السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ثاني أيام «السينمائي التراثي»: نعومة في الإخراج وقوة في التمثيل والمضمون

ثاني أيام «السينمائي التراثي»: نعومة في الإخراج وقوة في التمثيل والمضمون
8 ابريل 2013 20:17
لم يكن شعار «نساء قويات» الذي اختاره منظمو المهرجان السينمائي التراثي دعائياً أو عابراً، بل إنه تجسد في كل فيلم من الأفلام المعروضة، وإنْ بأشكال مختلفة ومن زوايا متعددة. ففي كل واحد من الأفلام الستة التي عُرضت في ثاني أيام المهرجان هناك صيحة امرأة، وليس صرخة مغلوبة على أمرها كما تعودنا في السابق. المرأة هنا تنتزع حقها بنفسها ولا تكتفي بالشكوى، تثور على وضع قائم، بطريقتها الخاصة. فهي تتحدى زملاءها المتنمرين والساخرين من شكلها البدين، وتقرر الرقص وهي طفلة يافعة أمام المئات في فيلم «ألينا» الألماني، وهي الزوجة المتسامحة، لكن القادرة على فضح المعتدي عليها، ولو كان زوجها عندما يتجاوز حده في فيلم «نقطة اللاعودة» الألماني، وهي زوجة قادرة على هزيمة الرجل عند منازلته في مباراة عرضية للكونج فو في محاولة للفت انتباه زوجها صاحب مرسم مهتم بلوحاته ومهمل لزوجته في فيلم «أسود وأبيض» الإماراتي، وهي عشيقة تقر بهزيمتها أمام زوجة عشيقها بعد انتظار قدومه إلى موعدهما عشر ساعات، قبل أن تتقبل اعتذاره وتُقر بأن زوجته أَوْلى به منها في فيلم «عشر ساعات» الإماراتي. هشام أحناش (أبوظبي) - أكدت الطاقات الشابة للمخرجين الإماراتية حضورها في ثاني أيام المهرجان السينمائي التراثي بفيلمين مختلفين في الحبكة والتمثيل والإخراج، متفقين في الجوهر والمضمون. ففي فيلم «عشر ساعات» الذي ينتجه ويخرجه أربع مخرجات ومخرج واحد، نجد عملاً جماعياً لا يخلو من قوة، بدءاً بشجاعة مخرجاته الشابات وخوضهن تجربة الإخراج، وانتهاءً بتقديمهن فكرة كسر «تابو» مجتمعي وجرأتهن بعرض تجربة شابة عشيقة لرجل متزوج، ومراحل انتظارها له عشر ساعات متواصلة، تاركات الباب مفتوحاً للمتفرج ليحكم عليها ويحدد بنفسه نوع التجاوب معها. فالمتفرج المحافظ في المجتمع الذكوري قد يحتقر هذه العشيقة ويرى أنها تستحق عناء الانتظار وأسوأ من ذلك، باعتبارها سمحت لنفسها بإقامة علاقة مع رجل متزوج وتخريب بيته، بينما قد يتعاطف معها المتفرج المنفتح، ويرى بأن تقبُلها هزيمتها أمام الزوجة الشرعية لعشيقها وإقرارها بأنها أولى بها منه يعكس قوة دفينة في شخصيتها، وندماً على ما تفعله، مغلفاً بأمل في أن تحظى هي بدورها بحياة عاطفية أفضل وأكثر قبولاً في مجتمعها. هو مونولوج من سبع دقائق يختزل عشر ساعات من الانتظار، يكشف ما يقع خلف جدران بعض البيوت من خيانات أزواج مع عشيقات «طيبات وشريرات»، في غفلة من زوجاتهن الشرعيات. أزمة مهارات وعلاقات يروي المخرج الإماراتي السينمائي في فيلم «أسود وأبيض» قصة زوجين إماراتيين في قالب كوميدي ساخر، ويصور في عشر دقائق أزمة العلاقات والمهارات التي تعانيها كل واحدة منهما، فأحد الزوجين يهوى رياضة الكونج فو، ويحلم بها لدرجة أنه يسرح عن زوجته وهي تُملي عليه ما يجب عليه جلبه من أغراض يومية لدى عودته من البيت، وتذكره بما ينبغي عليه القيام به من مهام