السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هندوراس... وحدود «التدخلية» الأميركية

27 أكتوبر 2009 01:03
لم يتنبأ محلل أميركي واحد بأن موضوع هندوراس سيمثل تحدياً مفصلياً لسياسة أوباما الأميركية اللاتينية. ولكن بعد أن أثبتت التطورات أنه كذلك بالفعل، فمن المفترض ألا يمثل هذا الأمر مفاجأة لأي أحد... لماذا؟ لأن هناك -على الأقل- شيئا مماثلا لهذا وقع في عام 1963 عندما تخلى الرئيس الأسبق "جون كنيدي" عن سياسته المعلنة بشأن سحب الاعتراف الدبلوماسي من الأنظمة التي تستولي على الحكم بالقوة، وذلك بعد أن أقنعه الانقلاب الذي وقع في هندوراس حينها، بأن إصرار الولايات المتحدة على فرض الديمقراطية الانتخابية في دول أميركا اللاتينية هو عملياً نهج غير واقعي، ولن يكون له تأثير يذكر في المحصلة النهائية. وفي عقد الثمانينيات من القرن الماضي، أصبحت هندوراس قاعدة للجهود الممولة والموجهة من قبل الولايات المتحدة، للإطاحة بحكومة "الساندينيستا" اليسارية في نيكاراجوا، ولإحباط تمرد العصابات في غابات السلفادور. وفي نهاية المطاف، أصبحت المساعدات الأميركية السرية، وغير الشرعية لقوات "الكونترا" المناوئة لنظام "الساندينيستا" هي الموضوع الرئيسي في النقاشات الحزبية في واشنطن في فترة الثمانينيات، والتي تمحورت حول الكيفية التي ينبغي أن تكون عليها علاقات الولايات المتحدة بأميركا اللاتينية. والشيء الذي يعيد هندوراس، وأميركا الوسطى بشكل عام، إلى قاعات البحث، وقلب ساحات النقاش في الولايات المتحدة، المرة بعد الأخرى، ليس الأهمية الاقتصادية، والأمنية، والاستراتيجية، للقارة اللاتينية بالنسبة للولايات المتحدة، بل يمكن القول إن العكس تماما هو الصحيح. بمعنى أن الأهمية المحدودة إلى حد كبير لأميركا الوسطى بالنسبة للولايات المتحدة، اقتصادياً، وعسكرياً، وسياسياً، هي التي تسمح لصناع السياسة في واشنطن بتبني اتجاهات متعارضة -ومظهرية في جوهرها- عند صياغتهم لسياسات أميركا تجاه تلك البلدان القريبة، والمنكشفة أمام المخاطر في ذات الوقت. وفي الوقت الراهن، وتماما مثلما كان الأمر في ثمانينيات القرن الماضي، نجد أن دعاة التدخل سواء من المحافظين أو الليبراليين في واشنطن، يحاولون فرض وجهة نظرهم، من غير أن تتوافر لديهم معرفة كافية، أو فهم دقيق لتفاصيل السياسات المتعلقة بهندوراس. فالناشطون الليبراليون سواء الموجودين داخل إدارة أوباما أو خارجها، سارعوا إلى انتهاز الفرصة، لإقناع حكومة الولايات المتحدة بمعارضة الانقلاب وما نجم عنه من إطاحة بالقوة وإبعاد للرئيس الهندوراسي مانويل زيلايا. والكثيرون من هؤلاء فعلوا ذلك، دون أن يهتموا لا كثيراً ولا قليلا بصفات الرئيس المخلوع زيلايا المتمثلة في الجموح والطيش والميل لتكرار الأخطاء، والسعي غير المشروع لإطالة أمد حكمه -على رغم أن دستور بلاده يحظر إعادة انتخاب الرئيس- بالإضافة إلى المشاعر القوية المناوئة له في أوساط السلطتين القضائية والتشريعية. وفي مواجهة الرفض العنيد من جانب سلطات الأمر الواقع في هندوراس، للتفاوض على أي حل يستدعي بشكل ظاهر أو ضمني مسألة شرعية أو عدم شرعية الإطاحة بالرئيس، عمل العديد من الناشطين الليبراليين في الولايات المتحدة، على دعوة الإدارة إلى تطبيق المزيد من العقوبات، واتباع سياسات أكثر تدخلية من أجل عكس اتجاه ميراث عقود من الممارسات السابقة في دول القارة الأخرى في الأساس، وليس انطلاقاً من ثقة حقيقية بأن هندوراس ذاتها ستكون أفضل حالا إذا ما تمت إعادة زيلايا إلى منصبه. وفي الوقت نفسه تفاعل عدد من كبار الساسة "الجمهوريين"، في مجلس الشيوخ، تحت قيادة "جيم دي مينت"(من ساوث كارولينا) مع موضوع هندوراس بنفس الحماس الذي تفاعل به الليبراليون، وإن كان ذلك من خلال تبني رأي مضاد، حيث هاجموا موقف إدارة أوباما، ووصفوه بأنه لا يزيد عن كونه جهداً غير محترف للتقرب من دول أميركا اللاتينية، ويصب في النهاية في مصلحة معسكر "هوجو شافيز" وأتباعه. وعلى ما يبدو فإنهم لا يظهرون اهتماماً كبيراً، بأن الإطاحة بالرئيس زيلايا بالقوة، دون توجيه تهمة محددة إليه، أمر يتنافى مع الدستور في هندوراس نفسها، كما أنهم لا يبدون مبالين تجاه المشاعر العامة لشعوب أميركا اللاتينية التي ترى أن مثل هذا العمل الوقح يجب أن يقاوم، لئلا يكون سبباً في عودة أيام التدخلات الأجنبية العسكرية المتكررة في دول القارة الجنوبية. وقد بلغ تعصب تلك الزمرة من "الجمهوريين" حداً دفع " دي مينت" إلى منع مجلس الشيوخ من الموافقة على تعيين أعضاء فريق السياسة الأميركية في أميركا الجنوبية، وهو نهج غير سليم يهزم نفسه بنفس. والراهن أن الضغوط المتناقضة للناشطين الليبراليين والمحافظين في واشنطن، جعلت حل المأزق الهندوراسي أمراً أصعب كثيراً مما كان ينبغي أن يكون عليه. والملامح العامة للحل معروفة منذ عدة أسابيع وتتمثل في: عودة زيلايا إلى منصبه لفترة قصيرة، وتشكيل حكومة انتقالية مهمتها إجراء الانتخابات، ثم إجراء الانتخابات المقررة في نوفمبر من دون مشاركة زيلايا، وإسقاط التهم المرفوعة ضده وضد هؤلاء الذين أطاحوا به من منصبه، والموافقة على مراقبة الانتخابات. وتفاصيل هذا الحل التوافقي قد تعلن عما قريب، ولكن حتى إذا ما تم هذا فإنه سيكون قد تأجل لأسابيع ثمينة على حساب هندوراس وحساب الكثير من أبناء شعبها، بسبب التفاعلات الداخلية للفرقاء السياسيين الهندوراسيين العنيدين من ناحية، وبسبب المناوشات السياسية في واشنطن التي لا علاقة لها بهندوراس. وفي نظري الشخصي أن الوقت قد حان كي يكون أداؤنا في هذه المسألة بالذات أفضل من كل ما تم اتباعه من مقاربات حتى الآن تجاه أزمة هندوراس السياسية. أستاذ العلاقات الدولية بجامعة ساوثرن كاليفورنيا وزميل رفيع بمعهد بروكنجز ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©