الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اختزال اللون والضوء

اختزال اللون والضوء
28 أكتوبر 2009 22:07
بعد معارض فردية وجماعية ناجحة في كل من لندن وليفربول وتولوز الفرنسية، يعرض الفنان التشكيلي المغربي محمد الرشيدي، أحدث لوحاته برواق محمد الفاسي بالرباط، وهو المعرض الذي ينظم تحت إشراف وزارة الثقافة المغربية. في قماشات هذا الفنان تستقبلك ترسيمات خفيفة وتراكيب أنيقة. الكل يشي بتصريف تصويري متماسك صادر عن إرادة هبيرية عفوية ومتفحصة في ذات الحين. بعصامية واعية، تنتظم الوحدات والمساحات، لتنبجس الصور المفرغة من التمييز: هيئات هلامية مفعمة بحس لعبي ينهل من تلقائية متزنة تُطوق نسق بنائية متراصة، لا مجال فيها للفجاجة. فالألوان كما يقول الناقد الفني المغربي بنيونس عميروش في افتتاح هذا المعرض “ليست خالصة لكونها خاضعة لوصفة الرماديات في مجملها، بيد أنها تتفاعل وفق تبديلات محسوبة تستجيب لنمط تصويري اختزالي موسوم بسيطرة اللون الأحادي الذي لا يمنع انبعاث تضادات ملفتة، في تماس منسجم مع درجات اللون الضوئية، بينما يتخذ التبقيع إيقاعه لتصعيد حركية الوجه ككل.في مقابل اختيار الألوان الرمادية القائمة على عملية خلط معيارية، يتمثل الخط كعنصر قوي ولعوب: في رقته تارة وفي سمكه تارة أخرى، يتأجج بين تصميم التكوين ورسم الأشكال والموتيفات، وفي صرامته وليونته، يحتفظ بتدحرجه الموزون، مما يؤكد حفره الطفولي الموصوف بطبيعة الخط الخام الذي يظل يحكم تآلف تلك العناصر والفراغات باستمرار. هذا الطراز من الرسم الحفري يقول بنعميروش “يبقى مرهونا بخاصية بساطة مرحة وان خضع التركيب معها لقانون التماثل الأفقي، فلغاية تعبيرية تمسي فيها السيمترية قاعدة فاعلة في الدفع بالعمل الفني نحو الميل التعبيري أكثر منه إلى التنميق الزخرفي، من ثمة تتكامل روعة البساطة عبر توافقاتها التشكيلية: بساطتا الشكل والتكوين موكولتان لبساطة الخط. ترسيمات محمد رشيدي برأي الناقد الجمالي بنيونس عميروش تنتمي “إلى فصيلة الأشكال الهندسية البسيطة، لتنضوي تحت رحابة طفولية تذكرنا ـ إلى حد ما ـ بتشكيلات خوان ميرو: هلال، دائرة، هياكل مكثفة أقرب إلى جسدانية مبهمة، كويرات سابحة... هذه الموتيفات المتطايرة، إنما انعكاس لمتخيل مجنح ومرن، يتفاعل ضمن تعبيرية تنبني على إصرار قبلي مطبوع بازدواجية قصدية، ينصهر من خلالها فعل الإنجاز التصويري بالنظرة المستقلة، النظرة التي تتغير نوعا من المساءلة الذاتية والوجدانية، الكاشفة لصور بدائية تنطلق من انجراف شعوري خاضع لتعديل وتقويم بليغين، حيث التأمل العقلاني أداة للسير قدما نحو تحقيق حساسية تصويرية معاصرة. في مجرى لعب مجازي، يتناسل المغزى ويتعدد داخل ملاءمة جناسية لا تلاحق غير الرباط الأخاذ بين رهافة الشكل وحصافة الصياغة المادية تلكم هي المشيئة المشفوعة بالرغبة الشخصية والمتجددة في التصوير الذي يقاوم الثقالة وينتصر لفتنة الخط الخام”. وحول سؤال ألقته “الاتحاد الثقافي” على هذا الفنان والمتعلق بطغيان اللون الأبيض في مساحات شاسعة من أعماله الزيتية ، قال محمد الرشيدي اللون الأبيض إشارة إلى التمسك بتقنية الرسم، لأنني أحاول الاحتفاظ بخاصية الرسم في لوحاتي، كما أن سواد الأبيض (لاحظ الطباق غير المقصود) ناتج عن تأثير الخط العربي الذي استغنيت عن حروفه واستبدلتها بالخطوط السوداء. الرسم والخط والصباغة : حاولت أن أمزج هذه الثلاثية في لوحاتي. وللإشارة فأنا كنت ولوعا بالخط العربي لكنني لم أجد مدرسة في المغرب أتعلم فيها هذا الفن فاكتفيت بالاستلهام منه، علاوة على أن هذا الفن صعب المراس ويتطلب جهدا مضنيا، ولا يترك مجالا أوسع للتعبير عن الذات مثلما هو الشأن بالنسبة للرسم. هذا بالإضافة إلى كون اللون الأبيض يقوي التضاد بين الألوان ويمنح الخط الأسود قوة وحضورا كما هو الشأن في الرسم والخط العربي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©