الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عودة الدبّ الروسي

18 أغسطس 2008 21:02
معظم التعليقات الواردة في وسائل الإعلام الغربية حول النزاع الدائر بين جورجيا وروسيا حول أوسيتيا الجنوبية، تتحدث عن مواجهة غير متكافئة بين قوة كبرى وبلد صغير ديمقراطي ينبغي التضامن معه· بيد أن الأمور ربما أكثر تعقيداً من هذا التوصيف، حتى من دون الذهاب إلى حد تقييم طبيعة النظام الجورجي· فإذا كان صحيحاً أننا نشهد منذ ثلاث أو أربع سنوات عودة قوية لروسيا إلى الساحة الدولية، وأن موسكو تعمد بشكل متزايد إلى استعمال لغة القوة، إلا أن جورجيا هي التي أخذت المبادرة وأطلقت الأعمال الحربية عبر شن هجوم على الانفصاليين الأوسيتيين في اليوم ذاته الذي تم فيه افتتاح الألعاب الأولمبية· لقد ارتكب الرئيس الجورجي ميخائيل سكاشفيلي خطأ فادحاً في قراءة الوضع· فمما لا شك فيه أنه عرف كيف يقوي ويعزز سلطته الداخلية ويحقق الوحدة الوطنية في بلاده، ولكن عدداً من الأسئلة تفرض نفسها بقوة في هذا السياق: فهل كان يأمل ألا تقوم موسكو بأي رد فعل يا ترى؟ والرئيس الجورجي هل كان يأمل، في حالة العكس، أن يحصل على دعم قوي من الحلفاء الغربيين، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة؟ وهل كان يريد فرض الأمر الواقع على واشنطن واستغلال الأشهر الأخيرة من وجود الرئيس الأميركي جورج بوش في البيت الأبيض؟ الحقيقة أن المرء لا يحتاج لأن يكون خبيراً ليعرف أن الكريملن ما كان ليكترث للهدنة الأولمبية ويترك القوات الجورجية تغزو أوسيتيا الجنوبية· فذلك سيشكل مؤشراً كبيراً على الضعف يحرص الرئيس الروسي الجديد ديمتري ميدفيديف كل الحرص على عدم حدوثه· والحق أن التحذيرات الروسية كانت كثيرة بما يكفي لتبديد وإزالة كل فهم خاطئ· ثم إن ميزان القوى العسكرية يصب قطعاً في مصلحة موسكو التي تعلم علم اليقين أنه في أسوأ السيناريوهات، فإن البلدان الغربية لن تذهب أبعد من تقديم دعم معنوي لتبليسي، وستحرص على تحاشي أي مشاركة عسكرية مباشرة يمكن أن تجعلها في مواجهة روسيا· الأرجح اليوم أن سيطرة روسيا المباشرة أو عبر حلفائها الانفصاليين، سواء على أوسيتيا الجنوبية أو المنطقة الجورجية الانفصالية الأخرى- أبخازيا- سيتعزز ويتقوى أكثر· وهنا يمكن أن نتساءل ما إن كان العمل المتهور الذي أقدم عليه الرئيس سكاشفيلي لا يضع حداً للآمال في عودة السيادة الجورجية على هذه الأراضي· مما لا شك فيه أن البلدان الغربية ستشير إلى ضرورة مراعاة واحترام الوحدة الترابية لجورجيا؛ غير أنه علاوة على حقيقة أنها لا تملك أي وسيلة ملموسة لتفرضها على روسيا، فإن هذه الأخيرة ستعرف كيف تذكِّر الغرب بأن هذا المبدأ لم يُحترم ولم يراع في حالة صربيا حين أسرعت معظم البلدان الغربية إلى الاعتراف باستقلال كوسوفو· والواقع أن جورجيا يمكن أن تحافظ على حلمها في أن يتم قبول عضويتها في ''الناتو''؛ فمما لا شك فيه أنها تستطيع القول إن التهديد الروسي الذي كانت تشير إليه دائماً من أجل تبرير هذا الانضمام تبين بعد هذه الحرب أنه قائم وواقعي؛ لكن الأكيد أيضاً أن الرئيس الجورجي، ومن خلال مبادرته غير محسوبة العواقب، لم يشجع بعض البلدان الأعضاء في الحلف على قبول بلد بمقدوره إشعال نزاع مسلح مع روسيا ضمن التحالف· لقد سجلت الحرب عودة لافتة إلى القارة الأوروبية؛ ولكن إذا كان التفكير السليم ينص على أنه لا ينبغي أبداً استبعاد أسوأ السيناريوهات، فلا بد أنه من الممكن في المقابل حل وتسوية هذا النزاع عبر وساطة دولية تكون شروطها أقرب من تلك التي ترغب فيها موسكو من تلك التي تريدها تبليسي· والواقع أن الروس لم يضيعوا الفرصة ليُظهروا للعالم أن ضعفهم وتراجعهم الاستراتيجي في سنوات التسعينيات (حين كانوا يشاهدون عاجزين عمليات توسع ''الناتو'' المتتالية في أوروبا وحرب كوسوفو) قد ولى· فاليوم، لم يعودوا في موقع دفاعي من الناحية الاستراتيجية، وباتوا ينتقدون ويفندون المحاججة الأخلاقية التي يصفونها بازدواجية معايير الغرب· باسكال بونيفاس مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية - باريس
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©