الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قطر.. بوابة الاختراق الإيراني!

11 يونيو 2017 01:57
منذ اللحظة الأولى لقطع السعودية والإمارات والبحرين أشكال علاقاتها كافة مع قطر، قفز النظام الإيراني ليقتطع جزءاً من الجسد الخليجي مستغلاً الجهل السياسي للحكومة القطرية.. وأود قبل كل شيء تأكيد استخدام مصطلح «النظام الإيراني» في توصيف الحالة السياسية الإيرانية قبل الخوض حول كيفية استغلال النظام في طهران للأوضاع الحالية. فهذا النظام لا يعترف بمجلس التعاون الخليجي كمنظومة إقليمية متوحدة، بل ينظر دائماً إلى دول المجلس على أنها «دول مستقلة فيما بينها»... بمعنى أنه لا ينظر لدول المجلس بوصفها كتلة سياسية موحدة أو منظومة سياسية متكاملة؛ لأن النظر إلى مجلس التعاون ككتلة سياسية موحدة لا يتوافق ولا يتماشى مع رغبات النظام الإيراني لتحقيق المزيد من النفوذ في المنطقة، ولا مع محاولات هذا النظام إضعاف هذه الدول.. إذا كانت هناك أي خطوة أو منافذ أمام النظام الإيراني من شأنها أن تؤدي إلى تفكيك منظومة دول مجلس التعاون الخليجي مكتملة، فإنه لن يتوقف ولن يتوانى عن استغلالها... وقطع العلاقات مع قطر تراه طهران فرصة سانحة لها لتحقيق هذا الأمر، وهو تفكيك هذه المنظومة الخليجية، ومد النفوذ الإيراني بالمنطقة... إن النظر للأزمة الحالية ومعرفة كيف يمكن للنظام الإيراني استغلالها، يمكن إيجازها في زاويتين: - الأولى: الزاوية الاقتصادية، حيث يرى النظام الإيراني فيما حدث من قطع للعلاقات الاقتصادية والتجارية مع قطر، أن المنفذ الوحيد لقطر حالياً هي إيران... النظام في طهران يتحدث عن أن هناك نحو 5 مليارات دولار يمكن استغلالها في مسألة العلاقات مع قطر مع استمرار قطع العلاقات بينها وبين السعودية والإمارات والبحرين... فتح المجال الجوي أمام الطيران التجاري القطري هو أول أمر استغله النظام الإيراني، فهناك مؤشرات تشير إلى أن هناك نحو 200 رحلة طيران قادمة من الخطوط الجوية القطرية للأجواء الإيرانية... ومن المعروف دولياً أن الأجواء الإيرانية تشهد يومياً عبور نحو 955 طائرة، ومع فرض الحصار على قطر يتوقع إضافة 200 رحلة للخطوط الجوية القطرية، الأمر الذي سيرفع من دخل إيران عبر مرور الطائرات في أجوائها لأن إجمالي الرحلات الجوية عبر الأجواء الإيرانية سيرتفع إلى أكثر من 1100 رحلة يومياً، وهذا ما تنظر إليه إيران في استغلالها للأزمة الحالية. هناك أيضاً حقل الغاز المشترك بين إيران وقطر.. وهنا نقول إن السبب الأساسي الذي يدفع قطر للحفاظ على العلاقات الطيبة مع إيران يتمثل بشكل رئيس في ثروة الغاز، إذ تشترك الدوحة وطهران في حقل عملاق للغاز يقع تحت مياه الخليج.. هذا الحقل البحري الضخم والمشترك بين قطر وإيران، يغطي مساحة تبلغ نحو 9700 كيلومتر مربع، توجد منها 3700 كيلومتر مربع، تسمى حقول «بارس الجنوبية»، في المياه الإقليمية الإيرانية. وتقع المساحة المتبقية والتي تبلغ 6000 كيلو متر مربع، وتسمى «قبة الشمال»، في المياه الإقليمية لدولة قطر. ويقدر أن هذا الحقل يحتوي على كمية ضخمة من الغاز الطبيعي تمثل نحو 8% من احتياطيات الغاز في العالم، وحوالي 18 مليار برميل من المكثفات. وحسب التقديرات الدولية، فإن قطر بدأت بإنتاج الغاز من هذا الحقل عام 1991، قبل إيران بـ 11 عاماً، واستخرجت 214 مليار متر مكعب من الغاز حتى عام 2002 عندما بدأت إيران عملية الإنتاج. والمعروف أن قطر كانت قد استثمرت مبالغ كبيرة في هذا الحقل، وهو ما يعني أن النظام في إيران يمكنه الدخول على هذا الخط واستغلال مسألة الاستثمار