الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فرنسا وتجديد الثقة في الطاقة النووية

فرنسا وتجديد الثقة في الطاقة النووية
18 أغسطس 2008 21:02
يبدو كموقع بناءٍ عادي باستثناء هيكله الخارجي الضخم المصنوع من الخرسانة الذي يلوح فوق المحيط مثل فطر ضخم يكسوه الغبار· فعلى ساحل نورماندي، تقوم فرنسا ببناء أحدث مفاعلاتها النووية، هو الأول منذ 10 سنوات بقيمة 5,1 مليار دولار· ولكن حتى قبل اكتمال أشغال البناء، أعلن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أن فرنسا تعتزم بنـــاء مفاعــل آخر مثله قريباً· تعد ''فلامانفيل'' مثالاً حياً على الاختيار الفرنسي للطاقة النووية، الذي اتخذ أواخر الخمسينيات من قبل الرئيس شارل ديجول، وتكرس خلال الصدمات النفطية خلال عقد السبعينيات، وتم الإبقاء عليه رغم الحادثين النووين في ثري مايل آيلند (الولايات المتحدة) وتشيرنوبل (أوكرانيا)· وحسب الحكومة الفرنسية، فإن الطاقة النووية توفر 77 في المئة من كهرباء البلاد، حيث يوجد شبه إجماع حول جدوى هذه الطاقة في بلد يفتقر إلى الفحم والنفط والغــاز الطبيعي· ويتم حالياً تقييم جدوى الطاقة النووية من جديد في بلدان مثل الولايات المتحدة وبريطانيا· بل إن حتى ألمانيا، التي كانت قد التزمت بالتخلص من الطاقة النووية بحلول ،2021 باتت تبحث حالياً إمكانية تغيير رأيها· بالمقابل، قطعت فرنسا أشواطاً طويلة مقارنة مع جيرانها؛ حيث تخوض ''إيليكتريسيتي دو فرانس'' (شركة كهرباء فرنسا) حالياً مفاوضات حول صفقة شراء ''بريتيش إينيرجي'' البريطانية مقابل نحو 24 مليار دولار من أجل تجديد المحطات النووية في بريطانيا وبناء أخرى جديدة· كما قام الفرنسيون بعقد صفقات لبناء مفاعلات الماء المضغوط من الجيل الثالث من نفس نوع مفاعل فلامانفيل -والتي تعـــد الأكثر أمانــــاً وقــــوة فـــي العالم- في أبوظبي والصين· هذا الاستثناء الفرنسي والمهارة التقنية التي أنتجت قطاعاً صناعياً لم يشهد حوادث كبيرة يثيران شعوراً بالفخر والاعتزاز في فرنسا· ففي مقال رأي نشر مؤخراً بصحيفة ''لوفيغارو'' قال ''إيف تريارد'' مفتخراً: ''إذا كانت فرنسا لا تملك نفطاً، فإنها تعرف كيف تستغل فكرة ذكية··· فوسط زحف العولمة، أصبحت الطاقة النووية المدنية سلاحاً تجارياً وسياسياً، سمح للبلاد بالبقاء في مقدمة محفل الأمم''· ويرى أحد مساعدي جون لوي بورلو، وزير البيئة والتخطيط والتنمية المستديمة، أن فرنسا ''ترى توجهاً قوياً'' نحو استعمال أكبر للطاقة النووية؛ حيث قال: ''إن الكثير من البلدان باتت تدرك أنه في ظل ارتفاع أسعار الوقود الأحفوري والطاقة ومشكلة المناخ الملحة، فإن ''النووي'' يمكن أن يكون جزءاً من الحل''· ومن جانبه، قال ساركوزي إن كل مفاعل من مفاعلات الماء المضغوط الأوروبية ''يحل محل محطة للكهرباء تعمل بالغاز يوفر ملياري متر مكعب من الغاز كل عام، وكل مفاعل من هذه المفاعلات يحل محل محطة تعمل بالفحم يعني الحد من 11 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون''· وبالرغم من زيادة الاستهلاك، فإن فرنسا تحصل على نصف إجمالي طاقتها من المفاعلات النووية، مقارنة مع 23 في المئة عام ·1973 وفي هذا السياق تقول ''إيليكتريسيتي دو فرانس'' إن توليد الطاقة الكهربائية يشكل 10 في المئة فقط من الغازات الفرنسية المسببة للاحتباس الحراري، مقارنة مع متوسط 40 في المئة في بلدان صناعية أخرى؛ حيث تتوفر فرنسا على 58 مفاعلاً نووياً عامــلاً، وهو أعلى عدد من المفاعلات بالنسبة لدولة باستثناء الولايات المتحدة· في أميركا، التي شهدت شبه جمود في بناء المفاعلات خلال السنوات الأخيرة، يوجد أيضاً اهتمام جديد بهذا النوع من الطاقة· فإذا كانت 19,4 في المئة من الكهرباء المنتجة في الولايات المتحدة تأتي من 104 مفاعلات نووية، كما تقول وزارة الطاقة الأميركية، فإن ''وكالة تنظيم النووي'' تتوفر أو تتوقع طلبات لبنـــاء 34 مفاعــــلاً، سبعـــة منهـــا هي من نوع مفاعلات الماء المضغوط الأوروبية على غرار مفاعل فلامانفيل- الذي يسمح، خلافاً للمفاعلات النووية الحالية، بتغيير حجــم الإنتـــاج لتلبيــة تقلــب الطلب· ولكن مقابل كل هذا الحديث السعيد في فلامانفيل هناك أيضاً شكوك وتساؤلات مستمرة حول الطاقة النووية، تذكيها سلسلة من الحوادث وإعلانات حالة الطوارئ في يوليو الماضي· ففي محطة تريكاستان النووية، بمنطقة بروفنس، تسرب نحو 74 كيلوجراماً من سائل اليورانيوم غير المعالج من أحد الصهاريج خلال عملية تجفيف، ليتسرب إلى الأرض ومنها إلى الأودية التي تصب في نهر الرون· وإذا كانت ''سلطة الأمن النووي''، وهي هيئة مستقلة أنشئت قبل عامين بهدف الإشراف على الأنشطة النووية المدنية، قد وصفت الحادث بأنه من الدرجة واحد (من أصل سبعة) وأكدت أنه لا يطرح مشاكل صحية· وعلاوة على ذلك، وقعت حوادث صغيرة أخرى مثل انفجار أنبوب تحت الأرض بموقع آخر شمال تريكاستان، وهو ما نتج عنه تسرب كمية قليلة من اليورانيوم إلى داخل المحطة، ثم حادث آخر في موقع تريكاستان نفسه حيث تعرض 100 موظف لجزيئات مشعة تسربت من أحد الأنابيب· غير أن الحكومة وأريفا و''إليكتريسيتي دو فرانس'' سارعت إلى التقليل من شأن هذه الحوادث؛ حيث أفاد ''بورلو'' بأنه تم تسجيل 86 حادثة نووية من الدرجة واحد في فرنسا عام 2007 و114 عام ·2006 أما مساعد ''بورلو''، فقال في إشارة إلى ''سلطة الأمن النووي'' إن ''الحدث الصغير'' الذي وقع في تريكاستان أظهر أن ''نظام الأمن والسلامة الذي نعتمده ناجح وشفاف، وأن وسائل الإعلام والرأي العام في حاجة إلى فترة تدريب من أجل فهم كيف يعمل نظام الأمن النووي في فرنسا''· ستيفن إيرلنجر فلامانفيل- فرنسا ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©