الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العودة إلى «منصة التأسيس»

28 أكتوبر 2009 22:15
عنوان هذا المقال يعود إلى جون قرنق مؤسس ورئيس "الحركة الشعبية لتحرير السودان"... كان ضمن صفوة صغيرة من الجنوبيين والشماليين، آمنت وناضلت من أجل وحدة السودان. هذه الوحدة طوعية تقوم على دعائم العدل والمساواة، ورد المظالم التاريخية، وإنصاف "المهمشين" في جميع أقاليم السودان. لذلك لم تكن "الحركة الشعبية" في تصوره حزباً جنوبياً، ولم يكن التحرير يعني عنده تحرير الجنوب، وتأسيس "السودان الجديد". كانت تلك الدعوة المقدمة التي كانت محور نضاله، والتي قاتل من أجلها الانفصاليين الجنوبيين والشماليين. عندما يسجل المؤرخون الأمناء تاريخ هذه المرحلة الشائكة الحافلة بالأزمات والحروب الأهلية، سينصف التاريخ قرنق صاحب الرؤية المتقدمة للقضية السودانية ومشاكلها وأزماتها التي أوصلت السودان إلى الحرب الأهلية والاقتتال الأهلي. وما خلفته الحرب الأهلية من آثار مدمرة في النسيج السوداني المتعدد الألوان، ليس فقط في الأنفس والمال بل أيضاً على القيم الاجتماعية والأخلاقية، التي أوشكت أن تنهار حتى وطأة الفقر الذي يقود إلى سقوط كرامة الإنسان. الدولة السودانية التي أُعلن عن قيامها في اليوم الأول من يناير عام 1956 واعترف العالم بجمهورية السودان دولة مستقلة صاحبة سيادة على تلك المساحة الشاسعة والقبائل والأعراق المتعددة اللغات والعقائد الدينية، من إسلامية ومسيحية ووثنية. لكن الاستعمار أسس نظماً وأشكالا من "الحكم الإداري" بالشكل الذي يحقق أهدافه الإمبريالية... وجاءت دولة السودان المستقل على عجل لتصبح الوريث لهذا النظام الإداري الاستعماري الذي حكم السودان لنصف قرن، ورسم حدوده الجغرافية، وقسم مديرياته أو ولاياته بشكل معقد. الحكم الوطني الجديد، الذي جاء بعد السلطة الاستعمارية لا ينكر أحد دوره في قيادة الحركة الوطنية التي هزمت الاستعمار، ورفعت علم السودان المستقل. لكن هؤلاء القادة الوطنيين لم يتفهموا حقائق الأوضاع الاجتماعية وطموحات القبائل وأبنائها المتعلمين في الجنوب، وأيضاً في المديريات البعيدة عن مركز السلطة (الخرطوم)، ولم يدركوا إلا بعد أن أوشكت الدولة السودانية على الانهيار في السنوات الأخيرة من القرن العشرين. ومن قبل ميلاد قرنق، كان الزعماء الجنوبيون قد أنذروا السودانيين الآخرين بأن للجنوب مطالب ومظالم وطموحاً في الحكم الذاتي. وعندما وقعت الأزمة البرلمانية الأولى، وعندما هدد الجنوبيون أنهم لن يصوتوا في البرلمان لقرار إعلان استقلال السودان، وأن يعطلوا بذلك الإجراء الدستوري (وتلك حقيقة دستورية)، جمع زعماء وقادة الأحزاب الشمالية أمرهم واتفقوا أن (يمنحوا) الجنوبيين الحكم الذاتي، وأن ينصوا عليه في دستور السودان المستقل القادم. وكان ذلك الوعد الأول الذي لم ترعه وتحققه الحكومات المتعاقبة بعد الاستقلال حتى اضطر الجنوبيون لرفع السلاح في وجه الدولة. دعوة بالعودة إلى منصة التأسيس تعني أن يجلس السودانيون ليفكروا بصدق وجدية في الواقع السوداني وأزماته ومشاكله وما يحفل به هذا الواقع من حقائق ومظالم مؤلمة ومخجلة وتخلف ومآس يعيش في ظله الأغلبية في جميع الأقاليم السودانية وليس الإقليم الجنوبي فحسب، وأن يتفقوا طوعاً على تغيير هذا الواقع المؤلم، وأن يعملوا معاً لبناء سودان جديد يقوم على العدل والمساواة واحترام القانون، خاصة أن السودان مقبل على مرحلة هي أخطر المراحل في حياة الدولة السودانية الموحدة. مرحلة الاستفتاء القادم لتقرير مصير السودان. هل يبقى السودان موحداً في ظل دولة اتحادية بالشروط الدستورية والمواثيق السياسية، أم يعود السودان للتقسيم والتشرذم بانتصار دعوة الانفصال في الجنوب وهزيمة الوحدويين الجنوبيين والشماليين؟ هذه المرحلة الحرجة في تاريخ السودان تحتاج إلى أن تطبق القيادات السياسية الحزبية، المواثيق والاتفاقات التي وقعت عليها جميعاً، وفي مقدمتهم الحزب الحاكم. وهذا المطلب الشرعي ليس مطلب الجنوبيين وحدهم، ولكنه مطلب غالبية الشعب السوداني، الذي لا يرغب ولا يريد أن يعود بوطنه مرة أخرى إلى أيام الحرب الأهلية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©