اجتماعية كالاتصال بأمه. أما الزوج الآخر، فهو منفصل عاطفياً تماماً عن زوجته، ولا يهتم لا بكلامها ولا بروحاتها وطلعاتها، فيما يلقي كامل اهتمامه على اللوحات الفنية التي تباع في المرسم الذي يديره. تشعر هذه الزوجة بالتهميش والاستفزاز، فتسعى للانتقام من هذا الزوج اللامبالي أو على الأقل لفت انتباهه، فتذهب إلى المرسم وتُقاتل الموظف الذي يهوى قتال الكونج فو وتهزمه شر هزيمة، قبل أن تغادر وفي يدها اللوحة لتريها لزوجها، لكن انشغاله عنها باللوحة المسروقة الموجودة في بيته وأمام ناظريه يمنعه من الالتفات إليها، ويفوت على نفسه فرصة اكتشاف العمل «القتالي البطولي» الذي قامت به، لتأخذ اللوحة إلى غرفتها وتنتشي بنصرها لوحدها، بينما يعود هاوي الكونج فو، وهو يزف بشرى إلى زوجته بطرده من العمل، وعودته إلى البيت خاوي الوفاض، دون جلب أي غرض من الأغراض التي أوصت بها ولا بالاتصال بأمه، حماتها. وجدير بالذكر أن هذا الفيلم كان من أكثر الأفلام التي تفاعل معها الجمهور بمنارة السعديات، نظراً لطابع الآكشن والكوميديا الذي تميز به، ناهيك عن كونهم يرون زوجة إماراتية تتقن فنون القتال ورياضة الكونج فو وتملك الشجاعة لفعل أي شيء لاستعادة انتباه زوجها، لكن دون جدوى. يحمل الفيلم كثيراً من الرسائل المباشرة وغير المباشرة. كما يفند الصورة النمطية حول كره الزوجة لحماتها، وتبرع الممثلة في تجسيد دور الزوجة «الزنانة»، والزوج الميال إلى الصمت والاستماع دون انتباه، حينما تكون زوجته تتكلم دون انقطاع. الطيارة السعودية في فيلمها «ثلاث عرائس وطائرة ورقية»، تحكي المخرجة هند الفهد قصة طفلة سعودية حلمت بقيادة الطائرات، وتمكنت من تحقيق حلمها في مجتمع لا يسمح للمرأة بقيادة السيارة، وذلك في إحالة إلى هنادي الهندي، أول كابتن طيار سعودية. فهذه الطفلة التي دأبت في صغرها على اللعب بثلاث عرائس وطائرة ورقية، والعبث بأغراض أخيها في غرفته وحب الكاراتيه ورياضات توصف في المجتمع بأنها رياضات ذكورية لا يحق للمرأة مجرد التفكير في ممارستها، تصبح نموذجاً لثورة النساء السعوديات على القوانين الذكورية الأرضية بتحقيق إنجاز جوي، والتحليق في فضاء فات على المشرعين إدخاله ضمن حيز المنع، وربما جعلهم يعضون أصابعهم من الندم، بينما جعل النساء السعوديات لا محالة يفخرن بهذا الإنجاز التحدي. تعاني الطفلة قسوة الأب في التعامل معها، لكن أمها تكون ذلك الظل الحنون الذي يخفف عليها ويحتضنها كلما تكبدت سباب الأب وشتائمه. نحن هنا إذن ضمن قوة متعددة الأوجه، قوة الطفلة التي أصبحت طيارة، وقوة الأم التي كانت وراء العظمة التي وصلت إليها ابنتها، وقوة نموذج المرأة السعودي القادرة على مفاجأة الجميع، وأن تحقق في السماء ما لم يُسمح لها بتحقيقه في الأرض. عنف زوجي وتنمر أبدعت المخرجة الألمانية ستيفاني أولتهوف في نقل إحدى صور الزوجة الألمانية، وهي العنف الزوجي، ونجحت في إقناع الجمهور في أبوظبي بأن العنف ضد الزوجات هو ظاهرة لا تقتصر على العالم العربي، كما تحب بعض منابر الإعلام الغربي أن تصوره، وإنما يقع أيضاً في الدول الأوروبية التي يصور الإعلام أن زمن الجور عليها وضربها قد ولى دون رجعة. تذهب