السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

يقتلون لكي لا يُقتلوا

يقتلون لكي لا يُقتلوا
28 أكتوبر 2009 21:58
الألماني د. يورجن تودينهوفر مؤلف كتاب “لماذا تقتل يا زيد؟ قصة حقيقية للمقاومة العراقية” يقترب عمره من السبعين، كان برلمانياً وانشغل بالعمل الإنساني، فذهب إلى أفغانستان وإيران والأراضي الفلسطينية، وفي صيف عام 2007 قرر أن يقوم بمغامرة بدخول العراق والتعرف إلى المقاومة العراقية عن قرب، وعبر اتصالات بين القاهرة وعمان ودمشق، توجه من فندق الشام بالعاصمة السورية إلى الحدود السورية ـ العراقية حيث كان أحد العراقيين بانتظاره. اختار الرمادي لأنها كانت مركز المقاومة العراقية في صيف 2007، انتقلت السخونة إليها بعد ما جرى في الفلوجة.. على طول الطريق سيارات محترقة، بفعل الرصاص أو الغارات، عرف أن السائق إذا خالف تعليمات الطريق كأن يزيد السرعة يتعرض لإطلاق الرصاص مباشرة بلا إنذار، وإذا مرت قافلة عسكرية أميركية أو قافلة تموين ولم يتوقف السائق يتم ضربه مباشرة. صديقه العراقي اصطحب معه زوجته وطفله، حتى يبدو الأمر عادياً ولا يشتبه فيه أحد وما ان اقترب من حدود المدينة حتى بدأت نقاط التفتيش، أحد رجال الشرطة العراقية الملثمين، ما ان عرف أنه ألماني وطبيب حتى سأل أبو سعيد بكم يبيعه إياه، ولعل هذا يكشف دوافع عمليات الاختطاف التي تقع في العراق وقصصها ومن يقوم بها. حكاية سني أبو سعيد مسلم سني وزوجته شيعية. وفي المدينة زيجات كثيرة من هذا النوع ولا توجد مشكلات على النحو الذي يصوره الإعلام الغربي. أبو سعيد مدرس تاريخ يجيد الإنجليزية، كان يحلم بأن يكون دبلوماسياً، ودبر لضيفه الألماني مجموعة لقاءات مع عدد من المقاومين العراقيين، وعدد من قادتهم، وسجل لقاءه بكل منهم وأبرزهم زيد الذي يحمل الكتاب اسمه.. زيد يقارن بين العراق أيام صدام حسين وعراق اليوم. بالنسبة له، كان يمكن أن تكون له حبيبته ويخرج معها في الشارع ويذهبان إلى الأماكن العامة، الآن صار ذلك مستحيلاً، فالمتطرفون يحولون من دون ذلك. زيد شاب كان يريد أن يواصل حياته، لكن تعرض بيته لغارة فقتل أخوه الأكبر، فضلاً عن عدد كبير من أقاربه، قرروا أن يتركوا البيت وذهب هو إلى بيت عمه في الطرف الآخر من المدينة، وخرج أخوه الأصغر ليذهب إلى بيتهم يطفئ موقد البوتاجاز الذي تركوه مشتعلاً، فأصيب برصاصة في الشارع، وبسبب حظر التجوال ظل جثمانه ملقى في الشارع لساعات، غارقاً في دمه، فلم يكن أمامه بد من الذهاب إلى المقاومة والمشاركة فيها. ما يحكيه كتاب “لماذا تقتل يا زيد؟” عن السجون والمعتقلات داخل العراق مخيف، هناك أكثر من جوانتانامو داخل العراق، وسجن أبو غريب ليس أسوأ السجون، والتفاصيل عن التعذيب والإهانات مروعة وتفوق الخيال، الأمر الذي دفع المؤلف إلى المقارنة بين عراق الاحتلال وعراق صدام حسين، صدام طوال حكمه قتل 290 ألف عراقي وبعد الاحتلال تم قتل إضعاف هذا الرقم، فضلاً عن الجرحى والمعاقين. وطبقاً لقادة المقاومة الذين التقاهم، فإن معظم المقاومة أو التيار الرئيسي فيها هو المقاومة الوطنية، التي يقودها بقايا البعث وضباط الجيش العراقي السابقون هؤلاء ذهبوا بأسلحتهم وذخائرهم إلى المقاومة، وهناك المقاومة الإسلامية المعتدلة، أما خطف المدنيين وقتلهم فهذا يأتي من أعضاء “القاعدة” الأجانب. ..ويوسف المسيحي ويرصد الكتاب أن المقاومة الوطنية والبعثية ليس لديها مال كثير لذا تتعامل مع الإسلاميين المعتدلين، بينما تتميز القاعدة بالثراء الشديد. يوسف (عضو المقاومة المسيحي) يتحسر على أيام صدام، كانت الدولة علمانية، ولذا كان المسيحيون يتمتعون بوضع متميز، ومسموح لهم بتولي المناصب الكبرى، كان في العراق 1.5 مليون مسيحي، بعد الاحتلال هاجر معظمهم إلى الخارج هرباً من التعصب وأعمال العنف، وبقي في الداخل ستمئة ألف يعيشون حياة قاسية لذا انضم إلى المقاومة ويعمل مع الوطنيين والإسلاميين المعتدلين من أبناء العراق، وهناك مسيحيون غيره يشاركون في عمليات المقاومة. يهاجم المؤلف الألماني نظرة الدول الغربية للعالم الإسلامي واتهامها للإسلام بالعنف، ضحايا 11 سبتمبر حوالي ثلاثة آلاف قتيل، لكن ضحايا العدوان على أفغانستان والعراق بالملايين، ويقول بنبرة أسى “خلال المئتي سنة الأخيرة، لم يقم بلد إسلامي بالهجوم على الغرب ولو لمرة واحدة، القوى من أوروبا الغربية والولايات المتحدة كانت دائماً هي المعتدية، حيث قتل الملايين من المدنيين المسلمين منذ بدء الحقبة الاستعمارية”. ويقارن المؤلف بين المجتمعات الإسلامية التي احتوت اليهود طوال العصر الإسلامي ومنحتهم كافة الحقوق والامتيازات، بينما قتل الغرب 6 ملايين يهودي أثناء الحرب العالمية الثانية، هم من أبادتهم ألمانيا الهتلرية. ويرصد ما جرى في الجزائر أيام احتلالها عام 1830 حيث كان الجنود الفرنسيون يتسلون بقتل الأطفال الجزائريين، وللغرابة أنهم سجلوا ذلك في كتبهم ومذكراتهم، وبلغ مجموع القتلى في الجزائر طوال عهد الاحتلال مليوني مواطن طبقاً للتقديرات الجزائرية، بينما التقديرات الفرنسية تذهب إلى أنه تم قتل مليون جزائري مقابل أقل من 100 ألف فرنسي، وفي العراق عام 1920 تحديداً في مدينة البصرة فعل الإنجليز الشيء نفسه، ولم يكن أمام هؤلاء المواطنين سوى الدفاع عن انفسهم وعن حياتهم، وهو ما يحدث اليوم في العراق ويلومهم الغرب.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©