السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

انتهازيون يستغلون «الرقية» لجني الأموال من جيوب الجزائريين

انتهازيون يستغلون «الرقية» لجني الأموال من جيوب الجزائريين
12 ابريل 2011 21:11
تشهد الرقية الشــرعية بالجزائر رواجاً كبيراً يترجمه الإقـبال الشـعبي الكثيف على مختلف الرقاة دون تمييز، وأدى رواج الظاهــرة إلى اقتحام آلاف الانتهازيين والمتطــفلين هذا المجـال ليتخذوا منه «مهنة» تدر عليهم أرباحاً معتبرة، غير أن المأساة لا تقتصر على المتاجرة بكلام الله، بل تعدت إلى ارتكاب جرائم قتل وإحداث عاهات مستديمة بأشخاص وكذا انتهاك حرمات بعض النساء ومآس أخرى. نظرت محكمة الجنايات لمجلس قضاء سيدي بلعباس، غرب الجزائر، مؤخراً، قضية شيخ في الـ69 من العمر، زعم أنه «يعالج» بـ «الرقية الشرعية» وتحت هذا الغطاء، قام بتكبيل شاب في الـ22 من عمره، وانهال عليه ضرباً بعصا غليظة بذريعة أنه يريد إخراج «الجني الذي يسكن جسده»، ثم قرَّبه من الموقد ليستنشق البخور فعرَّض وجهه لحروق من الدرجة الثانية، وأرغمه على تناول سائل مزيج من الماء والملح والكبريت، تحت ذريعة إرغام «الجني» المزعوم على الخروج من جسده، فسبَّب له في خاتمة المطاف قصوراً كلوياً دفع أباه إلى مقاضاته، فحُكم عليه بـ4 سنوات سجناً نافذاً. جرائم قتل أعادت هذه القضية إلى الأذهان قضايا أخرى مشابهة حدثت في السنوات الأخيرة، حيث ارتكب حمقى متطفلون على الرقية الشرعية جرائم قتل بذريعة تخليص مرضاهم من «الجن»، إذ قتل «راق» جاهل طفلين أخوين بمنطقة بابا الزوار بالجزائر العاصمة بعد أن أرغمهما على شرب 20 لتراً من الماء في جلسة واحدة. بينما قتل «راق» آخر سيدة بالبليدة، 50 كم غرب الجزائر، من فرط ضربها بالعصا، وكذا الدوس على صدرها، وكانت المرأة تستغيث، إلا أن «الراقي الجاهل»، قال لزوجها إن «الجني الذي يسكنها هو الذي يستغيث، ولن يرحمه»، وفعلاً لم يتركها حتى سقطت جثة هامدة، وتبيّن أثناء محاكمة «الراقي» أنه كان مجرد خباز بسيط في مخبزة أحد الخواص، وحينما لاحظ أن الرقية تدرّ أرباحاً كبيرة على ممتهنيها، قرر التحول إلى «راق» لتحسين وضعه المعيشي. ووقعت جريمة مشابهة بـ»الشراقة» غرب الجزائر العاصمة، حيث انهال «راق» ضرباً بالعصا على شاب حتى قتله، وكان يقول لأهله أيضاً إن «الجني هو الذي يصرخ من الألم، وليس ابنهم». وتعالج محكمة قسنطينة، 427 كم شرق الجزائر، هذه الأيام قضية أتهم فيها «راق» بانتهاك عرض سيدة بعد أن خدّر زوجها، بينما تعالج محكمة مستغانم غرب الجزائر قضية مشابهة، لكن المتهم فيها هو الزوج الذي أقدم على ذبح «راق» أمام الملأ حينما اكتشف أنه انتهك عرض زوجته. إغراءات الأرباح أحدثت هذه الجرائم وغيرها صدمة لدى الجزائريين الذين ينظرون إلى الرقية الشرعية على أنها علاج روحي بالدرجة الأولى قائم على كتاب الله تعالى، ولكن تبين لهم أن هناك متطفلين وانتهازيين ومنحرفين استغلوا إقبال العامة على الرقية لاتخاذها «مهنة» تدرّ عليهم أرباحاً طائلة وممارسة جرائمهم وعقدهم النفسية. إلى ذلك، يقول عبد الناصر لعجالي، طبيب أسنان من قسنطينة «هناك من يكتب لافتة رقية شرعية على باب بيته ليحوله