في حقول الغاز بعد ان فشل النظام الإيراني في ذلك في الماضي بسبب وجود العقوبات الاقتصادية ضده.. فالنظام الإيراني لم يكن قبل رفع العقوبات الغربية، يستطيع منافسة قطر على استغلال الحقل، لعدم امتلاكه التقنيات المتطورة لتحويل الغاز إلى غاز مسال تضاهي بها التكنولوجيا المتاحة لقطر التي استقدمت شركات عالمية، واستغلت الحقل لتصبح أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم. ولكن بعد رفع العقوبات عن إيران مطلع عام 2016، يبدو أن طهران اتجهت لامتلاك تقنيات تشابه أو تتفوق على التقنيات التي تستخدمها قطر في حقل غاز الشمال وهو ما أدى إلى إشعال المنافسة بين الطرفين على الحصص السوقية للغاز في العالم. ولتحقيق مكاسب هنا، فإن من المؤكد أن النظام الإيراني سوف يسعى لتقديم «نوع» من التنازلات والتفاهمات الاقتصادية لقطر للاستفادة من الوضع واستغلاله والبحث عن تفاهم جديد مع الجانب القطري فيما يتعلق باستغلال حقول الغاز المشاركة... ثانياً: الزاوية السياسية: فيما يتعلق بالجانب السياسي، سوف يستغل النظام الإيراني الوضع الحالي لتحقيق رغباته في تفكيك منظومة مجلس التعاون الخليجي... وهذا مع حدث في اليوم الأول للأزمة، حيث بدأ وزير خارجية النظام الإيراني بالفعل بإجراء اتصالات مع نظرائه في المنطقة، وفي العالم لإبراز الدور الإقليمي لإيران في إدارة الأزمات بالمنطقة... وهذا الطرح هو مجرد «بروبجندا»؛ لأن المعروف أن النظام الإيراني يتبع على الدوام سياسة التأزيم وليس التهدئة في أي أزمة أو مشكلة سياسية... هذا هو سلوك هذا النظام على الدوام... هناك زاوية أخرى وهي التناقض في منظور السياسة الإيرانية تجاه قطر... فالنظام الإيراني يرى أن قطر تقف ضد مصالح الوجود الإيراني في سوريا من خلال دعمها للجماعات الإرهابية مثل «جبهة النصرة» و «أحرار الشام»... ولكن هذا النظام ينظر أيضاً إلى الدولة نفسه، وهي قطر هنا في منطقة الخليج العربي على أنها دولة صديقة، ويمكن اختراقها لتفكيك منظومة مجلس التعاون الخليجي!!!... وهذا تناقض كبير... ففي الوقت الذي يرى فيه النظام الإيراني أن قطر تدعم الإرهاب في سوريا والعراق، فإنها ترى في ازمتها الحالية أنها منفذ استراتيجي للنظام الإيراني لتفكيك منظومة المجلس...!! السؤال الذي يفرض نفسه بقوة هو: كيف يمكن لمجلس التعاون مواجهة هذا الأمر؟ إن ما قامت له قطر من خرق سافر لمبادئ قيام منظومة دول مجلس التعاون الخليجي، أضر كثيرا بهذا الكيان الخليجي المتوحد، وفتح الأبواب على مصاريعها للنظام الإيراني باختراق منظومة المجلس... ولا بد من إعادة اللحمة للبيت الخليجي من خلال وحدة واستراتيجية متكاملة وواضحة المعالم... فعندما تكون لدينا رؤية واضحة، يمكننا مواجهة السياسة التوسعية للنظام الإيراني... هناك تهديد مباشر من النظام الإيراني ومن مليشياته في المنطقة وهو تهديد يضرب الأمن القومي الخليجي بشكل خاص والأمن القومي العربي عموماً... ولمواجهة الأمر لا بد من عودة اللحمة الخليجية.. ولكن لا يعني ذلك أن نتغاضى عما ارتكبته القيادة القطرية من أخطاء جسيمة تضر بشرعية السلطة وتضر بالدرجة الأولى بالعقد الاجتماعي ما بين الحاكم والمحكوم في دول المجلس... لا بد من أن تتحمل قطر نتائج وتداعيات خرقها لمبادئ وأسس وعقيدة منظومة إنشاء مجلس التعاون الخليجي، وأن تدفع ثمن ما ارتكبته، ولا بد من مراجعة كاملة وشاملة للسياسة الخرقاء لحكومة قطر قبل الحديث عن إعادة صياغة العلاقات الاستراتيجية لدول مجلس التعاون الخليجي. *صحفي إماراتي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©