الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الإمارات تشارك بـ 250 عاماً من الذاكرة في مهرجان الجنادرية

الإمارات تشارك بـ 250 عاماً من الذاكرة في مهرجان الجنادرية
8 ابريل 2013 23:13
سعد جمعة (الرياض)- على بعد ثلاثين كيلو مترا من العاصمة السعودية الرياض تتجمع على مساحة ستة كيلوا مترات العديد من القرى التي تمثل التراث الفلكلوري الفني الشعبي لمختلف مناطق المملكة العربية السعودية حيث تحتفل الرياض في مثل هذه الأيام من كل عام بالثقافة والتراث من خلال مهرجان الجنادرية الذي يستمر في دورته الثامنة والعشرين ويجمع العديد من الفنون الشعبية الفلكلورية والحرف والأزياء وكل ما يرتبط بالإنسان من تراث مادي ومعنوي، وكذلك يلتقي في هذا المهرجان العديد من المثقفين والبحاثة من مختلف الدول العربية والأجنبية ليناقشوا قضايا فكرية ضمن محاور مختلفة تتقاطع وقضايا العصر والمتغيرات في العالم العربي. وهناك في الصحراء، حيث الجنادرية تواجدت دولة الإمارات العربية المتحدة في هذا العام بشكل كبير وبارز على صعيد المشاركة، التي تمثلت بنموذج لقصر الحصن التاريخي في أبوظبي الساكن في ذاكرة عمرها 250 عاما إذ جسد هذا المعلم التاريخي نموذج القرية التراثية الثقافية التي شاركت بها الإمارات عبر هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة في هذا المحفل التراثي الثقافي الذي يستمر حتى التاسع عشر من الشهر الجاري. الدخول إلى الحصن «بما يمثله قصر الحصن على مدى 250 عاما من أهمية تاريخية واجتماعية ومعمارية ودلالات عميقة تجسدت في القيادة الحكيمة على طريق الوحدة والاتحاد والازدهار، استطاع القصر والذي اعتبر لقرون ومازال القلب النابض لأبوظبي عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة أن يمثل مجد الوطن وديمومته في وجدان المجتمع، فشكل المحور الحيوي في تنمية المجتمع وتطويره وتعزيز مكانته فكانت أسواره بطرازها المعماري المهيب انعكاسا صادقا لروح الثبات والسيادة ونبضت ساحاته بقيم العروبة والفخر والتسامح، وحضنت أروقته روح التصالح والوحدة. ومن عمق المعاني والقيم الخالدة لهذا القصر التاريخي، ارتقى الاهتمام بالبعد المادي والمعماري والفني الفريد للمكان، فكان حصنا منيعا وجميلا في نفس الوقت، وهو انعكاس للجانب القيادي والإنساني والإبداعي والجمالي لمن قطنوه من القادة والرموز المؤسسين والمجتمع بشكل عام، فهو أيقونة دولة الإمارات التاريخية ونواتها التي تفتحت منه بذور النهضة وحوله ازدهرت المدن» بهذه الكلمات تستقبل قرية الإمارات التاريخية زوارها ومريدي الثقافة الشعبية الإماراتية، حيث يأخذك التجول في مساحة الخمسين في المائة من قصر الحصن بين الموروث التراثي والفني الشعبي الممتد عميقا في ذاكرة الثقافة التراثية الإماراتية، فمن بيت الشعر الذي يعد من التراث البدوي الإماراتي الأصيل، و المقهى الشعبي ومساحة الحرف اليدوية التراثية النسائية، والحرف الصناعية اليدوية، والبوابات الأربع، والأبراج الثلاثة التي تزين زواياه والبارجيل، وال14 نخلة المنتشرة في مساحته، تعبق رائحة الثراء الإماراتي الفني والحرفي، وتسرد الذاكرة تفاصيل أزمانا وأزمان من جمال الماضي بأفراحه وأتراحه. الربابة في بيت الشعر يجلس كل يوم الفنان الشعبي عازف الربابة حسن بن أحمد المنصوري البالغ من العمر ستة وخمسين سنة، مع ربابته يعزف ويتغنى بالقصائد العاطفية التي يفضلها دون سواها من القصائد، المنصوري فنان ودود للغاية وجنبه يتجمع الكثير من محبي العزف على الربابة، وفي لحظة صفاء داخل باحة «القصر» بادرته بسؤال عن علاقته بالربابة، فأجاب بلا تكلف وبسلاسة بالغة أنها « علاقة ودية، محبة.. وأهواها من الخاطر.. تولعت بها منذ الصغر، منذ ان كنت في السابعة عشرة من عمري، كانت رفيقتي