بذلك إلى عيادة يستقبل فيها مرضاه، وهناك من أصدر بطاقة زيارة مكتوب فيها (راق دولي)، أليس هذا عبثاً؟». ويواصل «الظاهرة انتشرت في الثمانينيات على أنها البديل الشرعي للسحر والشعوذة، واقتنع الناس بهجر المشعوذين والإقبال على الرقية، ولكن كثيراً من الدجالين غير المعروفين تحوَّلوا إليها واتخذوها غطاءً لمواصلة ممارسة شعوذتهم، كما اقتحمها ذوو الثقافة الدينية السطحية الذين تحولوا بقدرة قادر إلى «رقاة» بمجرد أن قرأوا كتيبات للرقية وحفظوا بعض أدعيتها وكذا الآيات التي تُقرأ فيها، وهذا لكسب أرباح كبيرة، وحتى بعض الأئمة اقتحموا المجال لتحسين ظروفهم المعيشية بسبب ضعف أجورهم». ويقول الشيخ عبدالحميد رمّيتة، وهو راق منذ 25 سنة «كل من هب ودب أصبح يمتهن الرقية الشرعية وهو مطمئن إلى غياب الرقابة، هذه الظاهرة انحرفت في السنوات الأخيرة عن مسارها بكثرة غزو المتطفلين لها، ويغذيها جهلُ العامة وسكوت السلطات، حتى تحوّل الرقاة الأكْفاء الذين يمارسون الرقية وفق شروطها الصحيحة إلى أقلية في وسط هؤلاء الانتهازيين». ويضيف «بلغ الابتذال إلى درجة أن بعض الدخلاء على الرقية أصبحوا يبتدعون رقية للنجاح في التجارة وإيجاد مناصب شغل وإيجاد أزواج للفتيات، ورقية للسيارات وإكثار الرزق والغنم والبقر والثمار، وهناك من ابتدع «رقية جماعية» لعدة أشخاص في جلسة واحدة وبعضهم يرقي فيلات الأثرياء من (العين) بأثمان باهظة»، مشدداً «هذه سرقة لأموال الناس باسم الرقية». هيئة رقابة من جهته، يرى الشيخ يوسف بن حليمة، إمام مسجد العربي التبسي بحسين داي، بالجزائر العاصمة أن «أغلبية المشكلات المطروحة بهذا الصدد نفسية ناجمة عن القلق وضعف الإيمان، لكن الناس يتوهمون أن الأمر يتعلق بالمس والسحر والعين ويقبلون على طلب العلاج لدى الرقاة فقط، وهو ما استغله الانتهازيون المتطفلون لابتزاز الناس وأكل أموالهم بالباطل». ويضيف «الرقية مجال دقيق يجب أن يتولاه أهله من أهل الإيمان والدراية، الراقي يجب أن يكون له إلمامٌ كافٍ بعلم النفس حتى يستطيع على الأقل التمييز بين المسحور والمعيُون والقلِق المضطرب نفسياً ويُحسنوا توجيههم الوجهة الصحيحة عوض أن يتسببوا بتفاقم حالاتهم بجهلهم». ولوضع حد للتسيب الحاصل، يطالب بن حلمية بإنشاء هيئة أو جمعية شرعية تتكفل بمراقبة هذا المجال، ومنع الجهال والانتهازيين من التلاعب بالناس وأكل أموالهم بالباطل، مقترحا أن تتكون الهيئة من ممثلين تابعين لوزارة الشؤون الدينية والمجلس الإسلامي الأعلى والمجلس العلمي التابع لمديريات الشؤون الدينية في كل ولاية، على يُنتقى هؤلاء من ذوي الخبرة والدراية والعلم والصلاح والتقوى، وتكون الهيئة شبيهة بهيئة الحسبة أو الأمر بالمعروف، وتقوم بممارسة الرقابة في هذا المجال ومتابعة شكاوى الناس من الرقاة ومنح الرخص والإجازات للرقاة بناءً على علمهم وورعهم ودرايتهم بالمجال، كما تقوم بفصل كل من يمتهن الرقية دون دراية كافية وبغرض الاحتيال على الناس قصد تطهير الساحة من الطفيليين والدخلاء والانتهازيين الذين شوّهوا الرقية الشرعية في أعين الناس وأساؤوا إليها إساءة عظيمة.
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©