السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مرحلة المتاهات العربية

27 أكتوبر 2009 01:03
بدأت إيران، على ما يبدو حتى الآن، تحقيق بعض طموحاتها. لم يعد أحد يعتقد أن الخيار العسكري الأميركي (أو الإسرائيلي) لا يزال وارداً ضدها. لم تعد العقوبات المشددة متداولة. حتى أن الدول الغربية ارتضت "التخصيب الموجّه" لليورانيوم ونسيت المصطلح الذي ألحت عليه طوال خمسة أعوام، وهو "وقف التخصيب". ولا يعني ذلك سوى أن الدول الكبرى اقتنعت أخيراً، أو بدأت تقتنع، أو لعلها قبلت الآن، أن البرنامج النووي ليس عسكرياً، وإلا لما وافقت على اتفاق نقل التخصيب إلى روسيا وعلى توفير الوقود النووي المصنّع في فرنسا لإيران. شعرت إسرائيل بأنها في صدد خسارة ورقة "التهديد الإيراني" التي استخدمتها بإفراط للتهويل بها وللتخلص من أي ضغوط عليها للانخراط جدياً في مفاوضات سلام حقيقي مع الفلسطينيين والعرب. لذا جدد وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك المطالبة بوجوب الإصرار على "وقف التخصيب" في إيران، لكنه بات يعرف أن الدول الكبرى دخلت مفاوضات جنيف وهي معترفة مسبقاً بـ"حق إيران" في إنتاج الطاقة النووية للأغراض المدنية والسلمية، وبالتالي فإن التخصيب مقبول في هذا الإطار، أما عسكرته فهي مرفوضة. التغيير الحاسم على المستوى الدولي كان أميركياً، إذ اقتربت إدارة باراك أوباما إلى الموقفين الروسي والصيني، إلى حد أن بعض المواقف الفرنسية أو الألمانية بدا كأنه يفتعل التطرف أو يوحي بتوزيع أدوار أو يعمل وفقاً للأجندة الإسرائيلية. لكن وضوح الموقف الأميركي بدد كل غموض، فواشنطن في ظل هذه الإدارة لا تريد الذهاب إلى حرب جديدة في المنطقة إلا إذا اضطرت اضطراراً لخوضها. يبقى حل عقدة التخصيب مجرد خطوة أولى في مسيرة الألف خطوة وصولا إلى تطبيع العلاقات بين إيران والغرب، فالأصعب لا يزال في الطريق. فحتى هذا الحل يستوجب تنازلات ستحاول طهران طمسها وتجهيلها، إذ أن أحداً لم ينسَ أن إيران كانت رفضت خيار نقل التخصيب إلى الخارج. لذلك سيكون طبيعياً أن تتشدد طهران في أي صفقات مقبلة، ومعها سيتشدد أيضاً حلفاؤها في مختلف دول الجوار أو الدول الأبعد. وإذا كانت لإيران أوراق إقليمية لم تبرزها أو لم تلعبها بعد فليس مستبعداً أن تبادر إلى تحريكها في المرحلة التالية. يشجعها على ذلك أن جيرانها العرب لم يبلوروا خلال الأعوام الأخيرة أي خطة مضادة لمواجهة التخطيط الإيراني المحكم. فكل ما سعت إليه طهران استطاعت أن تحققه سواء بالاختراق المنظم والسري لبعض الدول والمجتمعات، أو باختطاف قضايا العرب والتحكم بها كما في العراق وفلسطين ولبنان. في غضون ذلك لا يزال العرب ضائعين في المتاهة التي بنوها لأنفسهم، إذ أن الحيرة بين الاحتمالات الخاسرة لم تستقر بهم عند خيارات واضحة بل أوصلتهم إلى لا مكان. في مرحلة سابقة كانوا لا يرون مصلحة في حرب على إيران ولا في خروج إيران سالمة من مواجهتها مع الغرب. وفي المرحلة الراهنة، مع غلبة مؤشرات ميل الدول الكبرى إلى التفاهم مع إيران، لا يزال العرب يعتقدون أن عليهم الانتظار. فيما تفاوض إيران العالم على نفوذها ومستقبلها، يفضل العرب إدهاش أنفسهم وإدهاش أصدقائهم بتيههم بين متاهات كان لإيران دور حيوي في صنع بعضها: متاهة الحكومة المتعسرة والمتعثرة في لبنان، متاهة المصالحة المستحيلة بين الفلسطينيين، متاهة البحث عن سلام أهلي مستقر في اليمن، متاهة استعادة الصومال من الفوضى إلى الدولة، متاهة السلام الداخلي الضائع في السودان... فضلا عن متاهات ارتباك الدول شبه المستقرة بأوضاعها السياسية والاجتماعية. كان هناك رهان لا يخلو من عقلانية على تغيير إيجابي في السياسة الأميركية، تفعيلا لتوجهات باراك أوباما وإدارته، لكن إسرائيل أحبطته، هذا التغيير قد يحصل إيجابياً، لكن في اتجاه إيران. * كاتب ومحلل سياسي - لندن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©