الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قندز...وملامح المشهد في الشمال الأفغاني

28 أكتوبر 2009 00:18
حطام الشاحنات-الصهاريج المحترقة على أبواب هذه العاصمة الإقليمية ينتصب شاهداً على التمدد المتزايد لـ "طالبان" ومقاتلين آخرين عبر شمال أفغانستان الذي كان ينعم بالاستقرار في يوم من الأيام. فبينما تنتقل إدارة أوباما إلى مرحلة حاسمة من المناقشات حول الوجود العسكري الأميركي في أفغانستان، يصف سكان هذه المنطقة التي تمتد على شكل قوس وتبعد بحوالي نصف يوم بالسيارة عن العاصمة كابول، حياتهم اليومية بأنها باتت محفوفة بالمخاطر نتيجة تغلغل المقاتلين في المنطقة. فخارج حدود مدينة قندز بقليل، يقود المتمردون مركبات "فورد رينجرز" التي سرقوها من الشرطة الأفغانية. كما أن "حكومة ظل" تقودها "طالبان"، تضم محاكم وجباة ضرائب، تتمتع بسلطة أكبر مقارنة مع نظيرتها الرسمية في معظم إقليم قندز. حركة المرور خفيفة وسريعة على نحو ينم عن التوتر السائد على الطريق الرئيسي السريع، حيث الحواجز الطرقية والكمائن التي ينصبها المتمردون باتت أمراً مألوفا، وذلك لأسباب من بينها حقيقة أن خط إمدادات جديد تابع لـ"الناتو" يتجه من طاجكستان إلى الجنوب. وفي هذا الإطار، يقول عبد الرحمن، وهو بائع "آيس كريم" يخاف العودة إلى بيته الذي يقع في منطقة نائية: "لا يوجد أمان هنا، إنها الحرب"، مضيفاً "إن طالبان ليست في المدينة بعد، ولكنها موجودة في كل مكان في المناطق الريفية من حولنا، وأنا خائف". والواقع أن العديد من الأفغان يخشون أن تصبح المناطق النائية أكثر خطورة في حال مضى قائد قوات التحالف في البلاد، الجنرال الاميركي ستانلي ماكريستال، قدما في تنفيذ مخططات تقضي بالتخلي عن المراكز العسكرية النائية، والتركيز بالمقابل على الدفاع عن المراكز السكانية. ورغم أن عدد المتمردين في الشمال صغير نسبياً مقارنة مع عددهم في الجنوب -المكان الذي ظهرت فيه طالبان ومعقلها التقليدي– إلا أن مسؤولين عسكريين وزعماء محليين يتحدثون عن احتشاد مثير للقلق ومختلف تماما للمتمردين في المنطقة. وتساهم في هذا التدفق مجموعة متنوعة من فصائل المقاتلين: الأوزبك والشيشان المرتبطون بـ"القاعدة" والذين اشتهروا بقسوتهم وبأسهم، ومقاتلو "طالبان" الذين أرغمتهم ضربات "الناتو" في الجنوب على التراجع إلى الشمال، والجنود الموالون لعدد من قادة المتمردين الذين يتخذون من باكستان مقرًا لهم. وفي هذا السياق يقول الأميرال جريجوري سميث، المتحدث باسم ماكريستال "إنه خليط بلا شك". إقليم قندز، الذي يقع بين طاجكستان شمالا وإقليم باجلان جنوباً، يمثل من نواح كثيرة نموذجا ًمصغرا للبلاد، فهو يضم سكاناً مختلطين عرقياً، وكان يمثل لوقت طويل ملاذاً للمقاتلين وطريقاً للتهريب، كما أنه مجال حيث نفوذ الحكومة آخذ في التقلص خارج المراكز السكانية المهمة. وعلاوة على ذلك، فإنه يعد محورا ًاستراتيجياً؛ ذلك أنه حين كانت "طالبان" تسيطر على أفغانستان، كان