الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كوريا الجنوبية... انتصرت سلفاً

7 ابريل 2013 23:57
ماكس فيشر كاتب سياسي أميركي في الثلاثين من مارس، وبعد ثلاثة أيام من إقدام كوريا الشمالية على قطع خط ساخن عسكري مع كوريا الجنوبية، وإعلانها أن رئيستها «بارك كون هيه» سوف «تلقى مصيراً بائساً»، أعلنت تلك الدولة الحرب على الجنوب وقالت في بيان رسمي «إن الوقت قد حان لخوض معركة نهائية حاسمة» في تلك الأثناء كان شباب كوريا الجنوبية مشغولاً بشيء آخر. كان نجم بوب عمره 25 عاماً يدعى «سيو- جوك» قد ظهر في برنامج من برامج تلفزيون الواقع في الليلة السابقة، وقام بغسل ثمار الفراولة بطريقة خاطئة. وسرعان ما سرت أخبار ذلك الخطأ، واحتلت مناقشات الفضاء الافتراضي بأكمله. وحياة وأخبار نجوم البوب، والتعليقات على أنماط الحياة البورجوازية، ومقاطع الفيديو المضحكة هي الموضوعات التي يبدو أنها تجتذب اهتمام معظم شباب كوريا الجنوبية على نحو يفوق بكثير اهتمامهم باستفزازات كوريا الشمالية الأخيرة. ولا يعني ذلك بالطبع أن الشباب لا يناقشون مشاكل احتمال نشوب حرب كورية ثانية. ولكن حتى لو أدت استفزازات كوريا الشمالية، وخطابها العدواني، لجعلهم عصبيين بعض الشيء، إلا أنهم عادة ما يسخرون من كيم جونج أون ويهونون من إعلانه بشن الحرب ويصفون ذلك بأنه جعجعة فارغة. وفي الحقيقة أن التهديدات الكورية الشمالية لا تكاد تصرف اهتمام الشباب الكوري الجنوبي عن الأمور الأكثر إلحاحاً، مثل آخر أخبار فرقة بوب موسيقى كورية نسائية، أو أحدث الأجهزة التي تنتجها شركة «سامسونج». وحول ذلك يقول «جيمس بيرسون» وهو رئيس تحرير موقع تدوين شخصي يدعى «كوريا بانج» يغطي اتجاهات وسائل الإعلام الاجتماعي الكورية، ومقيم في سيئول: «إن مواطني الشبكة (Netizens) والمواطنين العاديين على حد سواء سئموا بما يكفي من الموجة الأخيرة من التهديدات الكورية الشمالية إلى درجة أنهم باتوا يضحكون عندما يسمعون المزيد منها». والطريقة التي يجب أن تستجيب بها كوريا الجنوبية لتهديدات الشمال ستناقش في تلك الدولة بعد أن تهدأ تلك التهديدات بوقت طويل. ولكن هناك شيئاً واحداً يبقى مؤكداً مع ذلك، هو أن استراتيجية كوريا الجنوبية في الاستجابة للاستفزازات الكورية الشمالية قد ساعدت على صنع أعظم قصص النجاح الوطني خلال أجيال. وجزء كبير من تلك القصة كان اقتصادياً: فسياسة استصلاح الأراضي، حفزت الانتقال من مجتمع زراعي إلى حد كبير إلى مجتمع حضري؛ كما ساعدت الصادرات على جلب الأموال لبلد فقير في موارده الطبيعية. ونجح النظام الرأسمالي المدار من قبل الدولة في اجتذاب المستثمرين الأجانب من ناحية، وتوزيع مكاسب النجاح الاقتصادي على كافة طبقات الشعب من ناحية أخرى. وفي السنوات الأخيرة ساهمت السياسة في تعزيز النمو عندما تبنت كوريا الجنوبية النظام الديمقراطي الذي ساعد طبقتها الوسطى وشرائحها الخلاقة، في حين لم تفعل جاراتها من «النمور الآسيوية» ذلك. وفي الوقت الراهن نجد أن كوريا الجنوبية ليست فقط دولة مستقرة، ذات شعب حسن التغذية -وهما شيئان يفتقر إليهما الشمال بشدة- وإنما باتت أيضاً دولة حرة مزدهرة تثريها ثقافة (موسيقى وغناء وطعام) تنتشر حالياً في أنحاء مختلفة من العالم على نحو لا يتوافر سوى للثقافات الأميركية والأوروبية واليابانية. وربما يكون كل ذلك من ضمن الأسباب التي لا تجعل الكوريين الجنوبيين قلقين أكثر من اللازم بشأن تهديدات كيم جونج أون الجوفاء على الأرجح. فهم يعرفون أن الصراع الحقيقي -الحرب الباردة المصغرة طيلة عقود الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي التي دارت حول من الذي سيبرز ويتقدم هل هو كوريا الشمالية أم كوريا الجنوبية- قد انتهت بالفعل. ومنذ نصف قرن وعلى رغم أن كوريا الشمالية كانت أكثر ثراء من كوريا الجنوبية، إلا أن الطرفين كانا عبارة عن ديكتاتوريتين عسكريتين تقودان بلدين يعتبران من ضمن الأفقر في العالم. واليوم لا يزال الشمال -كما كان- ديكتاتورية عسكرية فقيرة في حين يتمتع المواطن الكوري الجنوبي المتوسط بمستوى معيشة يقف على قدم المساواة مع مستوى المعيشة الذي يتمتع به الأوروبيون. والاقتصاديون يصفون هذا التقدم من دون أدنى مبالغة بأنه «معجزة نهر هان». وللدلالة على ذلك يكفي أن نعرف أن مجموعة سامسونج التي تعتبر أكبر مؤسسة كورية حققت عام 2011 عوائد مقدارها 247 مليار دولار أو ما يفوق الناتج القومي الإجمالي لكوريا الشمالية بمقدار ست مرات. وقد نجحت كوريا الجنوبية في تحقيق تلك المعجزة بينما بقيت كوريا الشمالية معزولة بسبب سياستها الخارجية العدائية، ومعتمدة اعتماداً شبه كلي على أكبر شركائها التجاريين وهم الصين وكوريا الجنوبية! نعم كوريا الجنوبية (تشكل تجارة كوريا الشمالية مع الدولتين 70 في المئة من تجارتها الخارجية) وإذا ما أهان كيم جونج أون كوريا الجنوبية، أو شن الحرب عليها، فإن العملة الصعبة التي سيفقدها جراء ذلك ستكون ذات آثار مدمرة على اقتصاده المنهك وبلده الجائع. وبالطبع يمكن لانتصار كوريا الجنوبية الاقتصادي والثقافي على كوريا الشمالية أن يتحول إلى رماد من خلال إمكانية غير متوقعة إلى أقصى حد ولكنها تشكل مع ذلك احتمالاً وارداً ومفزعاً إذا ما نشب صراع. وعلى رغم أن تلك الحرب ستلحق أفدح الأضرار بكوريا الشمالية وقد تتسبب في نهاية حكم سلالة «كيم» هناك إلا أنها ستكون مكلفة أيضاً لكوريا الجنوبية. ولكن كوريا الجنوبية اعتادت منذ سنوات العيش مع هذا التهديد من خلال تكوين جيش ضخم من المتطوعين والحصول على مساعدة من القوات الأميركية الموجودة في شبه الجزيرة الكورية، والاعتماد على رادعها النووي كذلك. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©