الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سراييفو تتذكر ضحاياها!

8 ابريل 2012
بلغ عدد المقاعد الحمراء التي رُصّت في صفوف على امتداد الشارع الرئيسي في سراييفو 11,541 مقعد، بمعدل مقعد واحد لكل رجل، وامرأة، وطفل من ضحايا أطول حصار تعرضت له المدينة في تاريخها. أحيت سراييفو، يوم الجمعة الماضي، الذكرى العشرين لبداية حرب البوسنة، من خلال إقامة المعارض والحفلات الموسيقية والعامة، لكن لم يكن لأي مظهر من تلك المظاهر ذلك التأثير الذي كان لمئات المقاعد الحمراء التي صُفّت في نفس الميدان الذي بدأ فيه كل شيء في السادس من أبريل1992. وكان من بين المقاعد مئات صغيرة الحجم ترمز للضحايا من الأطفال. وقال"حارس باسوفيتش"، منظم "الحفل الأحمر لسراييفو"، إن"هذه المدينة بحاجة للوقوف دقيقةً لإحياء ذكرى هؤلاء الذين لقوا مصرعهم". ومن المعروف إن حصار سراييفو قد استمر 44 شهراً، أي أنه كان أطول من حصار مدينة لينينجراد (سان بطرسبرج الحالية) خلال الحرب العالمية الثانية. وخلاله عاش سكان المدينة من دون كهرباء أوماء أو تدفئة، وكانوا يختبئون خوفاً من القذائف التي ضربت المدينة وبلغ عددها 330 قذيفة. في هذا اليوم المصيري من عام 1992 تدفق ما يقرب من 40 ألف شخص من مختلف أنحاء البلاد، البوسنيون (مسلمون) وصرب (مسيحيون أرثوذكس) وكروات (كاثوليك)، على الميدان للمطالبة بالسلام من سياسييهم المتصارعين. وكان الاتحاد الأوروبي قد اعترف بالبوسنة التي كانت جزءاً من يوغسلافيا السابقة كجمهورية مستقلة، بعد أن صوت معظم سكانها لمصلحة الاستقلال. لكن التصويت تم على أسس عرقية، حيث صوت البوسنيون والكروات لمصلحة الاستقلال في حين فضل الصرب من سكان البوسنة البقاء كجزء من يوغسلافيا التي يهيمن عليها الصرب. لكن الوحدة التي تبدّت بين الأعراق في ميدان سراييفو، أغضبت القوميين الصرب المتعصبين الذين بادروا بإطلاق النار من فندق مطل على الميدان، مما أدى إلى مقتل 5 أشخاص وإشعال فتيل الحرب الطاحنة التي استمرت خلال السنوات1992 - 1995 وقام القوميون الصرب، بمساعدة من جيرانهم في صربيا، بفرض حصار على سراييفو، وخلال شهور قليلة تمكنوا من احتلال 70 في المئة من البوسنة، وطرد كافة السكان من غير الصرب من الأراضي التي سيطروا عليها. وفي نفس الوقت انقلب البوسنيون والكروات الذين كانوا قد بدؤوا كأصدقاء ضد بعضهم بعضاً، وفي النهاية انخرطت المجموعات العرقية الثلاث في حرب طاحنة قضت على 100 ألف شخص، وشردت نصف عدد السكان، وحطمت الدولة التي كانت تضم خليطاً عرقياً، وقسمتها إلى أجزاء يضم كل منها عرقية واحدة. وفي عام 1995، أدت اتفاقية السلام التي تم التوصل إليها، بوساطة أميركية، إلى وقف إطلاق النار، لكن التسوية التي تم التوصل إليها من خلال تلك الاتفاقية، تركت الأمة منقسمة عرقياً إلى دولتين مصغرتين؛ واحدة للصرب، وثانية يتقاسمها البوسنيون والكروات. وإن ظلت تينك الدولتين المصغرتين موصولتين بحكومة مركزية. وقد أدى ذلك إلى تضخم هائل في حجم الأجهزة البيروقراطية، حيث يحكم البوسنة ثلاثة رؤساء بالتناوب على مستوى الدولة، وكل واحدة من الدولتين المصغرتين لها رئيسها الخاص، ليكون الإجمالي خمسة رؤساء. ولا يقتصر الأمر على ذلك، فهناك 13 رئيس وزراء وما يزيد على 130 وزيراً، و760 مشروع قانون، و148 بلدية. مما يكلف تلك الدولة الفقيرة البالغ عدد سكانها 3.5 مليون نسمة ما يزيد على 50 في المئة من دخلها المحلي الإجمالي، كما يقود إلى مشاجرات وصراعات لا تنتهي بين المؤسسات المختلفة. وهذا النظام الذي يعاني من اختلال وظيفي يتوجب تبسيطه فيما لو أرادت البوسنة تحقق هدفها في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي المكون من 27 دولة. فبروكسل تصر على أن البوسنة يجب أن تكون أكثر مركزية، لكن ذلك يصطدم برغبة الصرب في المحافظة على استقلالهم الذاتي. كما أن الكروات يصرون على دولتهم المصغرة الخاصة بدلا من اقتسام دولة مع البوسنيين الذين يريدون دولة موحدة. والحقيقة أن الجميع هنا يريدون الآن ما كانوا يريدونه عام 1992. وهكذا فإن البوسنة اليوم ليست في حالة حرب، لكنها بالتأكيد ليست في حالة سلام. ولا تقتصر الأضرار على ذلك، حيث نجد أن المستثمرين الأجانب -الذين يمثلون الأمل الوحيد لاقتصاد هذا البلاد- يتجنبون البوسنة بسبب عدم استقرارها السياسي وجهازها البيروقراطي الضخم. والضغط من أجل الانضمام للاتحاد الأوروبي وحّد بعض مؤسسات البلاد. فالبوسنة لديها الآن عملة واحدة، وبنك مركزي، ودولتان مصغرتان، وقوات شرطة تديرها وزارة موحدة. وهناك محكمة دولة، وشرطة حدود على مستوى الدولة، بل هناك أيضاً جيش مشترك مكون من القوات التي حاربت بعضها بعضاً ذات يوم. والآن نجد أن نفس هؤلاء الجنود الذين كانوا ينتمون إلى جيوش مختلفة قد اتحدوا ويتظاهرون جنباً إلى جنب للاحتجاج على عدم تمتعهم بحقوق تقاعد وغيرها من الأمور الوظيفية الأخرى، في نفس الميدان المركزي في سراييفو الذي انطلقت منه شرارة الحرب عام 1992. آيدا سركيز سراييفو- البوسنة والهرسك ينشر بترتيب خاص مع خدمة" كريستيان ساينس مونيتور"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©