بطلة الفيلم إلى مركز شرطة بمدينة ميونخ، وهي في حالة نفسية مزرية لتبلغ عن زوجها الذي يمعن في ركلها وضربها نتيجة إسرافه في السكر في أكثر من ليلة. تبدو الزوجة الضحية خلال تسجيل وقائع البلاغ ضد زوجها أنها لا تريد له أي سوء، وإنما تريده أن يتوقف عن ضربها فقط، فتبدو قوية في عاطفتها تجاهه. ترغب في لحظة ما بالتراجع عن بلاغها، وترفض أن يحضروه إلى مركز الشرطة، وتشعر بالخوف. يهددها عندما يحضر ويدعي أمام الشرطيين أن أمورهما الزوجية بخير، ويطلب السماح له بأخذها إلى البيت لتهدئتها، ويدعي أنها تتلقى علاجاً نفسياً فيكاد الشرطيان يصدقانه، فيزداد غيظها وترفض العودة معه إلى البيت، ويدفعها عدم تصديق الشرطة لافتراءاته إلى اتخاذ قرار وضع حد لتجاوزاته وتكشف جسدها أمامهما، لتشهد الكدمات التي رسمها في كل أنحاء جسمها عن مدى الضرب والركل والعنف الذي كان يمارسه ضدها، وليكون هذا المشهد القوي الذي ختم به الفيلم صرخة في وجه الزوج، وصيحة في وجه الشرطة بأن رقة مشاعرها ومراعاتها لا يمكن أن تمنعها من اتخاذ القرار المناسب، عندما تصل الأمور إلى «نقطة اللاعودة». وفي فيلم «ألينا: الآنسة نيوكولن الصغيرة»، تروي المخرجة الألمانية ستيفان ألتريشتير خلال ربع ساعة قصة طفلة يافعة تركية تعيش مع عائلتها المحافظة في برلين، وتحلم بأن تصبح راقصة بوليوود وتعتلي المسرح. تقدم لها أسرتها كل الدعم من أجل مساعدتها على تحقيق حلمها، لكنها تواجه مثبطات عديدة خارج البيت. إذ تواجه تنمر زملائها في المدرسة وسخريتهم من بدانتها، وتكابد الوحدة والعزلة ونفور الأطفال من مصادقتها، لكنها تصر مع ذلك بمساعدة أسرتها وإحدى موظفات دعم المواهب على مواصلة الطريق نحو حلمها، وتكسر ذلك العرف المجتمعي الذي يفرض على الراقصة أن تكون رشيقة القد والقوام، فتثبت أمام مئات الجماهير في أول عرض راقص لها أنها قادرة على إبهارهم. وفي رحلتها للوصول إلى خشبة المسرح، تنضج الكثير من الجوانب الشخصية لدى الطفلة ألينا، فتصبح أكثر ثقة بنفسها، وأقدر على تجاهل الانتقادات الهدامة، والملاحظات المحبطة، وسلوكات المتنمرين من زملائها، وتتعلم قيماً حياتية تصبح جزءاً لا يتجزأ من شخصيتها، وهي أن تمضي قدماً في تحقيق أمنيتها بصرف النظر عن نوع نظرة المجتمع إليه. قد لا يكون الحلم الذي سعت إلينا لتحقيقه حلم بقية الأطفال، لكن تميز الحلم هو بحد ذاته قوة وطموح يمهدان الطريق لصاحبه للوصول إلى مبتغاه، بصرف النظر عن اتفاقنا، أو اختلافنا عن مدى ملاءمته لطفلة في الحادية عشرة من عمرها. اجتمعت الأفلام الستة في تقدير قوة المرأة، واتفقت مخرجاتها على صعوبة تجربة الإخراج التي خضنها، باعتبار العالم عموماً والوطن العربي خصوصاً تَعَود على مخرج رجل، واعترفن بصعوبة إيجاد التمويل، لكنهن أكدن ضرورة التحلي بالصبر والاقتناع بالنفس والتعبير بحرية عن كل شيء. قُلن بصوت واحد إن الأمور تغيرت كثيراً في العقد الأخير بالوطن العربي، وإن النساء العربيات أصبحن قادرات على انتزاع حقوقهن بأنفسهن، وليس المطالبة بها، فقد أصبحن ناضجات بما يكفي لفعل ذلك وتحقيق أحلامهن لآخر رمق.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©