في حلي وترحالي في الأعمال التي شغلتها، ومنها العمل في شركة أجنبية قامت ببناء جسر المقطع بأبوظبي، وكذلك في شركة كانت تعمل في مطار أبوظبي القديم.. كنت سائق نقل معدات وفي أثناء الاستراحة وبعد العمل كنت أدندن على الربابة ويتجمع حولي العاملين من الأجانب الذين كانوا سببا في تشجيعي ومواصلة علاقتي بالربابة». والمنصوري الذي شارك في إحدى دورات ملتقى الفجيرة للربابة، يرى أن فن الربابة الذي هو فن بدوي بامتياز أصبح محببا لدى الكثير من الجمهور، البدو منهم والحضر على حد سواء، وذلك لصوت الربابة الحنون وصوت المؤدي حين يقول غنائه «من القلب»، ويصر المنصوري أيضا إن المشاركة في المهرجان وتمثيل الدولة هو شرف كبير له، وأنه كعادة كل فنان حقيقي يقول إن مشاركاته تأتي من خلال دعوات توجه له وفي حالة لم يتلق دعوة للمشاركة للمساهمة في فعل ثقافي فني فإنه يلتزم مكانه ويقول «لا أسوم وجهي» حسب التعبير المحلي الإماراتي، أي لا أفرض نفسي على أحد، حيث عزت النفس والأنفة هي من سمات المبدعين على الدوام. المنصوري الآن هناك في الجنادرية يمتع جمهور المهرجان بعزفه الجميل وصوته الشجي وقصائد الحب. بين زمنين ومن حفظة وساردي التراث البحري الإماراتي يتواجد يوميا فهد محمد عيسى العلي البالغ من العمر خمسين سنة، أمام الأشرعة وسفينة الغوص بكل تفاصيلها بـ الفنطاس والدلو والمحار وعدت الغوص وبما يحفضه من بعض أناشيد البحر ، ليقدم شرحا مفصلا للزوار الذين يستفسرون بشغف لمعرفة تفاصيل ماض ولى ودبر، إلا أن حكاياته أبت أن تغادر زماننا بفضل رجلا مثل محمد العلي، ومؤسسات ترعى هذه التفاصيل التي تسكن اليوم في وجدان العصر الحديث برغم عتقها. وعندما يُباغت العلي بجملة إعجاب بالزمن القديم، أي عندما يقل له إن «أيام الغوص حلوه وليتها تعود من جديد» يرد العلي بأن «الله لا يعودها»، وعندما بادرته بسؤال عن ما جدوا أن يكون موجودا إذاً ليشرح تفاصيل الغوص، مخصصا جزءا من وقته لشيء لا يريد له العودة؟ يجيب العلي، مبتسما وبين العديد من زوار موقعه في القرية الإماراتية « لا يمكن مساواة العصر الحديث بما يمتاز به من تطور في الخدمات وسهولة في طلب الرزق، بذلك االعصر القديم، ولكن في الوقت نفسه للجديد جماله وللقديم جماله، ويبقى جمال الأيام القديمة في العلاقات الإنسانية المليئة بالرحمة والتعاطف والتكافل والتعاون بين الناس، إلا أن وسائل طلب الرزق كانت شاقة جدا وكذلك الخدمات الصحية غائبة وبدائية» وهنا يحدق العلي في الجميع الذين استلطفوا حديثه، ويتابع « لذلك لا نتمنى عودة تلك المشقة.. ومشاركتي في الفعالية هي تعبير عن اعتزاز بذلك الماضي وتوضيح أسراره وخفاياه للأجيال الحديثة والقادمة حتى يبقى ماثلا أمامهم مهما بلغوا من تطور وتقدم في مجمل مناحي الحياة». هنا أغادر فهد العلي الذي يواصل يوميا سرد قصص الماضي وحكايات من زمن الغوص والسفر، حكايات عرق الإنسان الإماراتي وتعبه عبر السنين. وعلى بعد خطوات يتجمهر مجموعة من الجمهور أمام حرفة الجلافة، حيث يقوم عبد الرحمن الحمادي الذي يقارب عمره الثامنة والثلاثين، بتطبيقات على بعض من قطع الخشب التي تستخدم في صناعة السفن وأدوات الصيد، والذي قال عندما بادرناه بسؤول عن ما الذي تفعله وانت بهذا العمر قال « أنا ابن صاحب الحلال» أي إن والده يعمل في مهنة الجلافة ولقد استقى فن هذه الحرفة من والده، ولذا يعنى بأن هذه الحرفة ستبقى في الذاكرة عبره وعبر جيل لا حقة. في كل ركن من أركان «القصر» يتحدث الماضي الإماراتي، تتحدث الثقافة الشعبية والتراث الإماراتي، منذ الصحراء القاحلة والتعب والترحال، منذ قوة الأجداد في السفر عبر عباب البحار، منذ الدموع والفرح، منذ الصمود الطويل أمام الخطر .. يحكي القصر قصص حب وعشق، قصص علم وتفوق ومضي في أفق الحياة كي ترسخ الإمارات في القلب وفي الذاكرة. الفنون الشعبية في القصر وعلى «ساحة الاتحاد» تحضر الفنون الشعبية الإماراتية عبر الطبول والطيران والمزامير والعصي والسيوف بشكل مميز وباهر ، تحضر على «ساحة الاتحاد» التي تتوسط مساحة القرية الإماراتية وتعبر رمزيا عن اتحاد دولة الإمارات من خلال مختلف الفنون الشعبية الإماراتية الزاخرة بجماليات الغناء والأداء والرقص، المعبر عن الأفراح والأتراح، هذه الفنون التي شكلت الوجدان الفني للكثير من الفنانين الشعبيين ممن أخذهم الموت عنا، والذين حافظوا على هذه الفنون منذ الأزمان البعيدة لتستقر الآن عند جيل جديد نتمنى أن يتمكن من تسليم هذه الفنون إلى جيلا جديد آخر، كي يبقى هذا التراث الفني الذي يعد وسيلة التعبير الجمالية عند الكثيرين من أهل الإمارات، حاضرا عبر الزمن. معرض الصور تتزين أحد جدران القصر الأربعة بمجموعة من الصور التي ترصد سيرة ومسيرة الإمارات منذ زمن بعيد، صور لوالدنا الكبير المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه وهو مع عدد من ملوك المملكة العربية السعودية حيث تجسد هذه الصورة مدى عمق العلاقة مع الأشقاء السعوديين التي تستمر وتتطور حتى يومنا هذا بعهد صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله. إلى صور بالأبيض والأسود تبرز قصر الحصن في بواكيره الأولى، حيث بدأ من هناك شحذ كل الهمم والآمال للمضي إلى المستقبل، بتحدي كل الصعاب وبعزيمة لا تلين؛ وصور تمثل عبور المقطع في زمن العسر، صور للصيد والغوص على اللؤلؤ حيث تبرز جانب من ذلك الزمن الذي يدس الأحلام والآمال والأما ني في أعماق البحر؛ صور تحفيض القرآن تحت سقف العريش المفتوح على الرحمة والأمل بتعلم القراءة وتجويد الكلام والنفوس بذكر الله. صور كثيرة تعكس فن صناعة الأشرعة والأسواق القديمة والصناعات اليدوية الشعبية الأخرى. الحضور الجماهيري «أهلا بكم يا أهل الإمارات»، «هلا بأهل الإمارات»، «أنتم شرفتونا بحضوركم وبفنونكم» هذه العبارات التي تتردد دائما من الجمهور السعودي الذي يقبل على فعاليات الإمارات بمهرجان الجنادرية للتراث والثقافة في دورته الثامنة والعشرين والذي يبلغ عدد زواره ما يقارب الـ 300 ألف زائر يوميا حسب التقارير التي تنشرها الصحف السعودية. وعن الإقبال والتفاعل الجماهير مع مشاركة الإمارات في المهرجان يقول سعيد حمدان المسؤول الإعلامي بهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، والذي كان متواجدا على مدى الأيام الأولى ضمن الوفد الإماراتي المشارك في مهرجان الجنادرية « أولا أن الترحيب من قبل الجهات المسؤولة والجمهور قد فاق التوقعات، وبدأ هذا الترحيب قبل انطلاقة المهرجان من خلال الإعلام الاجتماعي والمشاركة عبر «هاش تاك» حيث كانت معدلات المشاركة في الـ «هاش تاك» ضخمة جدا، و تمثلت في التعبير عن الفرح و المحبة من قبل الشعب السعودي” ويضيف أن « الإقبال الجماهيري في اليومين الأولين من انطلاقة المهرجان كان كبيرا جدا على قرية الإمارات، وتفاعل الجمهور من خلال الرغبة بالتعرف على تفاصيل ومفردات الثقافة الشعبية الإماراتية التي لم تكن في مجملها خافية عليهم، حيث تقاطعت بعض هذه التفاصيل مع مفردات ثقافية وفنية في فنون سعودية، وكذلك تفاعل الجمهور مع ضيوف الشرف للقرية التراثية من المشاهير ألإماراتيين في عالم الرياضة والغناء الذين يشاركون تباعا في فعاليات الإمارات». ويقول «المشاركة نجحت وبقوه في توصيل الوجه الثقافي والتراثي للإمارات إلى جمهور مهرجان الجنادرية وذلك يتضح من خلال الحضور الكبير من قبل الجمهور الذي حرص على متابعة التنوع الثقافي والفني للدولة، وكذلك التصميم المصغر لقصر الحصن الذي لفت انتباه الحضور واستفسروا عن قصته».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©