولة في الوقت نفسه إلى أداة لصالح المجتمع وحرياته وتطور أفراده. إنه سعي من قبل المجتمعات العربية لجعل الدولة مساحة عامة لا يسيطر عليها حزب، وهو سعي لاستعادة حيادية الدولة وأهمية وقوفها على المسافة نفسها من جميع القوى التي تتحرك في المجتمع. وفي الواقع العربي الجديد الدولة وعاء عام يتم التداول عليه من قبل قوى عدة يفرزها المجتمع. فالتداول إدارة مؤقتة للدولة ومنع لوقوعها تحت سيطرة التسلط والاحتكار والاستفراد من طرف حزب أو زعيم. إن الهدف من الثورات العربية في الجوهر هو إصلاح الدولة العربية وتحويلها من جهاز قمع إلى جهاز يخدم المجتمع ويعكس تطلعاته. وقد لا ينتهي الفصل ويغلـق المسرح العربي الذي رفعـت ستائره مـع الثـورة التونسيـة إلا عندما يتحقق في البلاد العربية الإصلاح المناسب والحريات الأساسية لكل إنسان عربي. د. شفيق ناظم الغبرا كاتب كويتي ينشر بترتيب مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©