إقليم قندز يمثل المركز الإداري للحركة الأصولية في كل الشمال. كما أنه يعد، إلى جانب "باجلان"، بوابة كوش الهندوسية، وهي الجبال الشاهقة التي تمثل الحاجز الطبيعي الوحيد بين الشمال وكابول. ويقول محمد عمر، الحاكم الإقليمي، الذي نجا مؤخراً من محاولة اغتيال دبرتها "طالبان": (إذا سقطت قندز، فإن كوش الهندوسية... ستصبح بين أيدي "طالبان" و"القاعدة"، وهو ما سيعد كارثة حقيقية). والواقع أن كثرة مجموعات المتمردين التي تنشط في قندز وباجلان تقدم لمحة نادرة عن تغير العداوات والولاءات بين "طالبان" و"القاعدة". ولعل إحدى الحلقات الأساسية بين الاثنين قائدُ المتمردين المهاب فترة الاتحاد السوفييتي قلب الدين حكمتيار، وهو من أبناء إقليم قندز . فمقاتلو حكمتيار يشنون في أحيان كثيرة هجمات على القوات الغربية وقوات الأمن الأفغانية في الشمال؛ غير أنه وفي ما يصفها محللون بأنها تقنية تحوط أفغانية كلاسيكية، يحرز القائد اختراقات في المنطقة في الوقت نفسه الذي يعمل فيه على مواصلة الضغط عبر ساحة المعركة. ويعتقد الكثيرون أن حكمتيار يحاول إيجاد موقع لنفسه استعداداً لإمكانية اقتسام السلطة في إدارة جديدة من المحتمل أن يقودها كرزاي. حيث يعمل الزعيم الأفغاني، الذي يواجه تحدي جولة انتخابية جديدة من وزيره السابق في الخارجية عبدالله عبدالله، على تمتين علاقاته بزعماء الحرب النافذين مثل حكمتيار، متجاهلا انزعاج الغرب من مثل هذه التحالفات. وفي هذا الإطار تقول حبيبة عرفان، العضو في المجلس الإقليمي في قندز: "إن حكمتيار يبحث عن نفوذ سياسي أكبر هنا". واللافت أن المتمردين في الشمال أظهروا وعياً كبيراً بالتصدعات الموجودة بين حلفاء "الناتو"، حيث يسعون بالخصوص إلى استغلال التوترات بين فريق قيادة ماكريستال والألمان، الذين يشكلون القوة الغربية الرئيسية في هذا الجزء من البلاد - فهذا الشهر، نصب المتمردون كمينا لقافلة تضم 40 شاحنة صهريج تنقل الوقود على بعد بضعة أميال عن أبواب مدينة قندز. ورغم أن الهجوم كان على مرأى من قاعدة عسكرية ألمانية تقع أعلى التل، إلا أن الجنود لم يتدخلوا. ولكن مقاربة عدم التدخل هذه تتباين بشكل قوي مع رد فعل الألمان في أوائل سبتمبر الماضي حين هوجمت قافلة أخرى تنقل الوقود من قبل متمردين على بعد مسافة قصيرة من قندز. وخشية استعمال شاحنتي الصهريج اللتين اختُطفتا في هجوم انتحاري ضد "القاعدة"، طلب الألمان ضربة جوية أميركية، ولكن الضربة أسفرت عن احتراق مدنيين ومتمردين على حد سواء. وفي هذا الإطار يقول المقدم كارستن سبيرينج، وهو متحدث رسمي في القاعدة الألمانية في قندز إن قادة المقاتلين "واعون جداً بوضعنا السياسي الداخلي، وهم ينفذون هجماتهم على هذا الأساس"، مضيفاً "إنهم يعلمون أنها مشكلة حين يُقتل جنودنا، ويعلمون أنها مشكلة حين يُقتل مدنيون أفغان". ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»
المصدر: قندز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©