الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الرياضة

السيدس جيجيا.. الرجل الذي لا يحبه البرازيليون

السيدس جيجيا.. الرجل الذي لا يحبه البرازيليون
12 يونيو 2010 23:15
لا أدعي أنني أعرفه ولو رأيته في أي مكان آخر لربما ما استطعت أن أعرف ما اسمه وما هي جنسيته وماذا كان يعمل قبل أن يتقاعد فشخص في عمره لابد أنه متقاعد فهو يبلغ من العمر 84 عاماً، وبرفقته فتاة شابة يبدو أنها هي التي ترافقه وتساعده على قضاء مصالحه ولكن كيف عرفته؟ ولماذا اتجهت إليه لمصافحته والحصول على بعض الكلمات على لسانه فتلك قصة أخرى. هذا الرجل هو السيدس ادوجاردو جيجيا وهو من الأورجواي، وقد رأيته خلال احتفالية الكونجرس التي أقامها الفيفا وقدم خلالها وسام الاستحقاق لثمانية أشخاص، كان هو من بينهم ولعل الفضول هو الذي انتابني في تلك اللحظة فليس الأمر طبيعياً أن يقوم الفيفا بتكريم شخص في هذا العمر إلا إذا كان قد قام بعمل جليل خصوصاً أن اسمه لا يبدو معروفاً بالنسبة للكثيرين أو بالنسبة لي على الأقل، فقمت بالتوجه إلى أحد أولئك الذين يرتدون البدلات الزرقاء وعليها شعار الفيفا وهم الذين يعملون في الاتحاد الدولي، لأهمس في أذنه لكي يسمعني وسط كل هذا الضجيج: من هو هذا الشخص الطاعن في السن، فقال لي من الطبيعي ألا تعرفه فحتى نحن الذين نعمل في الاتحاد الدولي لا نعرفه ولكن سمعنا عنه ودعني أخبرك أنه كان الشخص الأكثر كراهية في البرازيل في يوم من الأيام. زاد فضولي وطلبت منه أن يسترسل، فقال: هذا هو السيدس جيجيا كان عضواً في منتخب الأورجواي عام 1950 ويومها سجل هدف الفوز للأورجواي في مرمى البرازيل قبل نهاية المباراة بـ 11 دقيقة وتمكن من إسكات 200 ألف مشجع برازيلي كانوا في انتظار انقضاء هذه الدقائق القليلة لكي يحتفلوا بلقب أو كأس العالم في تاريخ البرازيل. عندها تذكرت قصة تلك المباراة وما رافقها من أحداث فقلت في نفسي إذن هذا هو الشخص الذي أجل أول ألقاب كأس العالم البرازيلية ثماني سنوات حيث حققت أول ألقابها عام 1958، عند هذا الحد توقفت عن التفكير بالرجل وكفاني أنني عرفت من يكون. وفي اليوم التالي وبعد نهاية المؤتمر الصحفي الذي عقده السويسري جوزيف بلاتر وبينما كنت متوجهاً للخروج من المكان رأيته يجر قدميه بطريقة صعبة وبرفقته فتاة شابة فلم أمنع نفسي من الذهاب إليه وخاطبته فجاوبني بلغة إسبانية وبكلمات متعبة أنهكتها السنون فلم أفهم ما الذي قاله ولكن مرافقته قالت لي إنه لا يتحدث سوى بالإسبانية، عندها طلبت منها أن تترجم فرحبت وكان سؤالي هو: هل تتذكر الهدف الذي أبكى البرازيل قبل 60 عاماً؟، فأجاب وهو يتحدث ببطء: نعم أتذكره ويمر أمامي دائماً ولن أنسى هذا الهدف أبداً وقد يكون هو الشيء الوحيد الذي سيظل عالقاً بذاكرتي التي لم تعد تسعفني كثيرا هذه الأيام، وعندما وجدت أن الرجل ليس في حالة تجعله قادراً على المزيد من الكلام وقبل أن أودعه طلبت منه التقاط صورة تذكارية معه فرحب بذلك قبل أن أترك الرجل الذي سجل هدفاً سيظل محفوراً في تاريخ الكرة وكأس العالم، وفي المرة القادمة لن أجهله فقد عرفته