الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

محاكمة «كراديتش»... ورهانات العدالة الدولية

28 أكتوبر 2009 22:14
انطلقت يوم الثلاثاء الماضي محاكمة رادوفان كراديتش وهي أهم قضية متبقية تنظر فيها المحكمة الخاصة بيوغوسلافيا السابقة، التي بدأت أعمالها قبل 13 سنة. فبعد مرور أكثر من ستة آلاف يوم على فتح القناصة الصرب النار في الخامس من أبريل عام 1992 من قمة فندق "هوليداي إن" في سراييفو على مسيرة احتجاجية سلمية وقتلهم لطالب في كلية الطب من بلدة "ديبورفنيك"، وهو الضحية الأولى في الحرب البوسنية، يوجه اليوم ادعاء المحكمة تهماً لرئيس صرب البوسنة السابق بإصداره أوامر لإطلاق النار على المظاهرة ما أدى إلى إشعال فتيل حروب البلقان اللاحقة التي شهدتها سنوات التسعينيات. وبنبرته الهادئة والواضحة في الوقت نفسه أشار المدعي العام "ألان تيجر" إلى مجموعة من التحركات التي قال إنها تثبت أن كراديتش كان هو "القائد الأعلى" ومصدر السلطة "الأبرز" بين صرب البوسنة في الفترة بين 1991 إلى 1996 عندما أدخل سلوك الجيش الصربي وقتها مصطلحاً جديداً في القاموس السياسي الدولي عرف بـ "التطهير العرقي". وقال المدعي "تيجر" أمام المحكمة إن كراديتش سعى إلى إقامة "دولة صربية نقية على ما كان يعتبره أراضي الصرب التاريخية" حتى لو استدعى ذلك استئصال "العدو الداخلي"، مضيفاً أن القضية المعروضة حالياً على المحكمة ستثبت أن كراديتش سعى إلى "تطهير البوسنة عرقياً.. وتوفير فضاء للعيش خاص بصرب البوسنة وحدهم". ومع أن مشروع إقامة "صربيا الكبرى" تطلب مشاركة "العديد من الأشخاص" أكد المدعي أن "القائد الأوحد لصرب البوسنة ظل طيلة الحرب هو رادوفان كراديتش". وقد استشهد المدعي "تيجر"، الذي ولد في أميركا لأبوين فرا من معسكرات النازية بألمانيا، بالمكالمات الهاتفية التي أجراها كراديتش ورصدت، بالإضافة إلى تسجيلات لخطبه السياسية وكتاباته المنشورة، فضلا عن لقاءاته الصحفية وأوامره العسكرية، وهي الأدلة التي كانت غائبة عن محاكمة الراعي الأول لكراديتش، الرئيس الصربي سلوبودان ميلوسوفيتش الذي كان يحرص على الابتعاد عن الأوامر المباشرة لحماية نفسه، وقد افتتح "تيجر" جلسة المحاكمة بقراءة محضر اجتماع مغلق لمجلس صرب البوسنة عُقد بعد شهر على مجزرة "سريبرنيتشا" في يوليو من عام 1995، والتي قال المدعي إن كراديتش وقع فيه على "التوجيه رقم 7" القاضي بإرسال الجيش إلى المناطق الآمنة الخاضعة لحماية الأمم المتحدة مثل "سريبرنيتشا" و"زيبا" وغيرهما، وفي إحدى المكالمات التي تم رصدها توعد "كراديتش" بأنه إذا لم تستسلم حكومة "علي عزت بيجوفيتش" في سراييفو فإنه سيحولها إلى "مرجل أسود... حيث سيقتل 300 ألف مسلم"! وأضاف حسب المكالمة أيضاً أن المسلمين السلاف "سيختفون من على وجه الأرض". ولكن جلسة المحاكمة افتتحت بدون حضور كراديتش الذي قال إنه يحتاج إلى مزيد من الوقت للاستعداد، ما دفع كبير القضاة في المحكمة "أو جون كوون" إلى التحذير من أن امتناع كراديتش عن الحضور هو ضد قوانين المحكمة، وقد يضطر إلى تعيين محامٍ للدفاع عنه في الأسبوع المقبل، ومع أن لكراديتش الحق في التغيب كما قال كبير القضاة، إلا أن ذلك الحق ليس مطلقاً. وعلى رغم الانطباع العام بأن كراديتش سيستعين ببعض الهواة في مجال القانون الذين تنقصهم الخبرة، إلا أن موظفي المحكمة أكدوا أنه جمع فريقاً من القانونيين المتمرسين يضم أكثر من ثلاثين أكاديمياً ومحامياً من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة. ومن المرجح أن يسعى كراديتش الذي ولد في جمهورية الجبل الأسود التي كانت تابعة ليوغسلافيا السابقة إلى إعادة صياغة الرواية القومية المتشددة التي دفعته إلى ارتكاب الجرائم المنسوبة إليه. وحسب الوثائق التي تسلمتها المحكمة من فريق دفاعه فإنه سيصر على أن الصرب حاربوا المسلمين البوسنة لمنعهم من إقامة "دولة إسلامية في قلب أوروبا"، وأن حقول الموت في "سريبرنيتشا" حصدت عدداً أقل من القتلى المسلمين الذين تشير الإحصاءات إلى وصول عددهم إلى ثمانية آلاف شخص قتلوا على أيدي القوات الصربية. ويرى "مارك إيليس"، مدير الجمعية الدولية للمحامين، أن القضية المطروحة الآن أمام المحكمة الدولية الخاصة بيوغوسلافيا هي الأهم لأنها ستعوض عن إغلاق ملف ميلوسوفيتش قبل إثبات الجرائم المنسوبة إليه، لاسيما -يقول "إيليس"- أنك "لو ذهبت إلى سراييفو وسألت الناس عن تلك الجرائم ستجد اسم كراديتش يجري على ألسنة الجميع، ولذا حان الوقت لكي تثبت المحكمة ما تعذر إثباته في محاكمة ميلوسوفيتش". وأكد "إيليس" أيضاً أنه من المهم حصول كراديتش على محاكمة عادلة، وحتى لو أصر على عدم الحضور فإن المحكمة قد تعين "صديقاً للمحكمة يساعد كراديتش" بدلا من السعي إلى فرض المشورة القانونية عليه. أما المدعي "تيجر" فقد مضى خلال الجلسة الافتتاحية للمحاكمة في وصف الصراع الذي عصف بالبوسنة، مشيراً إلى أن الصرب لم يكتفوا بتفوقهم العسكري الكاسح فحسب، بل هاجموا أيضاً خلال الأيام الأولى للحرب المدنيين العزل في القرى المسلمة بقوات تابعة لميليشيات مختلفة، حيث تعرض المسلمون في العديد من المناطق للقتل والتهجير، وإن كان كراديتش سمح في بعض المرات ببقاء المسلمين في مناطقهم شريطة تحولهم إلى المسيحية الأرثودكسية، حسب ما أكد المدعي. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
المصدر: لاهاي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©