الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أميركا اللاتينية... هل تعود لماضيها الشعبوي؟

7 ابريل 2013 23:58
ناثان جاردلز بيونيس أيريس في وسط مدينة بيونس آيريس، وعلى امتداد الشارع الرئيسي في المدينة ينتصب مبنى شاهق يضم مقري وزارة الصحة، ووزارة التنمية الاجتماعية. على جانبي المبنى صورة ضخمة لوجه «إيفا بيرون»: الوجه المرسوم على الجانب المواجه للأحياء الفقيرة من العاصمة مبتسم، ومتعاطف. والوجه الذي يواجه الأحياء الغنية غاضب ومتوتر ومحتد. ومثلما تخيم صورة «إيفيتا» على عاصمة الأرجنتين، يخيم إرثها على مستقبل أميركا اللاتينية. في الذاكرة الجمعية للقارة ترتبط «إيفا بيرون»، وزوجها خوان بيرون، بنوع معين من الشعبوية، يقوم على حماية الصناعات الوطنية، وعلى البرامج الاجتماعية للأغلبية الفقيرة، الممولة بواسطة عجز غير قابل للاستدامة في الميزانية، ينتهي بتضخم جامح، وفساد، وانقلابات عسكرية، لاسترداد النظام. وعلى الرغم من أن الدور التدخلي للجيش في الشؤون السياسية، قد اختفى الآن تقريباً من معظم أنحاء القارة إلا إن إغراء السياسات الشعبوية لا يزال قائماً. وفي الحقيقة أن هذا الإغراء اليوم أقوى مما كان عليه في أي وقت في السابق، خصوصاً مع انضمام المؤسسات الديمقراطية للطبقة الفاعلة سياسياً والصاعدة اجتماعياً في الاعتماد على سياسات الازدهار القائم على تصدير فول الصويا والذرة والنحاس والنفط وغيرها من السلع للصين الشرهة دائماً. والانتخابات الديمقراطية دائماً ما تفضل المطالب قصيرة الأمد للكتلة الناخبة، على الاستدامة الطويلة الأمد للمجتمع. وسواء تمثلت تلك المطالب في إعانات ودعم للفقراء، أو في تقديم مساعدات للطبقة الوسطى لتملك المساكن، أو تقديم رواتب ومعاشات سخية للعمالة المنظمة، أو التوسع في شبكات الضمان الاجتماعي لتشمل الجميع من دون استثناء. فهناك ضغوط هائلة تدفع لإنفاق، واستهلاك الثروات المنهمرة حديثاً الآن. وفي الوقت نفسه، نرى أن قضايا مثل تحقيق استقرار مشروعات الاقتصاد المصغر، والاستثمار في البنية التحتية، والتعليم العمومي الجيد، والبحوث والتطوير من أجل تحقيق التقدم، وتوليد الثروات المستقبلية، تتخذ جميعها مقعداً خلفياً الآن. والسياسي الذي يعد بوعود براقة ومتفائلة اليوم، بصرف النظر عن التكلفة الطويلة الأمد لها، هو الأكثر ثقة بالفوز في الانتخابات وتبؤ السلطة. وكما يبين السجل التاريخي بوضوح، فإن الشعبوية التي تتجاهل القوانين الاقتصادية لا يمكنها الاستمرار في المدى الطويل، حيث سرعان ما تحل الدائرة القديمة والشريرة المتمثلة في الديون، والتضخم، والميول السلطوية. والنموذج الأقرب للشعبوية التقليدية هو نموذج «التشافيزية» في فنزويلا، فقد بدأ شافيز حكمه بالسعي لاستئصال عدم المساواة الفادحة التي كانت سائدة في بلده من خلال إنفاق عوائد البترول على البرامج الاجتماعية الجديدة الموجهة لصالح الجماهير الفقيرة. ليس هناك شك أن حياة الطبقات الفقيرة قد تحسنت في عهد شافيز، ولكن عندما مات الرجل الشهر الماضي كانت فنزويلا تعاني من أكبر معدل للتضخم في العالم (23 في المئة) واضطرت لاقتراض 46 مليار دولار من الصين، وتخفيض قيمة عملتها مرتين في الأسابيع الأخيرة حتى تتمكن من الاستمرار. وعلى الرغم من أن الأرجنتين قد تعافت من كارثة إعلان عجزها عن سداد الديون عام 2001 عندما استغلت انخفاض قيمة عملتها في زيادة الصادرات، فإن نموها الاقتصادي دخل مرحلة الركود مجدداً وعاد سيف التضخم ليخيم عليها من جديد. ويتبين ذلك بشكل خاص في الفجوة الكبيرة بين سعر الدولار الرسمي وسعره في السوق الموازية، والذي ترك كل مواطن أرجنتيني ينتابه إحساس مفزع، بأنه قد شاهد هذا الشيء من قبل وأن مدخراته سوف تتبخر في الهواء. ومع أن البرازيل قد اعتبرت لعدة سنوات «معجزة أميركا اللاتينية» وهو ما كان يرجع لحد كبير للطلب الصيني الهائل على النفط وفول الصويا، إلا أن الرئيسة الجديدة «ديلما روسيف» وفي أطار محاولتها تحقيق هدف تعزيز النمو الاقتصادي المحلي، وخلق المزيد من فرص العمل للفقراء، باتت تتجه على نحو متزايد لحلول تعتمد فيها على التدخل الحكومي، وزيادة نفوذ الدولة في مناحي عديدة من الاقتصاد، وهي حلول شعبوية رفضها من قبل سلفاها في الحكم «دا سيلفا» و«هنريك كاردوسو». أما شيلي وكولومبيا والمكسيك فقد أحسنت صنعاً حتى الآن عندما قاومت الإغراءات الشعبوية: فشيلي تمكنت عن طريق تطبيق مبادئ التجارة الحرة، وتنويع اقتصادها وعدم الاعتماد على النحاس سلعتها الرئيسية الذي يصدر معظمه في الوقت الراهن للصين من التحول لتصبح «سنغافورة جديدة في نصف الكرة الأرضية الغربي». أما رئيس كولومبيا الحالي جوزية مانويل سانتوس فهو قائد ينتمي إلى «الطريق الثالث» مثل كلنيتون وبلير وسعى بشجاعة لانتزاع بلاده من وهدة الحرب الأهلية مع ثوار منظمة «فارك». وأدرك أن المستقبل سيعتمد على المعرفة أكثر من اعتماده على السلع وهو ما دفعه لرعاية برنامج لتزويد أفقر طلاب بلاده بكمبيوترات لوحية متبعاً نموذج كوريا الجنوبية كما وافق على تشريع يتطلب من محافظي الأقاليم المختلفة المحافظة على توازن الميزانية. أما المكسيك فإن رئيسها الحالي «أنريكي بينا نييتو» يبني على إنجازات الرئيس السابق «فيليبي كالديرون» ويقود باقي اللاتين بعيداً عن الماضي الشعبوي، من خلال الاعتماد على تنويع الاقتصاد واجتذاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، والاستفادة بالمزايا التي توفرها اتفاقية «النافتا» وغيرها من اتفاقيات التجارة الحرة التي ساعدت سياسة التنويع، وساهمت في نفس الوقت في تخفيض أسعار السلع الاستهلاكية بنسبة خمسين في المئة منذ عام 2000 مما سمح لاقتصادها بالنمو بنسبة 4 في المئة ومن المتوقع أن ينمو بمعدل أسرع عام 2013. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©