الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إعادة البناء... حان دور العراقيين

إعادة البناء... حان دور العراقيين
18 أغسطس 2008 01:13
على امتداد منطقة الشرق الأوسط كلها، من أبوظبي وحتى اليمن، أدى الارتفاع المهول في أسعار النفط إلى اتساع مشروعات البناء والتشييد وانتعاش سوق العمل· لكن مع ذلك، تسود البطالة في العراق بنسبة 25 في المئة من إجمالي السكان، بينما لا تزيد ساعات الإمداد الكهربائي في العاصمة بغداد على 11 ساعة يومياً· وبين هذا وذاك شرد نحو أربعة ملايين عراقي من بيوتهم وديارهم بسبب العنف، وهم في أمسِّ الحاجة لإعادة توطينهم· وبعد مضي خمس سنوات على الحرب، لا يزال العراق بحاجة ملحة لإعادة البناء· وليس السبب وراء تخلف الواقع العراقي هو عجزه عن نيل نصيبه من ارتفاع أسعار النفط العالمي· فللعراق ثلث الاحتياطي العالمي من النفط، بينما تواصل الحكومة العراقية تكديس أرصدتها من الدولارات العائدة عليها من النفط، في البنوك الأميركية· وقد أظهر تقرير صادر عن مكتب المحاسبة الحكومي مؤخراً، أن من المتوقع أن تصل عائدات النفط العراقي هذا العام نحو 85 مليار دولار، ما يعني زيادة في ميزانية الحكومة العراقية قدرها 50 مليار دولار· ولكن على رغم هذا التدفق الهائل للأموال، فإن القيادة العراقية لا تزال بعيدة عن تحمل مسؤوليتها إزاء إعمار بلادها· وبدلاً منها يتحمل الجيش الأميركي هذه المسؤولية، ويسدد عنها فواتيرها الباهظة· فخلال العامين الماضيين، وبينما بلغت عائدات العراق ما يقارب الـ100 مليار دولار، لم ينفق منها سوى ملياري دولار فحسب على الاستثمارات الرأسمالية، مثل تعبيد الطرق وخدمات الكهرباء والمياه، وساهم دافعو الضريبة الأميركيون بنحو 48 مليار دولار خلال الفترة نفسها في مشروعات إعادة البناء· والملاحظ أن ما يقدر بنسبة 50 في المئة من المبلغ الأخير قد خصص للبنى التحتية الخاصة بالنفط والكهرباء· وإلى جانب ذلك ساهمت الولايات المتحدة في ترميم وصيانة 3000 مدرسة وتدريب 30 ألف معلم عراقي وتوزيع 8 ملايين من الكتب المدرسية على التلاميذ، إضافة إلى إعادة بناء نظم الري لنحو 400 ألف نسمة، وتمويل المشروعات الخاصة بتحسين نوعية مياه الشرب، وبناء الجسور والطرق ونظم معالجة الصرف الصحي والمطارات· كما شمل هذا الإنفاق المبالغ التي خصصت لأنابيب ومصافي النفط كذلك· صحيح أن الولايات المتحدة هي من غزا العراق، وأنه ليس في وسع كل الذي أنجزناه هناك طوال السنوات الخمس الماضية، أن يعوض للعراقيين ما تكبدوه من معاناة سببتها لهم الحرب التي شنتها عليهم بلادنا· ولكن في وقت يعاني فيه اقتصادنا القومي مظاهر التراجع والضعف، وتحتاج الجسور والطرق والمطارات الأميركية نفسها إلى الإصلاح والترميم، فإن من الطبيعي أن نتساءل عما إذا كان على أميركا أن تواصل التزامها إزاء إعادة بناء العراق بكل هذا الحجم والتكلفة الباهظين؟ ومما يزيد الأمر سوءاً أن المستهلكين العراقيين أنفسهم يحصلون على النفط من محطات التزويد، بسعر مدعوم حكومياً زهيد للغاية هو 1,35 دولار للجالون، بينما يشتري الجيش الأميركي- الذي يعد أكبر مستهلك عالمي للوقود- الجالون بسعر 3,23 دولار، مع ملاحظة أن هذه التكلفة تصل إلى 8 دولارات للجالون الواحد بالنسبة لوقود أنواع معينة من الطائرات النفاثة التابعة له· وبالمقارنة تقدم دول حليفة أخرى تخفيضات كبيرة في أسعار الوقود لقوات جيشنا! والمعلوم أن عمليات الجيش الأميركي في العراق تستهلك ما يزيد على مليون جالون يومياً، تستخدم في تزويد القواعد العسكرية بالطاقة الكهربائية اللازمة، وكذلك في تزويد الشاحنات والطائرات والدبابات والسفن وغيرها من المحركات الحربية بالوقود· بل إن هناك حاجة إضافية لوقود الشحن والعمليات اللوجستية· وضمن ذلك فإن نسبة 70 في المئة من الشاحنات الأميركية النهمة للوقود في العراق، تستخدم في نقل وتوزيع منتجات النفط إلى شتى أنحاء البلاد، مع ملاحظة أن هذه الشاحنات تسير في قافلات تحت حماية عسكرية تتطلب هي أيضاً محركات عسكرية مرافقة لها ونهمة للوقود مثلها· والملاحظة الأهم أن كمية الوقود التي يحتاجها الجيش لخدمة كل مواطن عراقي، قد تضاعفت حوالي 16 مرة مقارنة بما كانت عليه في الحرب العالمية الثانية· وهكذا تتكبد الولايات المتحدة مسؤولية باهظة التكلفة والثمن في عملية بناء العراق، بينما تواصل الحكومة العراقية توفير أموالها وعائداتها وتكديسها في حسابات مصرفية عاطلة غير مثمرة في الخارج! وهذا ما يدعونا إلى القول إنه حان للحكومة العراقية أن تضطلع مالياً وعسكرياً بمهمة إعادة بناء بلادها بما يساعدها على الوقوف على قدميها· وفي المقابل فقد حان للولايات المتحدة أن تتخلى عن انهماكها في مشروعات إعادة البنية التحتية للعراق، وأن تنصرف بدلاً منها إلى مساعدة الحكومة العراقية على تحمل المسؤولية هذه إزاء بلادها ومواطنيها· وعلى وجه التحديد، فإنه لابد من وضع آلية تضمن التوزيع العادل لعائدات النفط العراقي على امتداد البلاد كلها، وأن تسخّر هذه العائدات في المشروعات الاستثمارية بدلاً من أن تذهب إلى جيوب البيروقراطيين الفاسدين والوسطاء الشرهين· وربما تشمل هذه الآلية تخصيص نسبة معينة من عائدات النفط لمشروعات إعادة البناء تحت إدارة وإشراف صندوق ائتماني معين يُنشأ لهذا الغرض· وأياً تكن متطلبات وضع هذه الآلية، فإن من الضروري التحرك في اتجاهها بأسرع ما يمكن، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات في كلا البلدين- أميركا والعراق معاً- علماً بأن كليهما يحاول أن يصل الى اتفاق سياسي بشأن الدور المستقبلي لأميركا في العراق· والواجب أن يكتسب برنامج إعادة بناء العراق طابعاً داخلياً وطنياً، فذلك أجدى للعراقيين، ولدافع الضريبة الأميركي الذي طالما أرهقته تكلفة هذه الحرب الغبيَّة حقاً· جوزيف إي· ستيجلتز حاصل على جائزة نوبل وأستاذ الاقتصاد بجامعة كولومبيا ليندا جي· بليمز أستاذة السياسات العامة بمدرسة كنيدي لشؤون الحكم بجامعة هارفارد مؤلفا كتاب ''حرب الثلاثة مليارات دولار: التكلفة الحقيقية لحرب العراق ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©