الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

القاعدة ··· رهان على استراتيجية فاشلة

القاعدة ··· رهان على استراتيجية فاشلة
18 أغسطس 2008 21:01
بعد عقدين على تأسيس تنظيم ''القاعدة'' في مدينة بيشاور الباكستانية الحدودية على يد أسامة بن لادن وعدد من المحاربين القدامى الذين خاضوا الحرب ضد السوفييت في أفغانستان، يُعد هذا التنظيم اليوم أكثر شهرة ومهابة من أي وقت مضى· لكن مشروع بن لادن الكبير، وهو تحويل العالم الإسلامي إلى خلافة إسلامية، باء بفشل ذريع، بكل المعايير، ويعزى ذلك في جزء كبير منه إلى أن استراتيجية بن لادن لبلوغ هذه ''الأرض الموعودة'' محض تخيل؛ فإذا كان زعيم ''القاعدة'' يفتخر بكونه مخططاً استراتيجياً كبيراً، فإنه راهن على استراتيجية فاشلة· الهدف الرئيسي لابن لادن هو إحداث تغيير في الشرق الأوسط واستبدال بعض الأنظمة السياسية القائمة فيه بأخرى دينية على شاكلة نظام ''طالبان''؛ فهو يعتقد أن الطريق إلى تحقيق هذا الهدف هو مهاجمة ''العدو البعيد'' (الولايات المتحدة)، مما سيفضي بالتبعية إلى تداعي وانهيار الأنظمة الإسلامية ''الفاسقة'' المدعومة من أميركا، أو ''العدو القريب''، مثلما يصفها· كان يمكن أن ينجح ذلك لو تبين أن الولايات المتحدة نمر من ورق لا يمكنها تحمل سوى ضربات قليلة من ''القاعدة''· ولكنه لم ينجح؛ حيث لم تعكس قراءة بن لادن للأوضاع فهماً وإدراكاً للمصالح الحيوية- النفط وإسرائيل والاستقرار الإقليمي- التي تحرك الانخراط الأميركي في الشرق الأوسط، ناهيك عن قوة وحجم الغضب الأميركي الذي أثاره أول هجوم مباشر يستهدف الولايات المتحدة في عقر دارها منذ أن أحرق البريطانيون البيت الأبيض عام ·1814 بيد أن مخطط بن لادن أدى إلى النقيض المباشر لانسحاب أميركي من الشرق الأوسط؛ ذلك أن الولايات المتحدة تحتل اليوم العراق، وجنود ''الناتو'' يقومون بدوريات في شوارع قندهار، العاصمة الفعلية لحلفاء بن لادن -أي عناصر ''طالبان''· وعلاوة على ذلك، فإن العلاقات بين الولايات المتحدة ومعظم الأنظمة العربية هي اليوم أقوى من أي وقت مضى؛ لأنها تستند إلى هدف مشترك هو هزم الإسلاميين المتشددين الساعين وراء دماء الأميركيين وسلطة هذه الأنظمة· بالنسبة لمعظم الزعماء، يقتضي مثل هذا الفشل الاستراتيجي الكامل إعادة التفكير ومراجعة الأهداف والاستراتيجيات؛ ولكن ليس بالنسبة لابن لادن· فقد كان بإمكانه وضع سياسة جديدة بعد أن أطاحت القوات الأميركية بـ''طالبان'' في شتاء ،2001 وجعْل ''القاعدة'' وحلفائها يهاجمون أنظمة ''العدو القريب'' مباشرة؛ كما كان يمكنه أن يقول لأتباعه إن استفزاز القوة العظمى الوحيدة في العالم سيعيق هدف ''القاعدة'' في إقامة حكم على طريقة ''طالبان'' من إندونيسيا إلى المغرب· والحال أن بن لادن مازال ينظر إلى الولايات المتحدة باعتبارها عدوه الرئيسي، مثلما أوضح في الأشرطة التي أصدرها منذ ·2001 ومن جهة أخرى، فإن ''القاعدة'' أُضعفت بشكل كبير وقاتل، على عكس ما تطلقه من مزاعم مفادها أنها الممثل الحقيقي لكل المسلمين، خاصة بعد قتلها الآلاف منهم منذ 11 سبتمبر ·2001 فهذا الخطآن الاستراتيجيان هما السبب الرئيسي الذي سيؤدي إلى خسارة بن لادن ومنظمته في الأخير؛ ولكن علينا ألا نتوقع حدوث هذه الهزيمة قريباً، لأن ''القاعدة'' مازالت تواصل في الوقت الراهن العمل على حشد القوة كمنظمة إرهابية/متمردة في الحدود الأفغانية-الباكستانية، وكنموذج قائم وقيد التطور للإسلاميين العنيفين عبر العالم· ولكن ما مدى قوة أو ضعف ''القاعدة'' بعد 20 عاماً على ظهورها؟ في وقت سابق من هذا العام، اندلع نقاش ساخن في واشنطن بين خبيرين معروفين في محاربة الإرهاب· من جانب، كان هناك ''مارك سيجمان'' مسؤول وكالة الاستخبارات المركزية السابق، الذي يرى أن التهديد الذي تطرحه ''القاعدة'' قد انتهى وزال بشكل كبير، ويحذر من أن الهجمات المقبلة ستأتي من عناصر ''الجهاد الذي لا قيادة له''- متشددون محليون لا علاقة رسمية لهم ببن لادن· أما على الجانب الآخر من الجدل، فهناك ''بروس هوفمان'' الأستاذ في جامعة ''جورج تاون''، الذي يحذر من أن ''القاعدة'' بصدد التحرك وليس التراجع· والواقع أن هذا الجدل ليس أكاديمياً تماماً؛ لأنه إذا تحول الجهاد العالمي إلى جهاد لا زعامة له، فإن الإرهاب لن يظل مشكلة أمن قومي أميركي من الدرجة الأولى وسيصبح تهديداً من الدرجة الثانية يمكن إدارته، مثلما كان الحال في معظم فترات القرن العشرين، وذلك على اعتبار أن المنظمات التي لا قيادة لها لا تستطيع التخطيط لعمليات كبيرة مثل الحادي عشر من سبتمبر التي تطلبت سنوات من التخطيط والتدريب· أما إذا كانت ''القاعدة'' قوية، مثلما يعتقد ''هوفمان''، فسيتعين على الولايات المتحدة أن تنظم سياساتها في الشرق الأوسط وجنوب آسيا وفي الداخل، وتركز على هذا التهديد لعقود عدة مقبلة· يشاطر رأيَ ''سيجمان'' حول التهديد الجهادي باعتباره محلياً لا قيادة له عددٌ من مسؤولي محاربة الإرهاب في أوروبا، والذين قالوا لي إنهم لا يستطيعون إيجاد دليل على عمليات ''القاعدة'' في بلدانهم· وفي هذا السياق قال لي ''بلتسار جارسون''، وهو قاض حقق مع المنظمات الإرهابية في إسبانيا خلال العقد الماضي، إنه إذا كان بن لادن مازال ''نقطة مرجعية أساسية لحركة ''القاعدة''، فإنه لم يجد أياً من بصمات المنظمة في تحقيقاته الأخيرة· لكن هذا الرأي لا يشاطره كبار مسؤولي محاربة الإرهاب في بريطانيا والولايات المتحدة؛ حيث خلص تقرير وكالات الاستخبارات الأميركية لعام 2007 إلى أن خطر ''القاعدة'' آخذ في الازدياد وليس التراجع· على الرغم من ظهور ''القاعدة'' من جديد مؤخراً، فمن المستبعد جداً أن تكون هذه المنظمة قادرة على تنفيذ هجمات داخل الولايات المتحدة خلال السنوات الخمس المقبلة؛ وذلك لأن إرهابيي ''القاعدة'' الذين حاولوا تنفيذ عمليات داخـــل التراب الأميركـــي في الماضي اضطروا إلى القــدوم مــن الخـــارج، مثلمــا فعـــل خاطفــو 11 سبتمبر· وعلاوة على ذلك، فليس هناك مؤامرات سابقة ناجحة اعتمدت على ''الخلايا النائمة'' التابعة لـ''القاعدة'' هنا؛ كما أنه لا يوجد دليل على وجود مثل هذه الخلايا هنا اليوم· ثم إن الولايات المتحدة باتت اليوم هدفاً أكثر صعوبة مما كانت عليه قبل 11 سبتمبر؛ لأن الحكومة الأميركية في حالة تأهب، تماماً على غرار المواطنين العاديين· بالطبع، قد يقوم إرهابيون محليون متأثرون بـ''القاعدة'' بتنفيذ هجوم صغير داخل الولايات المتحدة· كما أن ''القاعدة'' نفسها تظل قادرة على مهاجمة عدد من المصالح الأميركية في الخارج، وقتل الجنود الأميركيين في العراق وأفغانستان، واستهداف السفارات الأميركية· ولكن مخاوفنا من ''القاعدة'' اليوم عمومـــاً هي أقل من مخاوفنا عام ·2001 ومهما يكن المصير الذي سيلقاه بن لادن، فالأكيد أن المسلمين عبر العالم لا ينظــرون بأعــداد متزايدة بعين الرضا إلى منظمته وعملياتها الانتحاريــة· فبعـــد أن كــان بن لادن بطـــلاً في أعين الكثير من المسلمين في أواخر التسعينيات، تراجع مؤيدوه كثيراً منذ 2003 حين قتلت ''القاعدة'' وأتباعها المدنيين المسلمين بالآلاف من الدار البيضاء إلى كابول، وذلك ما أكدته استطلاعات الرأي التي قامت بها مؤسسة ''بيو'' في البلدان الإسلامية الكبيرة مثل إندونيسيا وباكستان· بعد عشرين عاماً على تأسيسها، فإن ''القاعدة'' اليوم بصدد خسران حربها؛ ولكن تأثيرها بالمقابل مستمر· فمثلما يشير إلى ذلك ''مايكل شوير''، الذي أسس ''وحدة بن لادن'' داخل ''سي·آي·إيه'' عام 1996: ''لقد أنجزوا مهمتهم: التحريض والإلهام عبر العالم''· وللأسف، فإن هذه التركة ستستمر حتى بعد هزيمة ''القاعدة''· بيتر بيرجن زميل مؤسسة نيو أميركا فاونديشن و مركز القانون والأمن التابع لجامعة نيويورك ومؤلف كتاب (The Osama bin Laden I Know) أسامة بن لادن الذي أعرفه ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©