وعلمت لماذا قام الاتحاد الدولي بتكريمه بعد 60 عاماً من ذلك الهدف. ولم أكتف بهذا فبمجرد ذهابي إلى الفندق قمت بتصفح الانترنت لكي أعرف ما هو أكثر عن هذا الرجل ومما عثرت عليه أن هذا الرجل كان مراوغاً من الطراز الأول ويلعب في مركز الجناح الأيمن، وقد لعب في فريق بينارول الشهير في الأورجواي وحصل على بطولة الدوري عامي 1949 و1951 وفي عام 1952 قام بالاعتداء على حكم فتم إيقافه لمدة عام، وفي العام التالي انتقل إلى الدوري الإيطالي ليلعب في فريق روما وتم منحه شارة القائد وحقق مع الفريق لقب كأس المعارض عام 1961، وفي العام التالي انتقل إلى صفوف اي سي ميلان وهو في عمر الخامسة والثلاثين ليخوض موسماً واحداً حقق فيه لقب الدوري الإيطالي قبل أن يعود إلى موطنه ويواصل اللعب مع أحد فرق الدرجة الأولى حتى أعلن اعتزاله عام 1968 عندما بلغ سن الحادية والأربعين. ولم يلعب لمنتخب أورجواي سوى 15 مباراة دولية كما حصل على الجنسية الإيطالية ولعب لمنتخب إيطاليا أربع مباريات دولية. الدرس الذي تعلمته جوهانسبرج (الاتحاد)- كان المشوار من فندق الإعلاميين إلى ملعب المباراة كابوساً حقيقياً وعلى الرغم من ذهابي إلى الملعب مبكراً قبل بداية المباراة بخمس ساعات، فقد فضلت أن أستقل سيارة أجرة بدلاً من انتظار حافلة الإعلاميين التي تتحرك بعد نصف ساعة، وكان أسوأ قرار، فقد كانت كل الطرق مغلقة بسبب الازدحام المروري وكلما حاول السائق البحث عن طرق بديلة كانت المشكلة لا تتغير في هذه الطرق وعندما اقتربنا من الملعب رفض رجال الأمن السماح لسيارة الأجرة بالدخول فترجلت منها وأكملت الطريق مشياً على الأقدام لمسافة زادت على ثلاثة كيلومترات، وبينما أنا أمشي كانت حافلة الإعلاميين تمر بجانبي وأنا أندب حظي وعزائي الوحيد أنني وصلت متأخراً عنهم ربع ساعة فقط، رغم أنني ذهبت قبلهم بنصف ساعة ودفعت 150 رانداً ومشيت لمسافة ثلاثة كيلومترات على قدمي وتعلمت الدرس. اللحظة تاريخية لكن البرد قارس جوهانسبرج (الاتحاد)- رغم أنها مباراة للتاريخ وعلى الرغم من أنها لحظات لا تتكرر في حياة المرء كثيراً ولكن لربما كنت أنا الوحيد بين الحضور الذي كان ينتظر نهاية المباراة بفارغ الصبر، ومع كل دقيقة تمضي كانت معنوياتي ترتفع، والسبب في ذلك هو الطقس البارد الذي أقيمت فيه المباراة. فمع الصباح كانت الشمس مشرقة وتتوسط السماء كما أن الأمور لم تكن توحي بطقس مختلف عن الأيام السابقة ولذا فكان أن ارتديت ملابسي كالمعتاد، وبالفعل عند الذهاب إلى الملعب كان الطقس رائعاً حتى أنني خلعت المعطف الخفيف الذي كنت أرتديه، ولكن في الملعب وفجأة دون سابق إنذار بدأت الأجواء تبرد شيئاً فشيئاً، حتى وصلت إلى حد لا يحتمل ولم يعد وضع اليدين في جيب المعطف ليفيد كثيراً، ولولا خوفي من إفساد روعة اللحظة وتشويهها في محطات الذاكرة، لغادرت الملعب مبكراً وأعترف بأن كل شيء كان رائعاً بالنسبة للجميع أما بالنسبة لي ومن سوء حظي فقد كانت أسعد لحظاتي عندما أعلن الحكم الأوزبكي نهاية المباراة.
المصدر: جوهانسبرج
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©